الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إسماعيل عامود: التاريخ جاءني إلى بيتي

إسماعيل عامود: التاريخ جاءني إلى بيتي
24 سبتمبر 2014 21:20
* روحي تميل الى التسكع على أرصفة عالم مجهول وغامض بحثاً عن المعنى * الشعر حالة صوفية روحانية وجوهره أن يحقق الإنسان إنسانيته ويسمو بوجدانه * أنا سنبلة من قرية "السلمية" التي ينبت فيها الشعراء كالسنابل ------- لا يمكن تجاهل تجربة الشاعر إسماعيل عامود في كتابة القصيدة النثرية، فهو أحد روادها السوريين المخلصين لها، وصاحب تجربة عميقة مع التمرد والمشاكسة ضد التقليد والمألوف، نافح الألم بحساسية شعرية عالية وبلاغة تعبيرية أرست دعائم قصيدة النثر التي بدت في حينها شكلاً محيراً وصناعة معقدة و بسيطة في آن. ------ يوصف بـ شاعر الانفلات والصوفية المترعة بالرومانسية التي رافقت مسيرته الشعرية منذ بداياتها. امتلك - حسب النقاد - الجرأة والموهبة في التعبير، وانسجم مع ذاته في نقل ما يشعر وما يرى، مما جعل لقصيدته النثرية في شكلها وتجلياتها خصائص وسمات متفردة لم تفتر أو تموت. رغم عمق التجربة العمرية وامتدادها بقي حاضر الذاكرة، طازج الحضور، لا يزال يتسكع بين أوراقه وقصائده التي بقيت ترافقه طوال رحلة العمر. "الاتحاد" التقت الشاعر إسماعيل عامود على هامش مشاركته في إحدى الأمسيات الشعرية في الدولة، وكان الحوار التالي: * بداية، كيف يحب الشاعر إسماعيل عامود أن يقدم نفسه لقراء "الاتحاد"؟ ** أنا شاعر الكآبة والرحيل. أهوى التسكع والمطر. أعشق السفر وخاصة في الاتجاه المعاكس، وأود أن أغني للأرصفة البالية، وأكتب أشعارا من أجل الصيف في دفتر دمشق، وأعشق مدينة لا يسكنها الخوف، المدينة التي أصبح خبزها بلا ملح. ولدت في قرية السلمية في سوريا عام 1928. عرفت التنقل منذ صغري بحكم عمل والدي. تتلمذت، في المرحلة الابتدائية، على يد الشاعر أنور الجندي الذي أوحى لنا بفكرة الشعر المنثور عندما كان يطلب منا نثر الشعر العمودي، الموزون والمقفى، وعملت مع ثلة من الشعراء على إرساء قواعد مدرسة الشعر الحر في سوريا أو ما يسمى حالياً قصيدة النثر بالترافق مع كتابتي للقصيدة العمودية وشعر التفعيلة. * منذ أواخر الأربعينيات، وأنت في مغامرة شعرية لا حدود مرئية لها، توقفت فيها عند محطات الشعر المعروفة من عمودي وتفعيلة إلى قصيدة النثر، فيما كان هاجسك الهم الشخصي الذاتي، مرورا بالهمّين الاجتماعي والوطني، وصولا للهمّ الشمولي العام، الذي طالما كان محوره التحرر من كل قيد وعبودية إنسانية، بعد هذه الرحلة الطويلة، ما المحصول المعرفي الذي خرجت به؟ ** الشعر حياة لا يمكن لأي متفلسف أو ناقد أن يلمَّ بها أو أن يمسك بجوهرها، أو أن يحبسها في مدرسة، وهذا ما حملته مجموعاتي الشعرية مع همّي الإنساني وتمرّدي على الواقع المعيشي بقساوته وفرحه، اجتماعياً ووطنياً وإنسانياً. تصوّف وتمرّد * وصفك النقاد بشاعر الانفلات والصوفية المترعة بالرومانسية، شاعر يلوب دوماً عن صور ومفردات وتراكيب وألوان وموسيقى معينة، تناسب مقاس موضوعاته الذاتية والإنسانية، هل توافق على هذا الرأي النقدي؟ ** نعم، لأن الناقد هرانت آغان، قرأ إحدى قصائدي المنشورة في مجلة الثقافة الدمشقية المرسل منها إلى بغداد، فأعجبته وكتب رسالة إلى صاحب المجلة مع رسالة لي قال فيها إنني شاعر الصوفية والانفلات من الوزن. كما أن نقاداً كثر كتبوا عني لأنني أبحث عن مفردات وصور وتمثيلات ملونة بموسيقا الشعر التي تحملها كل مفردة من لغتي، وهذا اللون هدفه أن أكون شاعراً موضوعياً ذاتياً إنسانياً. * كيف تقوّم قيمة الشعر، هل هو بمقدار تفاعله مع الحياة التي يعبر عنها، أم بمقدار صراع الشاعر مع الحياة التي يعيشها، أم الأمرين معاً؟ ** من خلال الأمرين معاً، وهذا ما عبرت عنه في مجموعتي الشعرية "التسكع والمطر" عام 1962؛ فالشعر كالحياة كلما تطورت هذه الجغرافية الإنسانية تطور معها، لأنه يستمد قوته ويأخذ معينه من أصله الأم. * في مقتطفات من مقدمتك النثرية لديوان "التسكع والمطر" الذي يعد بداية التحول والانطلاق نحو الشعر الحر، قلت: "ألتصق بالقصيدة النثرية من دون غيرها من الأشكال الشعرية، وبعد ذلك فليقل النقاد ما يقولون"، ما دام الشاعر يعرف الحقيقة ويرعاها حيثما وجدها؟ ما هي الحقيقة التي اكتشفتها؟ ** اكتشفت حقيقة الواقع المعيشي، في حلوه ومرّه، وتناقضاته، وكانت قصيدة النثر انعكاساً لمعاناتي الحقيقية، بمفرداتها المرنة، ومداليلها الشعرية، التي تقل أو تكثر حسب التوتر النفسي للشاعر. * في ذات الديوان "التسكع والمطر" حاولت وضع اللبنات الأولى لمدينة شاعرية فوق جبل القمر تشرف من عل على الأرض الترابية الخربة وأنت متكئ على الشعر المتحرر من ربقة وعبودية عصور محنطة وسنين جافة مرملة لن تعود، هل نجحت في ذلك؟ ** أترك تحديد مدى هذا النجاح للقارئ المتذوق والناقد. بحثاً عن المعنى * لماذا تعلقت بهاجس التسكع واستعرته لنهاراتك التي تتسكع هي الأخرى مع الأرصفة، والقمر، والربابة ناشرة الصوت: "عندما تسكعت كانت الأرصفة المثقوبة استراحتي ونجمة السماء عشيقتي"؟ ** روحي تميل إلى التسكع. أحب التسكع على أرصفة عالم مجهول وغامض. أحب الغوص في أعماق المدينة والبحث عن المجهول، بمعنى أين نهاية المطاف، والى أين نذهب؟ لقد كان هذا التسكع في أحد وجوهه بحثاً عن معنى يضيء وجد الحالمين بغد إنساني، كوني، واسع الأطراف، خصب الشعور والوجدان. * لكنك في ديوان (أشعار من اجل الصيف) واصلت السعي والطواف في فلك القصيدة النثرية من حيث الشكل الشعري بحثا عن ألوان شعرية جديدة بقلب طيب نقي خال من الكآبة: "قلبي أنقى من الوردة البيضاء، وأنصع من الثلج، وأجمل من الطفولة وأكبر من العالم"، ما سبب هذا النقاء والتفاؤل؟ ** سبب هذا النقاء والتفاؤل يعود إلى إشراقات شاعر يعاني كل المتناقضات، ويدمن على الأمل الذي سيبعث في جسد الأمة كروح القدس ليحييها من جديد لتنشر الخير والحب والشعر في أرجاء الكون الفسيح. * ديوان "الشعر في الاتجاه المعاكس" نال اهتماماً مختلفاً من قبل النقاد، واعتبروه كأحد الأعمال الشعرية الهامة لشاعر الكآبة والرحيل لماذا؟ ** وصف النقاد الديوان على هذا النحو لقدرته على التعبير عن أدق الاختلافات بشكل جريء وصريح، يظهر للقارئ مدى خيبة أمل المسافر إلى مكان فيجد نفسه في الموضع الذي لم يقصده أصلاً، وهذا ما جعل النقاد يولون الديوان أهمية لما يتوفر عليه من تمرّد مدهش ومشاكسة للطريقة التقليدية في الوصف والتعبير والخروج عن المألوف. الانفلات من المألوف * لماذا تعلقت بقصيدة النثر دون غيرها، ودافعت عنها، وأنت أعلنت عن موهبتك كشاعر مهم في كتابة الشعر العمودي وذلك مع ديوان "من أغاني الرحيل) 1959 واشتهرت بداية كأحد رواده؟ ** لأنني شاعر الانفلات من المألوف، ولأنني شاعر أحب أن أظهر للقارئ بأن الفن والشعر الوجداني الإنساني لا يمكن أن يؤطره شكل محدد ولون مقيد وديباجة تقليدية والشعر المنثور يمكنه استيعاب أحاسيس أكثر، ولأنه لا فرق عندي في الشكل الذي يقدمه الشعر إنما المهم هو في الجوهر والمضمون وليس في الشكل والإطار. وعندي أن أشكال الشعر الثلاثة المعروفة كلها مقبولة ورائعة إن استطاع الشاعر أن يقدم ذاته فيها بشعرية مختلفة، وشاعرية ملفتة مع اهتمام واسع للنقاد بها. ولا شك في أنكم تعرفون كيف جوبهت قصيدة النثر في بداية ولادتها، وما لقيته من التجاهل والإنكار ولكن بعد أن سمع النقاد قصائد النثر تنطلق عذبة من أفواه شعراء محدثين مبدعين قبلوها واعترفوا بها. * عشقت الشعر وتوحدت معه كما يتوحد الصوفي مع معشوقه، وكنت شغوفا بكل سفر يتضمن فكراً فلسفياً في معادلة حياتية أقوى وأنضج، ما هي رسالة الفلسفة في رحلة الشاعر إسماعيل عامود؟ ** أعتبر أن شعري هو فلسفة لحياة الإنسان، أي إنسان تصبو مشاعره نحو أخيه الإنسان؛ فأنا أشعر أني أنا أنت، وأنت أنا، ومن هنا أجد أن الشعر هو حالة صوفية روحانية، تعبر من الماضي السحيق إلى المستقبل البعيد، جوهره الإنسان وهمومه وتطلعاته حتى يحقق إنسانيته ويسمو بوجوده ووجدانه نحو أخيه الإنسان. * دعوت إلى الكتابة بدماء جديدة تخفق في إنساننا الحاضر الذي يعلو عن الأرض – الأرض القديمة الخراب، وقلت علينا أن نبدع عقليات متطورة، مرنة، مشرقة، ترتفع بمشاعرنا الى ما فوق الذرى؟ ** أحب الإبداع، وأعشق الاختراع، وأهوى الخروج عن المألوف حتى أواكب تطور الكون الذي هو نفسه متغير حركياً، ولا بد للأجيال القادمة أن تسعى للتجديد لتحقق الاندهاش والمرونة والتطور والإبداع وهذه الصفات يتحلى بها الإنسان ليسمو ويرتقي في إنسانيته وشعوره المرهف، ويساعده عليها فكره المبتكر الحر الآتي بكل جديد. . . وأنا أعشق كل جديد. * أحببت دمشق وأنت ابن السلمية، ومجدت شقاءك ومعاناتك فيها، ووجدت فيها الحب والخلاص من المعاناة "أحتويك عالم قهر وبراءة وفضول. . أصير أنت وتصيرين أنا يا كل أشعاري أنت . . . يا غريمتي"، لماذا؟ ما الذي تعنيه لك هذه المدينة؟ ** نعم أحببت دمشق، ووجدت فيها الحضن الذي أمدني بالدفء والحب والحنان، واحتوى همومي وانفعالاتي، ورعى إبداعاتي حيث عشت فيها سنوات رائعة، محفزة، ومثيرة، بجانب حبي لبلدة السلمية التي ينبت فيها الشعراء كما تنبت السنابل وما أنا إلا سنبلة غرست فيها، أما دمشق فهي تاريخ ومجد وحب ودفء. . هي ملهمة الشعراء؛ فمن من الشعراء لا يتغنى بدمشق! ومن من سكانها لا يعشقها! وكيف بي لا أحس بها تسري في عروقي قوافي شعرها؟! * في أحاديثك دائما محطات ونماذج لأشعار صديق العمر والشريك، كما تصفه، الشاعر الراحل (سليمان عواد)، ماذا عن شعراء آخرين تأثرت بهم وعاصرتهم وعاصروك؟ ** سليمان عواد رفيق عمري، كما أذكر من الشعراء، أنور الجندي (معلمي)، علي محمود طه، ألبير أديب، بدوي الجبل، وفوزي المعلوف الذي تأثرت بشعره (على بساط الريح) وأنا في الصف الخامس، كذلك تأثرت بالشعر الرمزي، وخاصة بالشاعر اللبناني صلاح الأثير وهو من الشعراء الرمزيين. * هل مللت من التسكع، وهجرت الرحيل عبر الأصقاع، أم روحك الشابة ما تزال نهمة لمغامرة شعرية جديدة؟ ** ما زلت أبحث بروح جديدة ومغامرات شعرية عن عالم غامض جديد أتسكع في أرجائه، وأرحل وأبحر فيه، فروحي ما تزال تتوق إلى الجديد وإلى كشف المستور والخروج عن النص والإطار والتقليد. * قلت في تصريحاتك (اكتب تاريخك يأتي إليك التاريخ ) هل جاءك التاريخ؟ وأنت ممن كان مطمورا تحت غبار الآخرين؟ ** كتبت الواقع بفلسفة شعرية ورمزية ملفتة نابعة من تجربتي الحياتية، وجاءني التاريخ إلى بيتي لأني كتبت الشعر بصدق وعفوية لم أقصد فيها الشهرة ولا المناسبة. * كيف تقرأ واقع الشعر العربي عموماً والخليجي خصوصاً؟ ** الشعر في الوطن العربي كغيره يمرّ في مرحلة جمود مقلداً، متمسكا بتلابيب الأزياء القديمة والتكلف، ويفتقر إلى العفوية. إذن لابد من اليقظة والرسوخ أكثر في اللغة ومنها السعي اإلى التجديد والابتكار ثم إلى الإبداع. أما الشعر الخليجي؛ فمن خلال قراءتي غير الواسعة وجدت نتاجاً شعرياً ينم عن موهبة فنية بلغت الذروة في بعض النصوص والأفكار من حيث الرؤيا والمضامين والصياغة؛ هذه الرؤية تنم عن يقظة ونهضة، لأنه لا بد للشعر والأدب أن يرافقا النهضة الحضارية التجارية والصناعية والاجتماعية التي يشهدها الخليج عموماً ودولة الإمارات العربية المتحدة خصوصاً. * كلمة شعرية أخيرة في نهاية الحوار لقراء "الاتحاد"؟ ** تحية من أعماق قلبي لكل الإمارات، ولكل شاعر وأديب جديد ومتجدد، لمزج ذكرى لقائنا بالحب والتوق إلى البوح في ظل حرية إنسانية وطموح للقمة في السيطرة على الذات وبحثها عن جواب يريح القلب المعني بالأهل والإنسانية والوطن. ------ كادر الشاعر في سطور يعتبر الشاعر إسماعيل بن أحمد بن سليمان عامود أحد الأصوات الشعرية المؤسسة لقصيدة الشعر الحرّ في سوريا، وهو صاحب تجربة شعرية تربو على السبعين عاماً، صدرت له خلالها اثنتا عشرة مجموعة شعرية هي: ‏ (قلت للجميلة) وقد ضمت بواكيره الشعرية بين أعوام (1944 ـ 1949 ـ 1950)، ‏من أغاني الرحيل (1959)،‏ كآبة (1960 )، ‏التسكع والمطر(1962)، ‏أغنيات للأرصفة البالية (1972)، ‏أشعار من أجل الصيف (1977 )، ‏الكتابة في دفتر دمشق (1978 )، ‏السفر في الاتجاه المعاكس (1980 )، ‏العشق مدينة لا يسكنها الخوف (1984 )، ‏إيقاعات في أنهار الشعر (1992 )، ‏خبز بلا ملح (1996 )، وأخيراً: ‏الأعمال الكاملة لقصيدة النثر (2003). وقد حصل على جائزة الشعر الأولى في مسابقة اتحاد الكتاب العرب- سورية 1980، وله دراسات أدبية وشعرية منها كتاب: "وبعض الشعر عذب" (1997) وثّق فيه لشعراء من سورية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©