الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

مآسي غزة.. و إنذارات الموت الإسرائيلية

29 نوفمبر 2006 00:17
غزة: محمد أبو عبده غطى الغبار سماء المنطقة فيما تناثرت أكوام الركام وتساقطت فوق بعضها البعض بعد أن تحول منزل المواطن محمد الشرفا في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، إلى ركام متناثر بفعل قصفه بالصواريخ المدمرة من طائرات الاحتلال الحربية الإسرائيلية· ثلاثون دقيقة فقط كانت كفيلة بإعادة ذاكرة المواطن الشرفا لسنوات طويلة إلى الوراء وهو يقف مذهولاً على أنقاض ركام منزله المدمر، بفعل القصف الإسرائيلي وقد شردت عائلته وأصبحت بلا مأوى أو ملاذ آمن· تلك كانت لحظات القصف والتدمير الرهيبة على الشرفا الذي يرقد اليوم في شقة صغيرة للإيجار يكابد فيها ألم التشريد وفقدان منزله ليتحول إلى بيت مستأجر بالكاد يستطيع أن يوفر إيجاره· مدخرات العمر·· غبار في الهواء باشر الجيش الإسرائيلي بدايةً من يوم الثالث والعشرين من شهر يونيو الماضي، بانتهاج سياسة جديدة تنذر من خلالها السكان المدنيين بمكالمات هاتفية قبل قصف منازلهم بفترة زمنية قصيرة لا تتجاوز الساعة، معتبرة هذه الإنذارات مبرراً للقصف وتحويل المنزل إلى ركام· الشرفا كان قد فوجئ باتصال هاتفي وشخص يُعرف نفسه على أنه من جيش الاحتلال الإسرائيلي، يمهله فيها ثلاثين دقيقة لإخلاء المنزل وعائلته المكونة من 12 فرداً بغرض قصفه، حاول تمالك نفسه والاستفسار عن الأسباب دون جدوى، ليهرع وعائلته خارج المنزل وتنفذ سلطات الاحتلال تهديدها وتحول منزله الذي لا يملك غيره إلى ركام متناثر· يقول الشرفا بينما كان يجلس في إحدى غرف بيته الضيقة '' كنا زمان مالكين نعيش آمنين في بيتنا، اليوم بيتنا تحول إلى مجرد أنقاض وركام، والمال الذي جمعته في حياتي لأقيم هذا المنزل ليكون المأوى لي ولعائلتي ذهب في قصف إسرائيلي خلال دقائق''· وأكثر ما يعانيه الشرفا هو أزمته الاقتصادية وعجزه إلى جانب مصيبته في تدمير منزله عن توفير الإيجار الشهري لصاحب المنزل الذي بات يؤويه وعائلته، يقول '' أنا عاطل عن العمل منذ ثلاثة أعوام، كل ما جمعته خلال حياتي ذهب في البيت المدمر، اليوم أسكن بالإيجار، وعاجز عن توفير نصف إيجار شهر واحد، فنحن هنا في أزمة اقتصادية متفاقمة ولا نجد ما نأكله''· ما يعانيه ''الشرفا'' من مأساة التدمير والتشريد يعانيه كذلك عشرات الفلسطينيين الذين عانوا ويلات تدمير منازلهم· من هؤلاء، عمر محمد المملوك، الذي غطت علامات الحسرة والاستياء ملامحه وهو يستعرض شريط سنوات من الجهد والعرق لتشييد منزله الذي شهد معه ذكريات حياته وتكوينه عائلته، مستذكرا في هذا السياق ما كان يمثله هذا المنزل لعائلته المكونة من 19 فرداً، بينهم 8 أطفال من مأوى وملاذ أمن مفترض· وكان أن تكرر ذات السيناريو بمكالمة هاتفية على جهازه الخلوي عرف المتحدث نفسه خلالها بأنه ضابط من جهاز المخابرات الإسرائيلي وينذر عائلة المملوك بقصف المنزل المكون من طابقين دون أن يبدي أي أسباب لذلك، وبالفعل تم ما أنذر به، وهاهي الأسرة تعاني التشرد في ظل أزمة اقتصادية خانقة لا يظهر لها حل على المدى المنظور· فلم يجد الرجل وعائلته بدلا عن منزله سوى خيمة كبيرة أقامها على أنقاض منزله في شارع اليرموك، بعد أن فشل في العثور على مأمن آخر له ولعائلته· يقول المملوك: ''لقد أعادتني الصواريخ الإسرائيلية نصف قرن إلى الوراء بعد أن أجبرتني على العيش في العراء''، ويضيف منتقدا الحكومة الفلسطينية لتقصيرها في تقديم الدعم المناسب له وأولاده لإنقاذه من حالة التشريد التي يعانيها· دمار بلا ثمن ودمرت الطائرات الإسرائيلية أكثر من 45 منزلاً مدنياً موزعة بين مدن رفح، خانيونس وغزة ومدن شمال قطاع غزة، في وقت نزحت فيه عشرات