الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مبالغات تضعف السخرية

مبالغات تضعف السخرية
4 سبتمبر 2013 20:51
طوال عشرة أيام وأنا أبحر في كتاب من تأليف خالد السويدي، تحت عنوان “سلطان الحريم”، فقرأته أكثر من مرة، وهو عبارة عن مجموعة قصصية ساخرة، كما تم وصفها في الكتاب، ضمت اثني عشر نصاً قصياً هي: هل تسمعني أجب، سالسا والسيجارة، أين قدمي؟، بنات العز، شنيوب غرق جمل، سلطان الحريم، آخر المدراء المحترمين، الحلوة فوق القانون، البلطجية والكلاب، نساء ماركات، خارج نطاق التغطية، برستيج. والمؤلف السويدي نشر عام 2009 مجموعة قصصية ساخرة بعنوان “بطل رغم أنفي”، ثم ألحقاها بمجموعة أخرى حملت عنوان “بطل من ورق” صدرت عام 2012.. فهل تميزت هذه المجموعة بالاختلاف؟ وهل كانت نصوصه، كما قال في المقدمة، تحمل رسائل للتغيير؟ يقول مؤلف “سلطان الحريم”، خالد السويدي، في المقدمة: “تختلف وتتنوع القصص ما بين قصة جادة تميل للسخرية، وقصة ساخرة تميل للجدية، وقصص أخرى لا من هذا ولا من ذاك، هذه القصص ليست لمجرد الضحك أو لإشاعة جو من النكد، بل هي رسائل موجهة نسعى فيها للتغيير، مع أننا لا نملك هذا التغيير إلا إن كان نابعاً من أنفسنا وقناعاتنا”. إذن المؤلف السويدي على إدراك تام لهذه المهمة وهي الكتابة الساخرة وهو على علم تام بوظيفة هذا النوع من أنواع القصص، بل لديه تجربة سابقة في هذا الحقل المهم. ومن هنا ننطلق لأول قصة تصدرت المجموعة وحملت عنوان “هل تسمعني أجب؟!”. والقصة ببساطة تدور حول رجل عاد متأخراً لمنزله، يشعر ببرودة وفتور تجاه زوجته، فلم يولها أي اهتمام رغم أنها ظلت مستيقظة تنتظره، وعندما بدأت الحديث معه تجاهلها ولم يرد عليها، فظلت تسأله: هل تسمعني أجب؟ ثم إن الزوجة بدأت بتذكير الزوج بالحاجة لعاملة منزلية جديدة، ورد الزوج بجفاء وبرود وذكرته بحاجتها لجهاز هاتفي جديد، ورد عليها باقتضاب شديد ورفض، ثم إنها ورغم برودته ورفضه شراء جهاز الهاتف، طالبته بشراء سيارة جديدة آخر موديل، وغني عن القول أن الزوج رفض.. عموماً المؤلف يريد أن يوصلنا لنتيجة محددة سلفاً لهذا الحوار، الذي تقول الزوجة خلاله إن راتبك 80 ألف درهم، فيضحك الزوج بسخرية وينفي هذه المعلومة، ثم يسود الصمت بين الزوجين، لكن الزوجة قطعته قائلة: أحمد نسيت أن أخبرك بشيء مهم، هل تسمعني؟ فهب الزوج في وجه زوجته قائلاً نعم أسمعك أسمعك، وبعد عدة حوارات متوترة حول الوقت المناسب للحديث بينهما أبلغته الزوجة أن أشقاءها باعوا إحدى البنايات وسيكون نصيبها أكثر من مليون درهم، عندها انقلب حال الزوج مائة وثمانين درجة، وبدأ بالموافقة على طلبات زوجته من الهاتف الجديد إلى السيارة إلى العاملة المنزلية، وبدأ يتحدث عن التعاون داخل الأسرة، وطلب من زوجته سلفة 200 ألف درهم لإنشاء مشروع خاص به، وتنتهي القصة بأن الزوج سأل زوجته متى ستستلمين النقود، لكنها لم تجبه فظل يسأل عدة مرات دون إجابة.. هذا بإيجاز ملامح القصة التي تلبستها جوانب من الخلل، منها أن الزوجة تطلب جهازاً بقيمة ألفين أو ثلاثة آلاف درهم، ويرفض الزوج ثم تطالبه بسيارة جديدة فيها نظام ملاحة لن تقل قيمتها عن مائة ألف درهم، فما الذي نتوقعه؟ ولو أن المؤلف أورد أولاً طلب شراء السيارة، ثم طلب توظيف عاملة منزلية، وصولاً لطلب شراء جهاز هاتف جوال، لكانت القصة أبلغ، بمعنى أن مراعاة التسلسل كان مهماً في هذا السياق. نقطة أخيرة في هذه القصة وهي تتعلق براتب الزوج الذي يبلغ 80 ألف درهم، يتنافى مع ردة فعله عندما علم بأن زوجته ستحصل على مبلغ مليون درهم، فطلب منها 200 درهم لإقامة مشروع يفكر فيه منذ زمن، فهل نعتقد أن مبلغ 200 درهم عائق أو صعب الحصول عليه جداً على شخص دخله الشهري 80 ألفاً؟! لكن هذه الملاحظات التكنيكية في القصة لم يتم مراعاتها، والسبب ببساطة أنه ركز على النتيجة النهائية وهي إظهار الزوج كاستغلالي وانتهازي، أو أن تعاملاتنا حتى تحت سقف الحياة الزوجية باتت تسيطر عليها النظرة المادية.. لكن أين تكمن ملامح السخرية، في هذا السياق؟ ربما يعتقد المؤلف إنها ظاهرة في نهاية القصة عندما يطلب الزوج المال من زوجته، دون أن ترد عليه.. أما القصة التي كان لها شرف عنوان المجموعة “سلطان الحريم”، فهي تحكي عن ثلاثة زملاء كانوا يجلسون في “كوفي شوب”، سالم وحميد وخميس، ودون الذهاب لسياقات القصة التي جاءت في نحو 13 صفحة فإن سالم حضر في ذلك اليوم للمقهى وهو حزين وبعد عدة نقاشات عرف حميد وخميس، أن السبب هو خلاف بينه وبين زوجته، فنصح خميس صديقه سالم بعدم الانسياق لطلبات زوجته وأن يتعلم منه كيف يكون سلطان الحريم، وفن التعامل مع النساء، ويواصل خميس قائلاً: لقد وصلتني رسالة للتو من زوجتي تخبرني فيها بأن الماء الساخن جاهز لتدليك قدمي في الماء المالح.. وانصرف الجميع من “الكوفي شوب”، وعند ركوب سالم سيارته وصلته رسالة من زوجته تقول فيها: أنا زعلانة منك ولكن لا مانع لدي في أن تمر لتأخذني من منزل والدي، فتحرك سريعاً باتجاهها. على الجانب الآخر وصل خميس للمنزل وكانت زوجته بانتظاره حيث انتزعت هاتفه المتحرك فور دخوله، وبدأت التفتيش على الرسائل والمكالمات دون أن ينطق بكلمة ونظرت له وقالت: أنت معاقب اليوم بالنوم على الأرض عقاباً لك على تأخرك.. كانت تلك زوجته التي تغسل قدمي سلطان الحريم بالماء الدافئ يومياً!.. المؤلف يريد أن يبلغنا أن ما يدعيه بعض الرجال من قوة الكلمة والتعامل العنيف مع زوجاتهم قد لا يكون صحيحاً وأن سلطان الحريم مجرد كذبة.. لكن المبالغة في سطوة زوجة خميس، ليست سخرية بقدر ما هي مبالغة لم يحسن المؤلف تصويرها.. وأفضل وصف لهذه القصة هو أنها كلاسيكية تقليدية، احتوت على عدة هفوات تركيبة سواء في تتالي الحدث أو ترتيب التفاصيل. لكن الوضع يختلف كلياً في النصوص التي حملت عنوان “البلطجية والكلاب”، والتي تحمل إسقاطات بالغة الأهمية، وهي أيضاً لا تخلو من السخرية بمحتوى بليغ، وبالمثل نجد في القصة التي حملت عنوان “نساء الماركات”، سخرية تحتوى على ظواهر جديرة بالاهتمام في مجتمعاتنا الخليجية، لمعالجتها وهي المظاهر الكاذبة، والزيف الإنساني، وصولاً لنص “خارج نطاق التغطية”.. أما النص الساخر بامتياز فهو قصة “برستيج” رغم أن المؤلف قذف بها في نهاية المجموعة.. لقد اختار السويدي، عنواناً لمجموعته “سلطان الحريم” وهي القصة الأضعف ولا تمثل فيها السخرية البعد الذي تجده في قصص أخرى، لكنه وكما يبدو فضل الجانب التسويقي في هذا الاختيار، لا الجانب الإبداعي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©