السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الطير يهذب النفس البشرية بمنطقه

الطير يهذب النفس البشرية بمنطقه
21 فبراير 2008 01:27
تحمل هدى الشوا القدومي في اصدارها ''رحلة الطيور إلى جبل قاف''، الحائز على جائزة الشيخ زايد عن أدب الأطفال، أكثر من دعوة إلى الطفل العربي المفتون منذ وعيه بقصص لا تمت إلى مجتمعه بصلة، فاذا بها تأخذه بلطف العارف بأمزجة الأطفال المتقلبة، إلى رحلة تعليمية، فلسفية، وأخلاقية فيها حث على التحلي بالفضائل كالصبر والمحبة والارتقاء بالنفس الى ما فوق الماديات، والتخلي عن الصفات السلبية كالغرور والأنانية والتملق، وذلك من خلال تصوير مسرحي على لسان الطيور التي يرمز كل منها الى طراز من الناس بطباعه وخصائصه· تستلهم الشوا القصة الصوفية الصادرة عن دار الساقي، من كنوز الحضارة الإسلامية، ولاسيما التراث القصصي الخيالي الرمزي الذي تنتمي اليه قصص الطيور والحيوان في كتاب ''كليلة ودمنة'' لابن المقفع، وقصة ''حي بن يقظان'' لابن طفيل، وقصة ''شكوى الحيوان من ظلم الإنسان'' في رسائل أخوان الصفا، كما أنها مستوحاة من المنظومة الشعرية ''منطق الطير'' للشاعر الفارسي الصوفي فريد الدين العطار الذي عاش في إيران في القرن الثاني عشر· مصادر تراثية توضح الشوا أن العطار استقى اسم منظومته الشعرية من القرآن الكريم في سورة ''النمل'' التي تذكر قصة النبي سليمان وحديثه مع الطير: ''وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس عُلمنا منطق الطير وأُتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين''، وتشير الآيات الكريمة الى مكانة الهدهد كحامل رسالة من النبي سليمان الى ملكة سبأ يدعوها الى عبادة الله، يسرد في منظومته أن طيور العالم قد اجتمعت لانتخاب ملك لها، توظف القاصة الفكرة ضمن مقاطع نثرية اتخذت أسلوب المقامة، ولكل منها عنوان يحمل صفات كل طير وعذره، تقدّم قصتها بعرض دواعي الاجتماع: ''اجتمعت الطيور ذات يوم في بستان وقالت: نحن نعيش في زمن وأوان، تسود فيه الفوضى، والظلم والطغيان، لا يخلو قومٌ من حاكم، أو ملك، أو سلطان يحكم بالعدل والحكمة والاحسان، فلا بد أن نبحث لنا عن قائد، عظيم الشأن يدير شؤوننا ويقودنا الى شاطئ البر والأمان''· يخبر الهدهد، دليل الملك الحكيم، والمعروف بحكمته بأن هناك ملكاً هو الطير العنقاء المقيم في جبل قاف، ولكن الطريق اليه عبر وديان سبعة محفوفة بالمخاطر والأهوال، فاذا بكل طير يباشر في تقديم الأعذار لعدم القيام بالرحلة، يقول الطاووس المختال بريشه: ''هل رأى أحدٌ أبهى مني منظراً ؟ ألست أنا الأحق أن أكون سلطانا؟''