الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شتاء سيلفيا الأخير

شتاء سيلفيا الأخير
21 فبراير 2008 01:27
لم يكن إقدام الشاعرة الأميركية سيلفيا بلاث على الانتحار، في الحادي عشر من شباط سنة (1963)، سوى ولادة جديدة لها· فلقد أكسبتها حادثة الانتحار شهرة كبرى، معبّدة الطريق أمام سيل من الكتابات التي تناولت أدبها وحياتها· ومن يتفحص محرك بحث كـ ''غوغل''، مثلاً، سيعثر على ما ينوف عن المليون والنصف ''وصلة'' تحيل إليها، فضلاً عن ثلاثين موقعاً أو أكثر، مكرسة لها· إننا لا نبالغ إن قلنا أن ثمة آلافاً من المقالات والأبحاث التي عنيت بها، أما الكتب النقدية والسير، فلقد تجاوزت الاهتمام الطبيعي بشاعرة مُجيدة· لقد انتقلت قصة حياتها إلى السينما عبر فيلمين، وأُلَّفت عنها روايتان إحداهما بعنوان ''سيلفيا وتيد'' Sylvia and Ted لـ ''إيما تينانت'' Emma Tennant, والأخرى بعنوان ''إشتاء: رواية عن سيلفيا بلاث'' Wintering : A Novel of Sylvia Plath لـ ''كيت موزس'' Kate Moses. تركز رواية تينانت على الثالوث الذي مثلته سيلفيا بلاث وزوجها تيد هيوز وعشيقته آسيا غوتمان، في إطار حبكة لا تخلو من الميلودرامية، مصورة بلاث كضحية، عبر التركيز على هجر زوجها لها إلى امرأة أخرى· أما موزس فإنها تحاول رسم ملامح الشاعرة، وإلقاء الضوء على حساسيتها الكتابية، دون عناية كبيرة بالحبكة التقليدية· يمكننا أن نعد عمل موزس رواية تاريخية، على الرغم من أنها لا تتحدث عن تاريخ بعيد، وهي كذلك تملأ الفجوات بين الأحداث بقص متخيل، رابطة العالم الذي تشيده حول بلاث ببحث متقصٍ يكاد يشبه البحث التاريخي من جانب، والدراسة النقدية من جانب آخر· وعلى أية حال، فإن ما يهمنا، عند قراءة أي رواية، أن تكون أمينة لشرطها الفني، وأن تملك القدرة على الإقناع، وهذا ما حاولت موزس فعله· لقد أعطت المؤلفة كل فصل من فصول روايتها عنواناً مطابقاً لعناوين ديوان بلاث الأخير ''إيريل'' Ariel في مخطوطته الأصلية، والرواية تحوي، كالمخطوطة، واحداً وأربعين فصلاً· لقد أتمت بلاث ديوانها الشعري قبل بضعة أسابيع من انتحارها، وهو يبدأ بكلمة ''حب''؛ الكلمة الأولى في قصيدة ''أغنية الصباح'' Morning Song، وينتهي بكلمة ''ربيع'' في قصيدة ''إشتاء'' Wintering; آخر قصائد الديوان، والقصيدة التي أوحت إلى موزس بعنوان روايتها· لقد غيّر تيد هيوز، الذي سيصبح بعد وفاتها بسنوات شاعر البلاط في إنجلترا، ترتيب الديوان المخطوط، مضيفاً بعض قصائد بلاث الأخرى، التي كتبتها في الشهر الأخير من حياتها، ويبدو أنها نوت إصدارها في مجموعة شعرية لاحقة· قام هيوز، كذلك، بحذف بعض القصائد التي ظنها غامضة، أو ليست في المستوى المطلوب، مما أغضب بعض دراسي بلاث، وجعلهم يتعاملون مع نسختين للديوان؛ أصيلة ومنقحة، ودفعهم، أيضاً، إلى إعادة التفكير في نظرة بلاث إلى الحياة· القصائد ترتبط بحوادث ومشاعر خَبِرَتْها بلاث، وبالإمكان الاتكاء عليها كمفاصل أساسية للرواية· ويأتي تأويل الرموز والإشارات المبثوتة في كل قصيدة ليكمل المشهد· تحاول موزس في روايتها بناء الأيام والأحداث التي سبقت أعياد الميلاد سنة (1962) وتلتها بقليل، حين قررت بلاث الانتقال من ديفونشاير Devonshire إلى لندن، والعيش بعيداً عن زوجها، رفقة طفليها الصغيرين، شارعة في كتابة مكثفة لقصائد ديوانها الأخير· وتستثمر موزس هذا الحدث في العودة، عبر استرجاعات عديدة، إلى فترة سابقة من حياة الزوجين سيلفيا وتيد· لا تحوي الرواية ـ كما أسلفنا ـ بناء ذا حبكة واضحة، وإنما يغلب عليها التداعي، وتبدو في كثير من الأحيان كأنها تمرين للكتابة، وهو ما يعطي الرواية تلقائية، وبعداً جمالياً أصدق· كما أن الرواية تتفادى التعمق في شخصية عشيقة الزوج آسيا، إلا في مواضع قليلة، وعبر ما يرد من ذكر لها في قصيدة بلاث ''الآخر'' The Other فضلاً عن أن موزس لا ترينا بلاث في مشهد انتحارها، أو لحظات الاضطراب الأخيرة، والتفكير الفعلي بمغادرة العالم، وتستبدل ذلك بإظهار بلاث الساعية نحو التحرر من قيد الماضي، والقوية القادرة على إثبات نفسها شاعرة، وكاتبة استثنائية· إن هذا ما تريده موزس عندما ترينا بلاث وقد امتطت حصانها ''إيريل'' في عيد ميلادها، وهي تتمشى به في أرض براح والسماء صافية وبعيدة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©