الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوروبا... في مرحلة «ما بعد الوطنية»

4 سبتمبر 2013 22:59
دانييل كوهن-بنديت عضو البرلمان الأوروبي عن حزب «الخضر» الألماني فيليكس ماركردت خبير في العلاقات العامة خلال الانتخابات الأوروبية العامة المقبلة، علينا أن نُسقط القناع عن أكبر أسرار ساستنا الوطنيين: أن الدولة- الأمة التي ينظرون إليها باعتباره جوهر الحكامة الحالية أخذت تتحول بسرعة إلى بنية سياسية قديمة عفا عنها الزمن. ذلك أن جيلاً جديداً في أوروبا أخذ يكبر وينضج في ظل مستويات معيشة أدنى مقارنة مع آبائهم، جيل بات يواجه اختياراً حاسماً اليوم: اندماج سريع أو انجراف طويل إلى المجهول. وحتى الآن، فإن أكثر مخطط طموحاً لمواجهة هذه المعضلة الخطيرة يتمثل في جعل التصويت في الانتخابات الأوروبية يتم في اليوم نفسه عبر الاتحاد الأوروبي، وفي أن يتم انتخاب رئيس المفوضية الأوروبية بواسطة التصويت الشعبي. غير أن لا شيء من ذلك يشبه في شيء «الرجة القوية» التي تحتاجها أوروبا اليوم. وبالمقابل، فإن الوقت موات لحركة على مستوى القواعد الشعبية تكون عابرة للأوطان وعابرة للأجيال وعابرة للأحزاب من أجل الانتقال بالاندماج الأوروبي إلى المستوى التالي. وفي هذا الصدد، علينا قبل تشكيل أي حزب أن ننظر إلى قصص النجاح الأوروبية لتحديد كيف يمكن أن يكون عليه شكل برنامجنا. ولندع الفنلنديين يعلِّموننا أشياء بخصوص التعليم؛ والفرنسيين بخصوص الرعاية الصحية؛ والألمان بخصوص التوظيف المرن؛ والسويديين بخصوص المساواة بين الجنسين. في الوقت الراهن، مازالت البلدان الأوروبية تجد الراحة في رموز عالمها القديم. وهكذا، فإننا نفتخر بتاريخنا الغني ومآثرنا الجميلة ونجذب سياح العالم، الذين تعجبهم ثقافتنا وموضتنا ومطبخنا؛ ولكن رموز وضع «العالم القديم» والسياح لن ينقذوا أوروبا. فهم قد ينقذون أوروبا، وبرلين، وروما، ولندن، تماما مثلما يمكن أن ينقذوا وادي لوار، وبافاريا، وتوسكانا، وأكسفورشر؛ غير أنه خارج العواصم الملأى بالمتاحف والمناطق الريفية التاريخية، تبتلي بقية أوروبا ببطالة مزمنة، ونمو كئيب، ومجتمعات تزداد شيخوخة بسرعة. هذا لا يعني أن زعماءنا المنتخَبين نواياهم سيئة أو غير قادرين على مواجهة هذا التحدي؛ وإنما غير متحمسين بكل بساطة حتى يفهموا الواقع المركزي للسياسة اليوم. فمن السذاجة أن نتوقع من سياسيين تقليديين يُنتخبون لولايات من أربع و خمس سنوات أن يعالجوا بشكل كاف ومناسب مواضيع بالغة الأهمية مثل ندرة الموارد، وتقلص الغابات، والبطالة المزمنة، والاحترار الأرضي، ونفاد المخزون السمكي، والتي تعد بطبيعتها عالمية ويستغرق حلها عقودا من الزمن. ولذلك، فإن حلول اليوم في حاجة إلى أن تكون عابرة للأوطان، وإلا فإنها لن تكون حلولا حقيقية إطلاقا. دعونا نستمر في تشجيع ومساندة منتخباتنا الوطنية لكرة القدم؛ ولكن دعونا نتوقف عن الانخداع بأوهام زعمائنا الممجِّدة للذات التي تقول إن الدولة-الأمة مازالت هي الوسيلة المناسبة لعصرنا في ما يتعلق بصنع السياسات. وبالمقابل، علينا أن نقبل بشكل كامل ما يشعر به الكثير منا منذ بعض الوقت – أننا نوجد اليوم في فجر عهد جديد، عهد ما بعد الوطنية حيث يمكن للأوروبيين أن ينتقلوا فيه من أدوار ومراتب متأخرة إلى أخرى متقدمة. أما إذا لم نفعل، فإن أوروبا يمكن أن تصبح مثل صورتها النمطية عن أميركا: مكانا توجد فيه أفضل المستشفيات، ولكن حيث ملايين الناس لا يملكون ضمانا صحياً مناسباً؛ ومكاناً لديه بعض من أكثر التكنولوجيا تقدما في العالم، ولكن حيث الكثيرين ليست لديهم إمكانية الوصول إليها؛ ومكانا يفخر بجامعات عالمية مرموقة، ولكن حيث تعاني أجيال من نظرة ضيقة ومحدودة الأفق إلى العالم. المثير للاستغراب والسخرية معا هو أننا الأخيرين الذين مازالوا يشكون في مشروعنا السياسي؛ حيث نشتكي من أن أوروبا ليست سوى شيء مجرد بالنسبة لمواطنيها، والحال أننا لم نمرر بعد القوانين لخلق جواز سفر أوروبي جدير بهذا الاسم، أو الإطار لتمكين كل أوروبي من احتضان مشروع الاتحاد الأوروبي حقا. وهناك مقولة مفادها: «إذا كان لديك خياران فقط، فاختر الثالث». والمقصود ليس هو استبدال الوضع الحالي بديكتاتورية الشباب؛ فهذه الحركة يجب أن يتبناها كل من يتفقون على أننا يجب أن ننقل السلطة أكثر نحو الشباب، بغض النظر عن أعمارهم، وذلك حتى نقلص بنجاح الدين الذي نثقل به كاهل الأجيال المقبلة. إن أوروبا لن تتغير بانتخابات 2014، بل ستتغير فقط عندما يوافق سياسيون مؤمنون بجدوى المشروع الأوروبي ومنتخَبون لمناصب وطنية على نقل السلطة إلى مؤسسات أوروبية حقا. كما أننا بحاجة إلى أن نخبر سياسيينا بأننا لم نعد نصدق ما يحاولون إقناعنا به من كلام عن الوطن والوطنية، وأننا لا نشاطرهم خوفهم من الانزلاق إلى المجهول إذا أعطينا المفوضيةَ الأوروبية والبرلمان الأوروبي السلطةَ التي يستحقانها. فإما أن نستغل قوة الشبكة الأوروبية ومواردها الغنية كلها أو نسمح لوتيرة العولمة بأن تتركنا في الخلف. ولعل الخطوة الأولى تكمن في شروعنا في التصويت ليس كمواطنين فرنسيين أو ألمان أو يونانيين – وإنما كمواطنين أوروبيين! ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©