الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هكذا حال الدنيا

27 نوفمبر 2006 00:33
لا ندري لماذا تغيرت النفوس البشرية إلى هذه الدرجة وهذا الحد من السلبية والانقياد خلف المصالح الشخصية وتحقيق الذات بالأوجه القبيحة الرديئة، وتغيرت بالتالي معها الذمم الإنسانية وضاعت وتلاشت من ذاكرتنا المختزلة منذ أيام الصبا والدراسة تلك الصورة التي رسمناها سابقاً عن المعاني السامية والنبيلة التي لابد وأن ترتبط بالإنسان في حياته اليومية والتي قرأناها في الكتب وحفظناها على أيدي مدرسينا عن ظهر قلب، وما فتئنا نقرأها ونرددها حتى يومنا هذا، وبقيت تلك الصور الجميلة لصيقة بذاكرتنا القديمة، ولكنها مع مرور الأيام وتوالي السنوات، بدأت كل تلك الذكريات الجميلة والمبادئ الطيبة الجميلة تأخذ في التلاشي والاضمحلال شيئاً فشيئاً وأخذت تغشوها الضبابية حتى لم تعد تلك الصورة تظهر أمام أعيننا بالشكل الذي كنا نتمنى أن نراه به حينما نصل إلى هذه الفترة من عمر الحياة، رموز وشخصيات من البشر قد يكونون مضرب الأمثال بين الناس للورع والتقوى والزهد والترفع عن الدنايا والرذائل بل من الأخيار الصالحين يضرب بهم المثل الأعلى في الجد وعدم الغرور بالمظاهر والمناصب والجري خلف المصالح والنفاق الاجتماعي الذي استشرى وانتشر في هذا العصر والزمان، إلا أن الحياة الجديدة وما بها من زخرف المصالح الشخصية الذاتية قد فرضت أسلوبها على تلك الفئة من البشر، وتغيرت معها بالتالي جملة من المفاهيم الجميلة التي كنا نحسبها ستظل ملتصقة بالناس إلى الأبد لكنها وللأسف تغيرت بتغير الوقت والزمان وحتى المكان وبتغير المصالح كذلك فكلما طغت المصالح وعلت نحو القمة كلما تغيرت معها المثل العليا التي كنا نعرفها وعهدناها سابقاً، ودرسناها في كتبنا، الناس الآن أصبحت تعيش في نفاق كبير من أجل تحقق مآربها ومصالحها ولا يهم لديها حتى لو طمست الحقائق وغضت عنا البصر، وعكست الآيات رأساً على عقب من أجل إرضاء الآخرين وصولاً لتحقيق مصالحها بأي ثمن كان فمثلهم الذي يسيرون عليه في الحياة ونهجهم الذي اختطوه كي يسيروا عليه إنما هو الغاية تبرر الوسيلة، في هذا الزمان المريض الذي تهاوت فيه المثل العليا وتداعت فيه الأخلاق واختل فيه توازن الخير والصدق ورجحت فيه كفة ميزان الشر والكذب والنفاق، والذي وثب فيه أصحاب المصالح ممن هم من جماعة المنافقين والإمعيين نحو القمة نحو الأعلى وبقي أصحاب الذمم السليمة والمخلصون والأمناء من الناس في مؤخرة القوم وفي ذيل الركب الذي ترأسه وتزعمته القلة القليلة من الفئات التي تعودت على النفاق والمجاملات وانحناءات الرؤوس أمام مرؤوسيها واتخذت من هذه الألاعيب والحركات الخبيثة المكشوفة نهجاً وطريقاً لها لا حياد عنه في التعامل في الحياة، فلقد ماتت عندهم الضمائر وتبلدت لديهم المشاعر وتقلصت الأحاسيس وباتت تجارة وضيعة تباع وتشرى بأثمان وأسعار بخسة، فماذا ينتظر من أناس من البشر باعوا كل ذلك هذه الفئة من الناس يتخذون من هذه الأساليب القذرة الخبيثة والطرق الملتوية مسلكاً لهم لقضاء أمورهم وحوائجهم، المصلحة الذاتية ولا شيء غيرها أما المصلحة العامة فهي تأتي في المرتبة الأخيرة من تفكيرهم هذا إذا فكروا في المصلحة العامة ، هم بكل تأكيد وبدون مجاملة يعتبرون آفات المجتمع أينما وجدوا فقد استولوا على حق ليس من حقهم وتوسعوا في محيط دائرتهم أكثر وأكثر مما يجب بالرغم من أنه ليس هناك مجال أصلاً لهم بالتوسع، الحياة برمتها لا تستحق في كل الأحوال أن نتعامل مع معطياتها وتصريفاتها على هذا النحو من الانضواء تحت عباءة من هم أعلى مقاماً، وشأناً ومكانة وهيبة وغنى فهذه مقامات زائلة سرعان ما تزول بزوال المؤثر لها من حياة الإنسان، وتختفي وتصبح كأنها لم تكن إنما تبقى للإنسان كرامته وعزت نفسه وحياديته المطلقة على قول كلمة الحق بالعدل والسوية دون لي لكتف الحقائق ودون كسر لأعناق الصدق فمن يحب أن يتسلق على أكتاف وقفا وظهر غيره من الناس للوصول إلى مقاصده ومآربه إنما هو إنسان لا يؤمن له جانب، لأن الأمانة لديه أصبحت في حكم العدم، فهل هناك من قاموس في الحياة أو كتاب به من المصطلحات والأفكار والرؤى شيء يمكن أن يستفاد منه أو يرتكز عليه الإنسان ليجد أعذاراً لهذه الفئة من البشر؟ لهذه الأخلاقيات البذيئة المريضة التي تجعلها سلوكاً يومياً لها في تعاملها مع الآخرين في الحياة· حمدان محمد كلباء
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©