السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الألبيري: إختلف حكام الطوائف فضاع الوطن

الألبيري: إختلف حكام الطوائف فضاع الوطن
4 سبتمبر 2013 20:42
وإني احتللت بغرناطة فكنت أراهم بها عابثين وقد قسموها وأعمالها فمنهم بكل مكانٍ لعين فصارت حوائجنا عنده ونحن على بابه قائمون هذه الأبيات من قصيدة طويلة للشاعر الأندلسي أبو اسحق الألبيري، وهي من القصائد التي حازت على شهرة واسعة في وقتها، حيث إنها كانت موجهة ضد ابن النغريلة الذي كان وزيراً لصاحب غرناطة أو ملكها باديس بن حبّوس الزيري. هو أبو اسحق إبراهيم بن مسعود بن سعد التجيبي (1) الغرناطي الألبيري (2) الأندلسي. ولد سنة 375 هجرية الموافق 985 ميلادية في مدينة صغيرة في الأندلس تسمى حصن العقاب، وفي تلك المدينة نشأ نشأته الأولى، وبعدها خرج أهله إلى البيرة لينهل العلم منها وليستقر فيها وليلتقي بالشيوخ والعلماء الذين أخذ منهم العلم والفقه والقراءات القرآنية. من أساتذته الأوائل ابن أبي زمنين المتوفى سنة 399 هجرية. عاش أبو اسحق الألبيري شبابه في مدينة ألبيرة واستقر فيها إلى أن أدركها الخراب فرحل عنها وقال فيها أجمل شعره وأخلده ليبدأ نقلة نوعية ويعيش في عاصمة الأندلس في ذلك الوقت غرناطة.. وفي غرناطة عمل كاتباً لدى القاضي أبي الحسن علي بن ثوبة الذي التحق بخدمة الملك باديس بن حبوس الزيري بعد توليه عرش غرناطة سنة 429 هجرية. ولكنه لم ينس البيرة وما لحق بها من خراب.. وإذا جاز لي أن أحاور أبا اسحق الألبيري بأسلوب العصر، ومن خلال إحدى قنوات التلفزيون فإلى ماذا يمكن أن نصل: ? قل لي يا أبا اسحق، هل كنت تدري أن رثاءك للبيرة كان أول رثاء للأندلس؟ ?? لعلني كنت أستشعر ذلك. ? وما السبب؟ ?? اسألني: ما هي الأسباب، لأنها كثيرة.. غير أن أهمها انشغال الحاكم آنذاك عن الأخطار المحدقة بالحكم العربي للأندلس، وتجاهل الناس أيضاً لتلك الأخطار. ? يبدو أن هناك أسبابك الخاصة.. حيث كنت في ذلك الوقت في غرناطة ومع ابن باديس الزيري. ?? الشعر في النهاية ينطلق من مشاعر الشاعر.. ومشاعري كانت في ذلك الوقت مشاعر الجماعة العامة.. لا مشاعري الخاصة. ? ولماذا البيرة بالذات؟ ?? كانت البيرة هي المكان الذي اختاره أمير الأندلس أبو الخطار الكلبي لإسكان جند دمشق، أولئك الذين جاءوا من عاصمة الأمويين ليعيدوا مجد العرب في الأندلس. ? ألاحظ يا أبا اسحق أن أسماء مدن الأندلس مأخوذة في معظمها من بلاد الشام، مثل البيرة. ?? البيرة تجدها حتى الآن في فلسطين، وكان لدينا أيضاً حمص وقرطبة، والواقع أن التشابه الذي وجده الفاتحون العرب للأندلس بين طبيعة الأندلس وطبيعة بلاد الشام هي التي جعلتهم يطلقون على الأماكن في الأندلس أسماءها العربية. ? ولكن يا أبا اسحق، حتى الآن لم تجب عن السؤال.. ما هي أسبابك الخاصة؟ أكنت على خلاف مع الملك ابن باديس؟ ?? نعم كنت.. لا أخفي ذلك، وخروجي من البيرة منفياً كان لخلاف بيني وبين ابن باديس الذي وضع يوسف بن التغريلة وزيراً ظالما. ? أكان ابن التغريلة ظالماً حقاً أم أنك عاديته لأنه يهودي؟ ?? صحيح أنه كان يهودياً، ولكن لم أعاده وأثر عليه لهذا السبب، بل لأنه كان ينهب خيرات غرناطة ويظلم أهلها.. ? قبل أن أسألك عن حكاية يوسف بن التغريلة أريد أن أعرف لماذا تعلقت بالبيرة ولم تتعلَّق بغرناطة؟ ?? غرناطة والبيرة اسمان لمكان واحد.. نحن أهل البيرة جميعاً لم نفعل أكثر من الانتقال من بيوتنا هناك إلى مكان مجاور سماه زعماء صهناجة غرناطة.. ? متى كان ذلك؟ ?? في عام 401 هجرية. ? ألا تحكي لنا الحكاية؟ ?? حكاها لكم ابن حزم في رسائله.. كان زاوي بن زيري وهو من زعماء صنهاجة قد انحاز إلى العامريين ودولتهم في الأندلس التي قادها متسلطاً المدعو محمد بن أبي عامر الملقب بالحاجب المنصور، وهم من سلبوا الحكم من الأمويين، ولكن هذا الانحياز انتهى عندما خرج زاوي من قرطبة إلى البيرة وصار أميراً عليها... ? ولكن أنتم الذين سهلتم عليه المهمة ودعوتموه للإقامة والإمارة. ?? كنا بحاجة لرجل قوي ينهي خلافاتنا ويحمي بلدنا. ? ولكنه لم يكن كذلك. ?? كان في البداية.. ثم وبقرار منه، خرّب البيرة وقضى عليها. ? كيف يا أبا أسحق؟ ?? إنه هو الذي اختار موقع غرناطة وكانت قرية صغيرة لتكون العاصمة. ? لماذا؟ ?? ادعى أن موقعها حصين يمكن الدفاع عنه.. ولكن لا أعتقد أن هذا كان السبب الحقيقي.. ? ولكنكم جميعاً أهل البيرة غادرتم البيرة إلى غرناطة فخربت البيرة وعمرت غرناطة. ?? هذا صحيح.. ولكن زاوي ترك الأندلس كلها ورحل إلى أفريقيا وحل محله حبوس بن ماكسن عام 416 هجرية.. وحكم غرناطة حتى عام 429، حيث حكم بعده ابنه باديس. ? وهل عشت يا أبا اسحق هذه العصور جميعها؟ ?? عشت ثلاثة عصور متوالية.. الأول عصر دولة العامريين كما أخبرتك.. والثاني عصر الفتنة، عندما حاول الأمويون استرداد الحكم من ابن عامر.. والثالث دولة الطوائف قبل انهيار الأندلس الكبير الذي تمثل بسقوط طليطلة عام 478 هجرية. ? حدث ذلك بعد وفاتك بثمانية عشر عاماً على الأقل. ?? صحيح ولكنه كان متوقعاً لدى كل عاقل، ليس لديّ وحدي. ? وماذا قلت في مدينتك البيرة التي هجرتها إلى غرناطة. ?? مما قلته: يضيّعُ مفروضٌ ويغفل واجبُ وإني على أهل الزمان لعاتبُ أَتُندَبُ أطلالُ البلاد ولا يُرى لإلبيرةٍ منهم على الأرض نادبُ على أنها شمس البلاد وأنْسها وكل سواها وحشةٌ وغياهبُ(3) وكم من نجيبٍ أنجبته وعالمٍ بأبوابهم كانت تناخ الركائبُ وكم طلعت منها الشموسُ وكم مشت على الأرض أقمارٌ بها وكواكبُ وما كان فيها غيرُ بشرى وأنعمٍ فلم يبق فيها الآن إلا المصائبُ ? أبا اسحق، هذه القصيدة التي ترثي بها البيرة، كانت بمثابة البداية لرثاء الأندلس، ولعلّ أبا البقاء الرندي وغيره تأثر بما قلته عن البيرة التي لم يحتلها أحد.. بل هجرها أهلها إلى غرناطة.. ?? صدقني يا ولدي