الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قناة جونقلي

21 فبراير 2008 01:06
في أول لقاء علني بين الزعيم الراحل ''جون قرنق'' نظمته له اللجنة المصرية - السودانية -للتضامن مع حشد من الصحفيين والكتاب السياسيين المصريين في القاهرة- قال صحفي للزعيم الراحل مامعناه: تبدو وكأنك رجل وحدوي تتعدى نظرتك السياسية والفكرية حدود الوحدة بين شمال وجنوب السودان إلى وحدة وادي النيل، فكيف إذن تبرر معارضتك بل و''تدمير جيشك '' لمشروع ''جونقلي'' أجمع الخبراء بأنه سيحقق مصلحة أكيدة للشعبين في جنوب وشمال الوادي؟!! رد ''قرنق'' ضاحكا بأنه أولا يريد أن يطمئن الأخ أن جيشه لم يدمر مشروع قناة ''جونقلي'' إذا كان المقصود ذلك الحفار الرائع الذي صمم ليعمل في شق القناة فهو في الحفظ والصون وبحماية جيش حركة تحرير السودان، وأنه ليس ضد المشروع، وأن له وجهة نظر علمية وموضوعية حول الآثار التي ستترتب على البيئة عند قيام المشروع كتبها ووثقها في أطروحته العلمية للحصول على درجة الدكتوراه، وناقشها ولو أراد السائل للعلم والمعرفة الإطلاع عليها، فيمكنه الرجوع إليها على العنوان الذي حدده له، وضحك دكتور ''جون'' وهو يقول للسائل وبالمناسبة أنا كتبت الرسالة قبل أن أصبح متمردا· تذكرت هذه الواقعة عندما طالعت الأنباء السارة التي حملها لنا الفريق ''سلفاكير'' النائب الأول ورئيس الحركة الشعبية وحكومة الجنوب، إذ أعلن في القاهرة والخرطوم أن الاتفاق قد تم بينه وبين رئيس الوزراء المصري على استئناف العمل في شق قناة ''جونقلي'' بدءا من إعادة الدراسات الفنية والاقتصادية للمشروع، الذي وصفه بأنه سيحقق الخير للشعبين الشقيقين؛ وحقيقة فإن مجرد استعادة الاهتمام بهذا المشروع الحيوي المهم ووضعه في مكانه الصحيح في أجندة العلاقات السودانية المصرية؛ فهي بادرة لابد أن تحسب للفريق ''سلفكير'' وحكومته، وهي ستعيد الاطمئنان للكثيرين من المشفقين والحادبين على إخوانهم في الحركة الشعبية، قبل أن تتمكن منهم المشاغل اليومية وتصرفهم عن الاهتمام الأوجب بقضايا وهموم التنمية المستدامة التي كانت وماتزال هي مفتاح حل الأزمة السودانية العامة، وأزمة جنوب مابعد الحرب واتفاقية السلام؛ كانت قضية التنمية العادلة والمستدامة، تمثل العمود الفقري في مشروع بناء السودان الجديد الحلم الذي كان الزعيم الراحل ''جون قرنق'' أبرز الحالمين به، والداعين إليه، وسيبقى تحقيق الحلم بتضافر جهود كل القوى الخيرة في السودان هو قمة الوفاء لذكرى ذلك الزعيم الاستثنائي· إن مشروع قناة ''جونقلي'' ليس مجرد مشروع مائي يوفر للسودان ومصر أربعة مليارات متر مكعب، ظلت تذهب هباء بسبب التبخر وستوزع مناصفة بين البلدين الشقيقين، فالمشروع في صورته المتكاملة ودون الدخول في تفاصيل فنية، سيكون بداية لحياة جديدة زاخرة وعامرة في منطقة ظلت فيها الطبيعة تتحدى قدرات الإنسان، فمنطقة السدود في جنوب السودان ظلت تشكل سداً يمنع التواصل البشري لقرون وبإزالته وشق القناة ستهب الأرض خيراتها، وستكون هناك آلاف الأفدنة من الأراضي الخصبة، وستوفر من حولها حياة تكفل للأهالي نمطا جديدا من الحياة والثروة، لا يقتصر على الرعي والزرع، وبتقدم العلم وتطوره ستجد مشكلة البيئة التي كانت تؤرق الراحل ''جون قرنق'' حلولا تحفظ التوازن البيئي ولا ترهق الإنسان الذي هو غاية كل جهد يبذل على طريق التنمية والتقدم· إن المغزى والمعنى في زيارة الفريق ''سلفيا'' الأخيرة للقاهرة، ولقاءاته بالمسؤولين المصريين وبالأمين العام لجامعة الدول العربية، وما صدر بعد لقائهما من تصريحات للسيد ''عمرو موسى'' حث فيها الدول العربية والمستثمرين العرب، بأن يتقدموا لأداء واجبهم نحو تنمية الجنوب، تأتي في الوقت الصحيح، وهي تحمل الرد المباشر على ما يريد البعض إشاعته من ظلال سالبة نحو توجهات الحركة الشعبية وحكومة الجنوب، حول علاقات السودان العربية، غير أن الأهم من ذلك كله، أن يصحب القول الفعل، وأن ترتقي السياسة العربية والسياسة السودانية وترتفع بنظرها من المعارك الهامشية اليومية إلى آفاق المستقبل، وأن تتعلم من مسيرتها الطويلة أن مصالح شعوبها وعلاقاتها المستدامة ستعلو في نهاية الأمر على كل مصلحة آنية سواها، ولنأمل أن يكون فتح ملف قناة ''جونقلي'' هو بداية لفتح ملفات المصالح المشتركة، التي يجب ألا تعطلها مناورات الساسة اليومية الخائبة والفاشلة· عبدالله عبيد حسن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©