الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شهادات القلوب والضمائر والعيون .. عشنا المعاناة وشهدنا التغيرات وتطورنا معاً

شهادات القلوب والضمائر والعيون .. عشنا المعاناة وشهدنا التغيرات وتطورنا معاً
26 نوفمبر 2006 00:54
قبل خمسة وثلاثين عاماً بدأت عجلة الزمن الدائمة الدوران، تطلق نسائم التغيير في دولة الإمارات، هذه البقعة الجغرافية من خريطة العالم التي تخطت بنموها المتسارع التوقعات كافة، فتجاوزت كل وصف، وأضحى واقعها أقرب إلى الخيال· فالطفلة الوليدة نضجت وبدأت تلفت الأنظار إلى نهضتها وحضارتها وجمالها وتميزها· كل ذلك بفضل موحدها وباني نهضتها -المغفور له بإذن الله- الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي ورث عنه ألق الريادة والقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، مواصلاً العهد وبناء المجد للوطن والإنسان· كان للمزيج قوس القزحي من الأطياف البشرية في الإمارات، سمة بارزة لهوية هذه الدولة التي جمعت في قلبها كل هذا الكم من ثقافات وشعوب البلدان، والتي استقطبتهم بحثاً عن خبراتهم وعلومهم وكفاءاتهم وحرفية مهنهم· كل من التقيناهم من المقيمين العرب وسواهم، في تحقيقنا هذا لنرصد شهادات قلوبهم وعيونهم، عاصروا قيام دولة الإمارات بفضل إقامتهم على أراضي إماراتها قبل الاتحاد بسنوات· ومازالوا مفعمين بالذكريات الجميلة، والشعور بالأمن والرخاء والتقدم الدائم، وهو ما شجعهم ودفعهم للبقاء في الإمارات حتى يومنا هذا· أمل النعيمي: روعة يونس: ''كانت أبوظبي صغيرة الحجم، بسيطة التكوين، متوازنة مع المقاييس الإنسانية''، هكذا يصف الدكتور حسين غنايم- المستشار القانوني في المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، مضيفاً: إن قيام الاتحاد يعكس صورة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد، فبفضل حكمته وأياديه البيضاء ووضوح رؤيته وإخلاصه وتفانيه، تجاوزت سمعة الإمارات الآفاق، وأصبح العيش في كنف الإمارات التي انتقلت من حال إلى حال وعصر إلى عصر، حلم جميع الناس· كانت أبوظبي البوصلة التي تقف عندها قلوبنا كفلسطينيين، قبل إعلان الاتحاد، وبعد ذلك فإن الذين أقاموا في الإمارات استطاعوا البقاء بفضل طيبة شعبها وطبيعة بيئتها البكر، وأجوائها المتطورة ووجود الكفاءات المتنوعة، وكلها شواهد على نضج تخطيط وقيادة الشيخ زايد الذي فتح أرض بلاده لكل الناس من دون تمييز، على اختلاف أجناسهم وانتماءاتهم، انطلاقاً من هدف البناء وتقديم الأفضل لهذه الأرض الطيبة· كبرنا معاً بوابة أي مدينة تبدأ وتشرّع من مطارها، وفي آواخر الستينات، كان مطار أبوظبي متواضعاً وغرفة استقباله صغيرة بسيطة· لم تكن الطريق المؤدية إلى داخل الإمارة مسفلتة إلاّ في جزء بسيط منها، وما تبقى تراب مرصوص موشى بالرمال المتناثرة، يقطع الطريق جسر قديم ''المقطع'' ولم يكن آنذاك حديدياً ومدعّماً، بينما تتوزع على جنبات الطريق ''عشش'' بيوت أشبه بخيم داخلية وحاجز من القصب أو سعف النخل· هذا ما أخبرنا به السيد ايلي صوايا -مدير شركة الخليج لتركيب الشبرات، التي انطلق نشاطها قبل نحو 30 عاماً، وكان في اواخر الستينات يعمل في إحدى الشركات بأبوظبي، وعاصر الاتحاد قبل وبعد قيامه· يقول: كانت مخيمات الشركات -في منتصف الستينات- التي بدأت ترد إلى الإمارة، تملأ أبوظبي، وتضم مكاتب ومقار العمال، من ضمن تلك الشركات الكبرى (الكات- أبيلا- المسعود- القادري) وغيرها· حيث تُمدّ المكاتب بمولدات كهربائية لتوليد طاقة تكفي لإنارة المخيمات، وكانت الفرحة تبدو على وجوه الساكنين في الأبنية الأخرى كلما دخلت الكهرباء إليها· شارع المخيمات كان أكثر الشوارع نشاطاً وحركة، ويقع بالقرب منه السوق القديم قريباً من شاطىء البحر، وتقتصر مواده الغذائية على الأرز والتمور والأسماك والمعلبات وبعض اللحوم المجمدة· ومعظم المحال -على ندرتها- كانت ذات طابق واحد، كحال الأبنية السكنية المسقوفة بالطين، إذ يندر رؤية بناء من ثلاثة طبقات· كان عدد السيارات قليلاً جداً، ونعتمد في تنقلاتنا على ''البد فورد'' والسيارات الكبيرة الصحراوية· أما الخروج من أبوظبي إلى أي جهة، فيتطلب الوقوف على الجسر، حيث غرفة خاصة للحصول على أذن خروج، وقبل الوصول إلى المناطق المقصودة كانت غرف مماثلة تنتظر قدومنا كي نختم إشعار دخول· وعن معاصرته يوم الاتحاد وإعلان قيام دولة الإمارات يضيف السيد ايلي صوايا قائلاً: كان الشيخ زايد ''رحمه الله'' يؤمن أن القوة في الوحدة، وكذلك صديقه وشريك قناعاته ورؤاه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، فكان سعيهما حثيثاً لتشكيل الاتحاد الذي يبني دولة قوية يقيها من الاختلاف· يوم 2 ديسمبر 1971 بدأت الشوارع ترتدي زينة جميلة، وانطلقت الأفراح والاحتفالات التي شاركت فيها الشركات العاملة ووحدات رمزية من الجيش والشرطة، ورُفعَت أقواس كُتبت عليها عبارات رائعة ورفرف العلم الإماراتي، وكانت فرحة عربية أيضاً شارك فيها رئيس وزراء لبنان رشيد الصلح ووفود عربية من الكويت والسعودية ومصر وسورية واليمن ودول أخرى· وأقيمت حفلات فنية أحياها عدة فنانين من ضمنهم الفنانة سميرة توفيق، حيث أقيمت في سينما مكشوفة، وأخرى في بيت الضيافة· وأذكر أنه بعد ذلك التاريخ حطت طائرة لشركة ''طيران الشرق الأوسط'' في أولى رحلاتها إلى مطار أبوظبي· بعد ذلك وخلال سنوات قليلة، واصلت الشركات الكبرى بتوجيه من الشيخ زايد متابعة تخطيط المدن وشق الطرقات وهندسة الشوارع· فنمونا وكبرنا وعاصرنا نهوض دولة الإمارات وشهدنا تحسين الأوضاع ودخول الكهرباء والماء وازدهار الزراعة وتشجير الصحراء وظهور الجسور والأبنية والمطارات والمرافق العامة، وعمّت بعد ذلك نهضة عمرانية وحضارية وإنسانية أذهلت العالم· ممرضون بلا حدود قبيل عام 1971 لم تكن هناك مستشفيات ومستوصفات وعيادات اختصاصية كبرى كما الحال الآن· وقد وصل أبوظبي فريق أطباء وطاقم تمريض قادم من لندن للعمل مع ''مهندسي البترول'' الذين كانوا يعملون في شركة للتنقيب عن النفط· من ضمنهم الممرضة البريطانية كريستسن بايلون المتزوجة من عثمان الفضل -طبيب سوداني، حدثتنا عن واقع الحال آنذاك بقولها: حين وصلنا الإمارات عام 1967 لم يكن في المنطقة سوى عيادة بسيطة تشرف عليها راهبات، يعالجن أمراض الناس في الإمارة وتنتقل في الوقت ذاته إلى مواقع التنقيب في الجزر البعيدة· كانت الأخوية ونحن مثلهن لانملك من الأدوات العلاجية سوى ما اصطحبناه معنا، بعض الحبوب المسكنة للصداع وضربة الشمس والتهاب اللوزتين ومضادات الإسهال والإمساك، وقطن وشاش و''اسبيرتو كحولي'' لتعقيم وتضميد الجروح· لم تكن تفي بالغرض جيداً، وكان الناس يقصدون البحرين والهند وإيران للعلاج، إلى أن أمر الشيخ زايد ببناء مستوصف وعيادة ملحقة به، يتولى العلاج فيها أطباء من الهند ومصر وسورية، تلاها بعد ذلك حين قيام مستشفيات بدأ عددها