، يجيب الهدهد: ''يا طاووس، غرورك وكبرياؤك هما سبب هلاكك ، ومُلك الطير لا يكون بالكبر والطغيان فإنّ الغرور نهاية كل سلطان، فلا تمش في الأرض مختالا، فكم أفنى الغرور رجالا، والمُلكُ إن حضر الكِبر قد زال وبالخلق لا الخَلق تضرب الأمثال، فاترك النظر في المرآة إلى حين، وامعن النظر في مرآة نفسك وأنا على يقين، سترى الحياة أجمل للناظرين''، ويتذرّع البلبل بأنه لا يمكنه أن يترك محبوبته الوردة الحمراء، والببغاء مقتنعة برفاهية قفصها الذهبي، والبطة لا تستطيع أن تترك مواطن الماء، والحجلة عاشقة للياقوت والأحجار الكريمة ونفائس الجواهر، والصقر ليس بامكانه مفارقة معشر الملوك والأمراء والفرسان، والبومة عاشقة الظلام والعزلة والأماكن المهجورة، فكان دور الهدهد، وهو المرشد الهادي، أن يفنّد تلك الذرائع والحجج ويقنعهم بالقيام بالرحلة على الرغم من صعوبة الطريق، وكانت النتيجة، أن بعض الطيور تعبت في منتصف الطريق، وآثرت الرجوع على المضي في التحليق، وهناك مجموعات ضاعت، أو التهمتها الأفاعي، أو افترستها الغيلان، أو احترقت أجنحتها في وهج الشمس، أو هلكت على قمم الجبال، بقي ثلاثون طيراً فقط هي التي صمدت من آلاف الطيور، ووحدها التي خلصت الى كون ''الكنز النفيس هو فضائل داخل النفس دفينة، وبرحلة صعبة في داخل نفوسهم انكشفت هذه الجواهر الثمينة''· الجبل والأسطورة تذكر الشوا على هامش القصة بأن ذكر جبل قاف وارد في بعض المصادر العربية القديمة ككتاب ''عرائس المجالس'' الذي يبيّن ''أنه جبل من زمردة خضراء محيط بالدنيا، وخضرة السماء منه وعليه كتف الدنيا، وما وجد الناس من الزمرد فهو مما يتساقط منه''، كما يأتي ذكره في القرآن، اذ يخمّن المفسرون بأنه الجبل المحيط بالأرض: ' 'وهو من زبرجدة خضراء وأن خضرة السماء من خضرته، أصله من الخضرة وأن جبل قاف عرق منها· وزعم البعض بأن وراءه عوالم وخلائق لا يعلمها إلا الله تعالى، وأن الشمس تغرب فيه وتطلع منه وهو الستار لها عن الأرض وتسميه القدماء البرز''، أما العنقاء فإنها طائر أسطوري هو السيمرغ (لفظ فارسي يقابله العنقاء بالعربية)، جاء ذكره في العديد من كتب التراث، منها ''عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات'' للقزويني الذي يذكر: ''العنقاء أعظم الطيور جثة وأكبرها خلقة تخطف الفيل كما تخطف الحدأة الفار، وعند طيرانه يسمع من ريشه صوت كهجوم السيل أو صوت الأشجار عند هبوب الريح، وذكروا أن عمر العنقاء ألف وسبعمائة سنة ويتزاوج إذا أتى عليه خمسمائة سنة، فإذا حان وقت بيضها يظهر بها ألم شديد فيأتي الذكر بماء البحر في منقاره ويحقنها به فتخرج البيضة عنها فيحضن الذكر والأنثى تمشي وتصيد ويفرّخ البيض بمائة وخمس وعشرين سنة''· تأتي قصة ''رحلة الطيور الى جبل قاف''، بعد إصدار أول لأستاذة اللغة الإنجليزية التي تعيش في الكويت، والمولودة في المملكة المتحدة من أب فلسطيني وأم بريطانية، تحمل القصة الأولى عنوان ''عنبر''، وهي مبنية على شخصية عنترة بن شداد، المحارب الأسطوري الشهير في الشعر الملحمي في زمن ما قبل الإسلام، أما القصة الثانية، فيرافقها ست عشرة لوحة صورية مقتبسة من روح الفن الإسلامي، قامت بتنفيذها الفنانة البريطانية فانيسا هودجكينسون على بلاطات خزفية لها شكل النجمة، تحمل اللوحات ألوان الفيروز والأخضر والمينا والذهبي لرسم الطيور والزخارف النباتية كما كان سائداً في البلاطات الجدارية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©