الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بعد الاستفتاء.. بروز اسكتلندا جديدة

22 سبتمبر 2014 23:41
جريف ويت وكارلا آدم اسكتلندا بدت شوارع أدنبرة المعبدة يوم السبت الماضي ومعها مكاتب حملتي «نعم» و«لا» مهجورة تماماً ومظلمة، فيما الأبواب موصدة والأرض مليئة بمخلفات الأوراق والمنشورات وبقايا توحي وكأنها من زمن غابر، وليست وليدة معركة صعبة أُسدل عليها الستار وخمد أوارها بالأمس القريب! ولكن على رغم هذا الهدوء الطاغي على مقر حملات الاستفتاء من الجانبين كانت الجلبة متواصلة في مكتب برلمان الشباب الاسكتلندي، بل يبدو أنها انطلقت للتو بعد ظهور نتائج الاستفتاء وتأكد بقاء اسكتلندا جزءاً من المملكة المتحدة. فقد خصص الشباب الاسكتلندي المنظم في إطار برلمان شعبي طيلة نهاية الأسبوع لصياغة الخطب، وتدوين الأفكار والحديث عن خطط مستقبلية لبلد إن كان قد خسر محاولة الانفصال، إلا أنه انبعث من جديد بعد الانخراط الاستثنائي لعموم الاسكتلنديين في الشأن السياسي وعودة الروح مجدداً إلى الالتزام بالقضايا العامة. وهذا الانبعاث يأتي في أعقاب فتور كان قد اعترى ليس فقط الاسكتلنديين، بل العديد من الشعوب الأخرى، تجاه العمل السياسي، وهو ما يؤكده لويس كاميرون، الشاب البالغ من العمر 18 سنة وهو رئيس هيئة برلمان الشباب الاسكتلندي، قائلاً: «لقد ارتبطت السياسة في هذا البلد بصورة الرجال في منتصف العمر ممن يرتدون بدلات رسمية، ولم يكن فيها ما يثير الانتباه، ولذا يكمن نجاح الاستفتاء أساساً في إعادة السياسة إلى حياة الناس ومصالحتهم معها، وفي النهاية يمكن القول إن الديمقراطية هي الرابحة». واليوم يواجه الاسكتلنديون بعد إدلائهم بأصواتهم في الاستفتاء مهمة صعبة تتمثل في البناء على النجاح لترجمة هذا الانخراط السياسي إلى تحسن ملموس في حياة الناس، فعلى رغم نسبة 55 في المئة التي صوتت ضد الانفصال وفضلت البقاء ضمن المملكة المتحدة، إلا أنه بالكاد يمكن اعتبار النتيجة دعماً للوضع القائم، ولاسيما في ظل استطلاعات الرأي التي تكشف استياء واسعاً لدى الناس من الطريقة التي تدار بها اسكتلندا. وإذا كان مثل هذا الاستياء عادة ما يقود في حالات معينة إلى نوع من العزوف عن السياسة وإدارة الظهر لمجمل قضايا الشأن العام، إلا أن النقاش حول الاستقلال أثار حماسة الناس وألهب مشاعرهم. وتدل على ذلك نسبة المشاركة الكثيفة في الاستفتاء التي وصلت إلى 85 في المئة من الناخبين، بمن في ذلك من هم في سن 16 و17 سنة، وذلك كله في وقت كانت تشهد فيه المشاركة السياسية في بريطانيا انحداراً ملحوظاً بشكل عام. وعلى رغم كل الحماس وفورة المشاعر التي سادت طيلة فترة النقاش حول الاستقلال خلال السنتين الماضيتين، فقد مر الاستحقاق في ظروف هادئة بصرف النظر عما ينطوي عليه من رهانات، وقد استمر الهدوء حتى بعد إعلان النتائج، حيث امتنع الوحدويون عن إبداء أي نوع من الشماتة، فيما قبل القوميون المنهزمون بالنتيجة. وهذا الاستمرار في الانخراط السياسي حتى لدى الجانب القومي عبر عنه جون ستيوارت، وهو أحد المدافعين عن الاستقلال، قائلاً: «على رغم التعب الذي لحق بنا، ورغم خيبة الأمل لم ينتهِ الأمر بعد، فنحن على أعتاب مرحلة جديدة»، وهي المرحلة التي سيكون فيها الاسكتلنديون مطالبين بالحفاظ على مصالحهم والدفاع عن حقوقهم حتى وهم جزء من المملكة المتحدة. فبعد سنتين من النقاش المحموم حول تحديد الهوية القومية في خيار ثنائي بين اسكتلندا أو المملكة المتحدة ينتقل الاهتمام اليوم إلى الممارسة الاعتيادية للعمل السياسي، حيث تختلط القضايا ويصعب الوصول إليها، ما يعني أنه سيكون على المشرعين في إدنبرة ولندن تحديد حجم السلطات والصلاحيات التي سيتعين نقلها من الحكومة المركزية إلى السلطات الإقليمية، وهي عملية لابد أنها ستنطوي على تقديم تنازلات متبادلة والدخول في مقايضات صعبة تمسّ قضايا معقدة وغامضة مثل الضرائب والإنفاق وغيرها. وعن ترجمة الانخراط السياسي إلى عمل ميداني والتحديات المرتبطة بذلك يقول كريستوفر كارمان أستاذ العلوم السياسية بجامعة جلاسكو: «إن الناس غالباً ما يشاركون في السياسة عندما تلهمهم بعض القضايا المهمة، ولكن عندما ينظرون إلى الكيفية التي يمارس بها السياسيون العمل السياسي، فإنهم قد يكرهون ما يرون». وفي شوارع جلاسكو وبعد يوم على إعلان نتائج الاستفتاء بدت الحياة وكأنها قد استأنفت إيقاعها الاعتيادي وعادت الأمور إلى مجراها الطبيعي، حيث يخف الناس دخولاً وخروجاً من المحال التجارية. وعما خلفه الاستفتاء في نفوس الاسكتلنديين تقول كريستين نوركوي، وهي موظفة بريد: «لقد كنا أمام فرصة جيدة لإسماع أصواتنا بصرف النظر عن النتيجة»، مضيفة أنه من الصعب التكهن بمدى انخراط الاسكتلنديين في الاهتمام بالشأن السياسي «فإذا لم تتغير الأمور قد يشعر الناس بالسأم ويهجرون السياسة». وحتى عندما أعلنت النتائج كانت ردود الفعل لافتة، ولاسيما تلك الصفحة على موقع فيسبوك التي دعت كل من صوت لمصلحة الاستقلال إلى مصافحة من صوت ضده، فيما دعا رئيس الوزراء البريطاني السابق، جوردون براون، الذي لعب دوراً مهماً في الترويج لحملة التصويت بـ«لا» للاستقلال من خلال سلسلة من الخطب التي ألقاها، إلى «الانتقال من أرض المعركة إلى أرض مشتركة»، معتبراً أن تصويت الاسكتلنديين بكثافة سواء بـ«نعم»، أو «لا» يعكس رغبة مشتركة في تحقيق العدالة الاجتماعية، قائلاً «إن الأمر لا يقتصر فقط على الرغبة في المشاركة والتصويت، بل يتعلق بتلك الإرادة الراسخة في تحقيق التغيير الاجتماعي داخل هذا البلد، فالتحرير والاستقلال الذي نرغب فيه هو من الحرمان الذي يعيشه الملايين ومن الفوارق الاقتصادية التي نواجهها». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©