يزداد مع ازدهار الدولة· كتاتيب التعليم لعل مقولة العلم في الصغر كالنقش في الحجر، هي خلاصة رأي مريم عيسى الكاف -معلمة يمنية، وصلت العين قبل أشهر من إعلان قيام الدولة· تقول: كانت الكتاتيب منتشرة في المنطقة، ويعتمد عليها الأهالي كثيراً في تعليم أولادهم، ومنهم من كان يرسل ابنه لإكمال تعليمه في الكويت أو مصر أو بغداد كي يحصل على الثانوية أو الشهادة الجامعية· كانت هناك مدرسة ''الوردية'' وأذكر أن الشيخ زايد ''رحمه الله'' كان مهتماً فيها بشكل خاص لأنها أولى المدارس في المنطقة، ولم تتجاوز مساحتها بضع غرف يدرس فيها أبناء المدراء والمهندسين المعنيين بالكشف والتنقيب عن النفط· الآن صارت هناك وزارة للتربية وأخرى للتعليم العالي، وعوضاً عن مدرسة هناك ألف، وعوضاً عن جامعة هناك مئة جامعة محلية وعربية وعالمية عاملة على أرض الإمارات· بينما ذقنا الأمرين في ظروف قاسية قبل قيام دولة الإمارات، حيث صعوبة التنقل بين المناطق الترابية، وصعوبة إقناع الأهالي بضرورة تعليم البنات· ناهيكم عن حرارة الجو وعدم وجود مكيفات، باستثناء المكيفات الصحراوية التي تعمل بالماء وتصدر أصواتاً مزعجة يصعب معها تلقين التلاميذ دروسهم· شخصياً، ما كنت لأصدق أن كتاتيب تعليم القرآن الكريم وأبجدية اللغة العربية وبعض الأشعار وعلوم الحساب، سيحل محلها أرقى الجامعات وخيرة الطلاب والخريجات والخريجين··· لولا رأيت ذلك بأم عيني· سباق مع الزمن عندما وقف الناس قبل 35 عاماً مرحبين بقيام الإمارات العربية المتحدة، لم يكن أحد منهم يتصور أن تأثير ذلك الحدث سيتغلغل في جميع جوانب حياتهم اليومية، ويمسها بالقوة التي لمسناها جميعاً· لقد كانت الوحدة بحد ذاتها مطلباً يومياً للجماهير العربية في شتى أصقاعها· لكن الأمر كان يحتاج قادة من نمط المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، قادة يؤمنون بالقدرات اللامتناهية لشعوبهم لتحقيق ذلك الهدف· هكذا استهل الصحفي والمترجم معن أبو الحسن شهادته، مضيفاً: أهم ما لاحظته عندما قدمت من سورية إلى أبو ظبي مطلع السبعينات، التسارع المتزايد لحركة التطور والتغيير· لكن الأمر المذهل حقاً كان الاستعداد الفطري للناس العاديين في تقبل ذلك التغيير، والالتحام الكامل مع عجلة التطور، مدفوعين بطموح هائل نحو اختصار الزمن ونهل المعرفة· واليوم، وهذه الدولة الفتية تحقق ما يكاد يرقى لمعجزة حقيقية في سباقها مع الزمن، لا يسع المرء إلا العودة بالذاكرة لتلك الأيام الخوالي، لأولئك الخالدين الذين وقفوا إلى جانب قائدهم، باذلين الغالي والثمين في سبيل الوصول إلى ما نعيشه اليوم· لقد كان من حسن حظ ذلك الجيل، والأجيال اللاحقة، أن حباها الله عز وجل، بقائد فريد نجح في استقراء المستقبل، وحقق المستحيل في وجه ظروف محلية وإقليمية وعالمية بالغة الصعوبة، فكان بحق الربان الذي أوصل سفينته إلى بر الأمان· العشش والمعلبات أما نادية خالد جبارة فتروي لنا حكاية انتقال عائلتها إلى الوطن الثاني الإمارات بقولها: قرر والدي زيارة أبوظبي في مطلع الستينات، وكان حينها يعمل في قطر، وأقام في أماكن تسمى ''الدواوير'' تضم أشجار النخيل والأعشاب الخضراء· كانت هناك استراحة واحدة، ومثلها في مدينة العين تسمى (المضيف) ولم يكن هناك آنذاك فنادق أو أماكن أوشقق يستطيع الزائر استئجارها، وكان الطعام المتوافر هو المعلبات فقط! استمرت زيارات والدي للمنطقة إلى أن قرر في منتصف الستينات تأسيس