الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«مرحباً بحسنة لم أعملها».. نهج سليم في مقابلة إساءة الآخرين

«مرحباً بحسنة لم أعملها».. نهج سليم في مقابلة إساءة الآخرين
5 سبتمبر 2013 20:17
الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام وشرح صدورنا للإيمان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين ... وبعد «مرحباً بحسنة لم أعملها»، هذا العنوان وردَ في كتب السيرة والتاريخ على لسان الإمام الحسن البصري رحمه الله في مقابلته إساءة الآخرين، فإذا تكلم الناس عنك بسوء، قل: كما قال الحسن البصري: «مرحباً بحسنةٍ لم أعملها، ولم أتعب فيها، ولم يدخل فيها عُجبٌ ولا رياء». هذه هي الأخلاق الحميدة التي تعلمها المسلمون عبر تاريخهم المشرق من كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، فهذا الخلق جاء انطلاقاً من قوله تعالى: (ادْفَعْ بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، «سورة فصلت، الآية 34»، أي من أساء إليك فادفعه عنك بالإحسان إليه، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما عاقبتَ من عصى الله فيك، بمثل أن تُطيع الله فيه، كما وجاءت آيات عديدة من القرآن الكريم تحث على هذا الخُلق الرفيع منها قوله سبحانه وتعالى أيضاً: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، «سورة آل عمران الآية 134»، وقوله أيضاً: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)، «سورة يوسف: الآية، 92»، وقوله: (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ)، «سورة المائدة: الآية، 95»، وقوله: «عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف»، (أخرجه مسلم). فقد الحسنات كما وبين رسولنا صلى الله عليه وسلم بأن المسلم يفقد حسناته يوم القيامة إذا أساء للآخرين، حيث يُعْطَوْا من حسناته كما جاء في الحديث عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَن الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَــتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسـَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَــتْ حَســَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطـُرِحَتْ عَلَيْهِ ثمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ)، «سورة الأعراف: الآية، 199». ادْفَعْ بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ انطلاقاً من سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم ومواقفه المشرفة في مقابلة الإساءة بالإحسان، فإننا نسوق بعض الأمثلة الدالة على ذلك من خلال سيرته العطرة عليه الصلاة والسلام: ? إن رسولنا صلى الله عليه وسلم كان مثالاً وقدوة في التحلي بالصفات الحسنة، وله مواقف كثيرة ومتعددة تدل على مقابلته عليه الصلاة والسلام السيئة بالحسنة، فقد رُوي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كنتُ أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه بُرْدٌ نجرانيٌّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيٌّ فَجَذَبه جَذْبَةً شديدة، حتى نظرتُ إلى صَفْحَةِ عَاتِقِ النبي صلى الله عليه وسلم قد أَثَرت به حاشيةُ الرِّداء من شدة جَذْبَتِهِ، ثم قال: مُرْ لِي مِنْ مالِ الله الذي عندك، فالتفتَ إليه فَضَحِكَ، ثم أَمرَ له بعَطَاء»، (متفق عليه). تأمل أخي الكريم كيف قابل نبينا عليه الصلاة والسلام هذه الإساءة بالمعاملة الحسنة، فقد كظم غيظه صلى الله عليه وسلم وسامحه وعفا عنه وأمَرَ له بعطاء، وهذا هو خلقه عليه الصلاة والسلام فقد جاء في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من جرعةٍ أعظمُ أجراً عند الله، من جرعة غيظ كظمها عبدٌ ابتغاء وجه الله تعالى»، (أخرجه البخاري). ? ومن الأمثلة الدالة على ذلك أيضاً ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَلَ نجد، فلما قفل (رجع) رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل معه، فأدركتهم القائلةُ في وادٍ كثير العِضَاه (كل شجر عظيم الشوك)، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفرق الناس يستظلون بالشجر، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة وعلَّق بها سيفه، وَنِمْنَا نومةً، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، وإذا عنده أعرابيٌ، فقال: (إن هذا اخْتَرَطَ عليَّ سيفي وأنا نائم، فاستيقظتُ وهو في يده صَلْتًا، فقال: مَنْ يمنعك منِّى؟ فقلت: الله «ثلاثاً»، ولم يعاقبه، وجلس»، (أخرجه البخاري)، فهذا هو خلقه عليه الصلاة والسلام مع من أساء إليه. ? وعلى هدي السنة النبوية الشريفة تربت أجيال المؤمنين عبر التاريخ، فقد ذكرت كتب السيرة والتاريخ قصة أخرى حدثت مع الإمام الحسن البصري رحمه الله، حيث قيل له: إن فلاناً قد اغتابك، فبعث إليه بطبق حلوى، وقال: بلغني أنك أهديتَ إليَّ حسناتِكَ فكافأتُك. أثر الإحسان إلى الآخرين ذكر الإمام ابن حجر في الإصابة أن فضالة بن عُمَيْر الليثي ذهب قاصداً قتل النبي صلى الله عليه وسلم أثناء طوافه بالبيت، فلما دنا منه، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أفضالة؟!» قال: نعم فضالة يا رسول الله، قال: ماذا كنت تحدِّث به نفسك ؟ قال: لا شيء، كنت أذكر الله !، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: استغفر الله، ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه، فما كان من فضالة إلا أن قال: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خَلْقِ الله أحبّ إليَّ منه، وأسلم فضالة بهذا الصفح الكريم، وزالت من قلبه العداوة، وحلت محلَّها محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. تأمل أخي القارئ هذا الموقف النبوي الكريم، كيف قابل النبي صلى الله عليه وسلم رغبة القتل والعدوان من فضالة، بالابتسامة الصادقة والمعاملة الكريمة والدعاء له بالهداية والمغفرة، واليد الحانية التي كانت بلسماً سكن به قلب فضالة، فشرح الله صدره للإيمان، وتحوَّل الموقف من العداوة إلى المحبة. ويرشدنا رسولنا صلى الله عليه وسلم إلى عدم مجاراة أهل الإساءات في إساءاتهم، بل علينا أن نترفع عن الرد على هذه الإساءات. إن الأخلاق الإسلامية المتمثلة في الترفع عن إساءات الآخرين ومقابلة ذلك بالتسامح والعفو والسماحة، شكلت سبباً رئيساً بفضل الله لدخول الناس في الدين الإسلامي، حيث لا يمكن لِمُنْصفٍ أن ينكر هذه الصفات الكريمة، فديننا الإسلامي يحث على وجوب التراحم والمودة بين الناس، والتأدب بالآداب الإسلامية، ونبذ الحقد والحسد والتباغض، ليتحقق العفو والتسامح و العدل والإنصاف بين بني البشر. الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©