الأسر في بلدات شمال القطاع أيضا جراء استهداف قوات الاحتلال منازلهم بالقذائف المدفعية بشكل متعمد· وتأتي هذه السياسية تطوراً للإجراء الذي سبق وأن كررته قوات الاحتلال مرات عدة خلال اقتحاماتها لعدد من بلدات قطاع غزة، والذي عمدت من خلاله إلى تحذير سكان هذه البلدات من مغبة بقائهم في منازلهم المستهدفة بالتدمير· لقد طال هذا التدمير في غالبه بيوتا آمنة وسط كثافة سكانية هائلة في قطاع غزة الذي يتسم بالاكتظاظ الشديد، وهو ما حدث مع المواطن محمد عز الدين الشيخ ديب ''31 عاماً'' الذي طال القصف الإسرائيلي منزله الواقع في منطقة حي النصر المكتظة بالسكان شمال مدينة غزة· يلاحظ أن في كل حالات قصف المنازل، لم تسنح الفرصة لأي من الأسر المنكوبة لإخراج أية مقتنيات من داخل منازلهم قبل تعرضها للقصف الإسرائيلي، حيث لم تتجاوز المهلة التي منحتها سلطات الاحتلال لهم لإخلاء منازلهم أكثر من نصف ساعة، وهي بطبيعة الحال، مهلة لا تسمح بإخلاء المنازل من محتوياتها من أثاث ومقتنيات شخصية· وتتوزع المنازل المستهدفة على مختلف أنحاء قطاع غزة، كما يمكن أن تكون عبارة عن شقق سكنية في بنايات متعددة الطوابق، وهو ما خلف حالة من الخوف الإنساني لدى السكان المدنيين، فيما لم تقدم سلطات الاحتلال في أية مرة من المرات التي استهدفت خلالها أيا من هذه المنازل، دليلاً واحداً يمكن أن ينظر له كمبرر لاستهدافها، مما تسبب في جعل جرس الهاتف هلعا يطارد المواطنين ويؤرق بالهم كلما دق· الجميع·· يدين ولكن! أدانت هيئات ومراكز حقوقية فلسطينية، بشدة استمرار الاحتلال الإسرائيلي في اقتراف المزيد من أعمال القتل بحق المدنيين الفلسطينيين والاعتداء السافر على منازلهم وممتلكاتهم وتعريض حياتهم للخطر المؤكد، عبر استخدامها المفرط للقوة المسلحة المميتة· واعتبر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، الناشط في مدينة غزة، استهداف الاحتلال لمنازل المواطنين المدنين عملاً انتقامياً وعقاباً جماعياً وانتهاكاً فاضحاً للمادة الثالثة والثلاثين من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب، مبيناً أن مركزه توجه بطلب عاجل للنيابة الإسرائيلية وكافة المنظمات الدولية لوقف هذه السياسية الإجرامية· وأعرب المركز عن قلقه البالغ لانتهاج قوات الاحتلال سياسة إنذار سكان المنازل السكنية قبل قصفها واتخاذه من هذه السياسة مبرراً للإضرار بالأعيان المدنية، خاصة أن هذه المنازل تقع في مناطق سكنية مأهولة، ويقطنها مدنيون محميون بموجب اتفاقية جنيف الرابعة· وأكد أن إنذار المدنيين قبل تعرض منازلهم للقصف لا يمكنه أن يشكل بأي حال من الأحوال مبرراً للإضرار بالممتلكات والأعيان المدنية التي توفر لها اتفاقية جنيف الرابعة الحماية، مطالباً المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته وتوفير الحماية للمواطنين الآمنين في منازلهم· وشدد على أن القانون الإنساني الدولي يلزم القوات المسلحة بتوجيه ''تحذير مسبق فعلي'' بشن هجمات عندما تسمح الظروف بذلك، لكن حتى بعد توجيه التحذيرات يفترض أن تتخذ تلك القوات كل الاحتياطات الممكنة لتلاشي الخسائر في أرواح المدنيين، ويشمل ذلك إلغاء الهجوم إذا اتضح أن الهدف مدني أو عندما لا يكون هناك تناسب بين الخسارة في أرواح المدنيين وبين المكسب العسكري المتوقع· وأشار المركز إلى أن القانون الدولي يفترض لاستهداف منزل أو منشأة مدنية توفر شروط أن يكون تدمير المنزل أو المنشأة أثناء العمليات الحربية، أو أن تشكل المنشأة خطراً مباشراً على جنود دولة الاحتلال، أو أن تكون الوسيلة الوحيدة المتبقية لدرء خطر أمني، ولا تتوفر أي من الشروط السابقة في حالة قطاع غزة والعدوان الهمجي الإسرائيلي·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©