الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«إيبولا».. محنة أفريقية

24 سبتمبر 2014 23:40
لم يكن من المستغرب أن تخيم نظرة تشاؤم على رد فعل الصحفيين في الغرب عندما بدأ تفشي فيروس إيبولا في غرب أفريقيا. أو أن هذه الأزمة لن يتم التعامل معها باعتبارها مشكلة تواجه الإنسانية بأسرها – قوة قاهرة – ولكن كواحد من «تلك الأمراض» التي تصيب «هؤلاء الناس» هناك في أفريقيا. وعلى الفور سقطت وسائل الإعلام الغربية فريسة للخوف. وأصبح من النادر نشر قصص حول الأفارقة الذين نجوا من فيروس إيبولا، أو تفسير ماذا يعني أن ترى طفلك أو أحد والديك أو أي فرد آخر من العائلة أو الأصدقاء وقد أصابه المرض. ولكن أين هي قصص العائلات التي أجبرت على التخلي عن أحبائها أو الشجاعة المطلوبة للعيش ببساطة كإنسان في ظروف صعبة يساور الجميع فيها الشك؟ وبدلاً من ذلك، تطالعنا أخبار ومقاطع فيديو عن «خطوط مواجهة إيبولا» و «الحرب على إيبولا» يقصها رواة يملأهم الحزن وتصاحبها موسيقى تصويرية غريبة وصور تعكس الحزن واليأس فقط، من دون السياق البشري اللازم. كما رأينا صوراً لا تنتهي للغربيين، مغطون من قمة الرأس إلى أخمص القدمين، وسط حشود من المتفرجين الذين يبدون بصحة جيدة. ونظراً لهذه الطريقة في العرض، فليس من المستغرب أن يبدأ الناس في التفكير في مرض إيبولا باعتباره عدوى يحملها الهواء وقد تحدث في الطائرة وأثناء السفر إلى جميع أنحاء العالم، وتصيب الناس من تلقاء نفسها. أو أنه من المحتمل أن كل الأفارقة يحملون المرض. ومرة أخرى، تبدو الإثارة والتعميم وكأنهما الطرق الوحيدة التي يمكن تقديم أفريقيا عبرها في الغرب. ومرة أخرى، فإن بلدي، سيراليون، إلى جانب ليبيريا وغينيا والقارة الأفريقية بأسرها تتصدر الأخبار بسبب وجود أزمة. فهل هذه المرة الوحيدة التي نصبح فيها متصلين؟ لماذا يبدو الأمر كذلك؟ مرة أخرى، حتى هؤلاء الذين لم يطأوا قارتنا يبدو وكأنهم يعرفون كل شيء عنا. ونظراً لعالمنا المترابط، فلم يعد من الممكن تبرير مثل هذه المعاملة بأنها ترجع لعدم القدرة على الوقوف على الحقائق. إذن فما تفسير ذلك؟ فلنستعر كلمات الروائي النيجيري «تشينوا أتشيبي» حيث يقول «بكل بساطة إنها الرغبة – ويمكن للمرء أن يقول الحاجة – في النفسية الغربية لوضع أفريقيا كعقبة بالنسبة لأوروبا، كمكان من الرفض مقارنة بحالة النعمة الروحية التي تتجلى في أوروبا». ويترسخ هذا التفكير بعمق في أذهان الناس في الغرب حتى أنه أصبح رد فعل. ومع ذلك، فإن الطرق التي يتم بها تصوير الأفارقة باعتبارهم درجة أقل من البشر لم تفقد قدرتها على إحداث صدمة. فكل أزمة جديدة، كما يبدو، تقدم منبراً لممارسة بعض أحكامهم المسبقة. نعم، هناك أزمة «إيبولا» في غرب أفريقيا. نعم، هناك بعض الحكومات، ومن بينها حكومة بلادي، إلى جانب معظم المنظمات الدولية التي تتمثل مهمتها في المساعدة على التعامل مع هذه المصائب، لم تتعامل بالشكل المناسب مع الأزمة. ولكن الطريقة التي قدمت بها وسائل الإعلام الغربية هذه الأزمة إلى العالم لم تساعد. وفي حين أنه ينبغي اتخاذ بعض الاحتياطات، فإن الهيستيريا والمغالاة قد أدت إلى عزلة غير ضرورية تجعل التصدي لانتشار المرض أكثر صعوبة. هذه الهيستيريا تغذي العنصرية خارج القارة. ففي ألمانيا، أصيبت امرأة أفريقية سافرت مؤخراً إلى كينيا – بعيداً عن الدول المصابة – بفيروس في المعدة، وبناء عليه، تم إغلاق المبنى الذي تقيم فيه بأكمله. وفي بروكسل، أصيب رجل أفريقي بنزيف عادي في الأنف بأحد المراكز التجارية، فتم تعقيم المتجر الذي كان متواجداً فيه. وفي سيؤول، تم وضع لافتة تحمل عبارة «نعتذر، ولكن نظراً لتفشي فيروس إيبولا فنحن لا نستقبل الأفارقة في الوقت الراهن». وهنا في الولايات المتحدة، كل مرة كنت أزور فيها الطبيب منذ اندلاع وباء الإيبولا، كنت ألاحظ نظرة قلق على أوجه المساعدين والتي تتبدد فقط عندما أقول إنني لم أذهب إلى بلادي في الآونة الأخيرة. وبالنسبة لوسائل الإعلام الغربية، فهذه مجرد واحدة من تلك القصص حول «الفيروس القاتل» و«الأفارقة المساكين» الذين يجب مرة أخرى إنقاذهم والتحدث عنهم من قبل الغرب. ودائماً، يبقى السؤال الأهم: هل سيأتي الفيروس إلى الولايات المتحدة أو أوروبا؟ إن الناجين في الغرب من «إيبولا» يُمنحون إعجاباً بطولياً، في حين أن الأفارقة الذين يصابون بالمرض يأتي ذكرهم مصاحباً باليأس والرعب. أين الأخبار التي نحتاجها حول أسباب عدم تعاون السكان المتضررين، في بعض الحالات، مع عمال الصحة أو حكوماتهم؟ وهناك إيحاء بأن عليهم أن يفعلوا ذلك دون تحفظ، ومرة أخرى هذا يجعل الأفارقة يبدون غير أذكياء وغير معقولين وغير مدركين لخطورة الوضع. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©