شركة للبناء، بخاصة أن ابو ظبي كانت بدأت لتوها في مرحلة البناء والتأسيس، وكان الميناء الذي يستقبلون فيه بضائعهم هو شاطئ فندق الهليتون حالياً ''هيلتونيا''· ومع قيام دولة الاتحاد لحقنا به إلى أبوظبي وأقمنا في منزل صغير إلى حين انتهاء بناء بيتنا في منطقة تسمى ''الباور هوس'' وهي الآن تقاطع شارع المرور مع شارع هزاع بن زايد· وكان عدد المنازل المبنية من الطوب في تلك المنطقة قليلاً جداً و كانت غالبية البيوت تسقف بالجريد وسعف النخل وتسمى'' العشش''· أما والدة ناديا فقد استكملت ذكريات ابنتها بالقول: كان شارع حمدان هو أجمل ما في المدينة ويكاد يكون الشارع الوحيد الذي يحوي بعض المباني المرتفعة، ويضم محلاً اسمه ''جرين ماركت'' تباع فيه الخضار وتتوافر مرة واحدة في الاسبوع، حيث يتجمع الناس لشراء حاجاتهم من الخضار الطازجة ويستبدلون المعلبات، ومن ثم فتح محل بقالة آخر اسمه ''عبير'' يقع في عمارة ''هامل الغيث''- برج الغيث حالياً· كانت البلد تغرق في الطين مع كل هطول للمطر، وترى السيارات معطلة والمياه تملأ الشوارع، لم تكن هناك منطقة النادي السياحي بل امتداد للبحر· وبالمقارنة مع ما وصلت إليه البلاد اليوم من نهضة، نجد الحلم أصبح حقيقة· طرق ترابية وتقول أم عصام، زوجة إبراهيم الصالح -مقاول بناء، سكن منطقة أم خنّور بالشارقة في أواخر الستينات-: عندما عزمنا على المجيء إلى الشارقة كان هدفنا الحياة بسلام، لم تكن هناك طرقات أو محال خدمية، وكانت الطرقات ترابية وعندما نذهب بالسيارة لم يكن بإمكاننا الوصول إلى أبعد من منطقة ''دوّار الكويت'' الآن· عاصرنا تطور هذه البلاد الجميلة بأهلها وبرئيسها الراحل ''رحمه الله''، فقد كان عظيماً بانتمائه العربي ووحد الإمارات وتوحدنا من خلالها على حبه· الفرق كبير ما بين قبل قيام الاتحاد وبعده، فمما لمسناه في الحدود وعدم الوقوف في نقاط التفتيش وختم الجوازات، صرنا نشعر أن الإنسان ينتمي إلى امتداد هذه الأرض من دون مشقة، كما أن التطور البنياني والحضاري والسباق إلى ما توصلت إليه الحضارة من مستجدات، تجعل الإمارات قبلة لكل من أراد الحياة بشكل أفضل· والمفارقة الكبيرة أنه حين نذهب في الإجازة إلى الأهل، يضجر الصغار ويريدون العودة للإمارات بسرعة· أجمل أيام شبابي أنيل جاكوب جوهان -مدير مشتريات غذائية بجمعية أبوظبي التعاونية، جاء من وطنه الهند إلى أبوظبي وعمره 22 سنة، عازماً على بناء حياة أفضل له· قال: قضيت في الإمارات أجمل أيام شبابي عاصرت (الحلم) عبر تطور البلاد بقيادة والد الجميع الشيخ زايد ''رحمه الله''، بات كل شيء مختلفاً عن السابق، بل لم يكن هناك شيء ثم خلال سنوات صار في الإمارات كل شيء· لهذا أجد متعة كبيرة في العيش على هذه الأرض لأنني رأيت بعيني التغيير في البلاد عاماً بعد عام، وأثق أنها بلاد تضم بقلبها الجميع من دون تمييز وكل حسب ما يقدم من عمل· تلك الشهادات، لا تشكّل زاد تحقيق صحفي أو احتفائي بالذكرى الخامسة والثلاثين لقيام دولة الإمارات العربية المتحدة، مقدار ما تشكّل شهادات القلوب والضمائر والعيون التي اكتنزت طيلة 35 عاماً وأكثر ذكريات حميمة متصلة بالأفئدة، فأصحابها نشأوا وتطوروا وتقدموا مع نشأة وتطور وتقدم الإمارات، ولشدة حبهم وتعلقهم بالإمارات يبدو الأمر لديهم كأنما الإمارات الوليدة التي نمت وكبرت أمامهم حينما نمواً وكبروا معها وفيها·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©