أنني كنت أشعر بالنهاية.. فعندما يختلف حكام الطوائف يضيع الوطن... ? ولكن، مما جاء في مراجع تاريخ شعراء الأندلس أنك عملت كاتباً لدى القاضي أبي الحسن علي بن توية، ورافقته في رحلته إلى مدينة المرية.. ?? كان ابن ثوبة عالماً فقيهاً من قضاة العدل.. ? لم نعرف أنك مدحت رجلاً غيره.. ?? لأنني كما قلت لك.. انطلق من قناعاتي ومشاعري، وفي الحقيقة لم أمدح أحداً، بل إنني جسدت مشاعري الخاصة تجاه ابن ثوبة فهو بمثابة استاذي على يديه تفتحت لي آفاق العلم الشرعي وتفقهت في الدين.. ? ودعوت إلى الزهد.. ?? بل إلى الحياة الحقيقية التي يمثل فيها الزهد ذروتها وقيمتها. ? فماذا قلت؟ ?? قلت وصيتي في قصيدة طويلة.. ? نائبتك المشهورة؟ ?? نعم.. إنها خلاصة تجربتي في الحياة.. ? أيمكن أن تقرأها عليّ.. ?? بل اختار لك بعض أبياتها، لأنها طويلة جداً: تَفُتُّ فؤادَكَ الأيامُ فتّا وتنحت جسك الساعات نحتا وتدعوك المنونُ دعاءَ صدقٍ ألا يا صاح: أنت أريدُ أنتا أراك تحب عِرساً(4) ذات غدير أبتَّ(5) طلاقها الأكياس بتَّا تنام الدهرَ ويحك في غطيطٍ بها حتى إذا متَّ انتبهتا فكم ذا أنت مخدوعٌ وحتّى متى لا ترعوي(6) عنها وحتّى؟ أبا بكرٍ دعوتك لو أجبت إلى ما فيه حظُّك إن عقلتا إلى علمٍ تكون به إماماً مطاعاً إن نهيتَ وإن أَمرتا هو العضب(7) المهنّد ليس ينبو(8) تصيب به مقاتل من ضربتا وكنزاً لا تخاف عليه لصاً خفيف الحمل يوجد حيث كنتا يزيدُ بكثرة الانفاق منه وينقص إبه كناً شددتا فلو قد ذقتَ من حلواه طعماً لآثرت التعلّم واجتهدتا ولم يشغلك عن هوى مطاعٌ ولا دنيا بزخرفها فتنتا ولا ألهاك عنه أنيقُ روضٍ ولا خَدِرٌ(9) بربربه(10) كلفتا فقوت الروح أرواح المعاني وليس بما طعمت وما شربتا وإن أوتيت فيه طويل باعٍ وقال الناس: إنك قد سبقتا فلا تأمن سؤال الله عنه بتوبيخ: علمتَ فهل عملتا فرأس العلم تقوى الله حقاً وليس بأن يقال: لقد رأستا وضافي ثوبك الإحسان لا أن ترى ثوب الإساءة قد لبستا إذا ما لم يفدك العلم خيراً فخيرٌ منه أن لو قد جهلتا وإن ألقاك فهمك في مهاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا ستجني من ثمار العجز جهلاً وتصغر في العيون إذا كبرتا شرح الألفاظ: 1 - نسبة إلى ديار تجيب. ذكر ابن حزم أنها بالأندلس في سرقسطة. 2 - نسبة إلى البيرة، وهي مدينة من مدن الأندلس أيضاً. 3 - غياهب جمع غيهب.. الظلمة أو شدة سواد الليل. 4 - العرس: امرأة الرجل أو رجل المرأة. 5 - أَبَتَّ: أوقعه باتاً أو أوقع الطلاق ثلاثا. 6 - يرعوي: يكف ويرجع عن 7 - العضب: السيف القاطع والمهند السيف. 8 - ينبو: يضرب ولا يقطع. 9 - خِدْرٌ: ستر يمدُّ للجارية في البيت. 10 - الربرب: القطيع من بقر الوحش كناية عن النساء الحساف. المراجع: 1 - ديوان أبو اسحق الألبيري/ الدكتور محمد رضوان الداية. 2 - لسان العرب/ ابن منظور.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©