الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«جيل الألفية»: الخارجون من عباءة 11 سبتمبر

«جيل الألفية»: الخارجون من عباءة 11 سبتمبر
11 سبتمبر 2011 22:26
كانت نيكوليت بولند تحضر محاضرة في الكتابة الإبداعية عندما سمعت أن الإرهابيين قد ضربوا برجي مركز التجارة العالمي. وعندما أطلت هي وزملاؤها من النوافذ رأوا ألسنة اللهب والدخان المنبعث من موقع المركز وظلوا مذهولين لدقائق قبل أن يطلب منهم الأستاذ استئناف المحاضرة التي طلب من كل واحد من الدارسين في نهايتها أن يكتب مقالاً يبين فيه تأثير الحدث على مشاعرهم. وباعتبارها طالبة في الصف الثاني الجامعي كانت "بولند" تفكر في أن تصبح كاتبة. وعندما طلب منهم الأستاذ كتابة ذلك المقال فكرت رأساً أنه ربما يكون من الأفضل لو ركزت في كتابة المقال على ما يحدث في العالم البعيد هناك خلف المحيط بدلاً من تخصيص جل اهتمامها للحدث ذاته. وبسرعة خرجت "بولند" من الفصل كي تعرف تفاصيل ما حدث في ذلك اليوم المأساوي الرهيب، وبعد هذا اتخذت قراراً سيغير مسار حياتها اللاحق، رأساً على عقب. فقد اختارت أن يكون المساق التالي الذي تسجل فيه هو المساق الخاص بسياسات الشرق الأوسط. وبعد ذلك التاريخ بعام واحد كانت قد التحقت بدورة لدراسة اللغة العربية في الجامعة الأميركية بالقاهرة، تحدوها رغبة عارمة في التعرف عن قرب على ثقافة العالم العربي الإسلامي. أما "إيساك مجويل" فقد أدرك أن هناك شيئاً ما خطيراً قد حدث لأن والديه كانا يتابعان التلفزيون الموجود في غرفتهما حتى الساعة الخامسة صباحاً بتوقيت هونولولو حيث يعيش هو وأسرته. ونظراً إلى أنه كان حينها صبيّاً صغيراً لا يزال في الصف السابع (الأول متوسط) فإنه لم يكن أصلاً يعرف شيئاً عن مركز التجارة العالمي ولا عن تنظيم "القاعدة" ولا حتى الإرهاب، بل إنه لم يكد يومها يصل إلى مرحلة من الوعي بالعالم المحيط به تسمح له بأن يعرف أين تقع مدينة نيويورك ذاتها. وقد ظل على ذلك الحال إلى أن شرحت له والدته كل شيء. ومنذ ذلك الحين صار مهتماً بمتابعة ما حدث ليكتشف أن آباء بعض أصدقائه من التلاميذ يخدمون في مهام وراء البحار، ثم بدأ يهتم بهذا الأمر، وعندما أنهى دراسته في المرحلة المتوسطة أقنع والده أن يسمح له بأن يلتحق بمركز لتدريب المجندين، وقد سجل اسمه ضمن سلاح "المارينز"، وهو اليوم عضو من أعضاء هذه القوات برتبة رقيب، وقد خدم بالفعل في منطقتي الحرب في العراق وأفغانستان. وفي المجمل فقد كان الحادي عشر من سبتمبر ناراً صاغت جيلاً كاملاً من الأميركيين، حيث شعر الأميركيون من جميع الأعمار بالصدمة، والخوف، وعدم اليقين، بسبب تلك الهجمات المروعة، وعلى نحو ربما لم تشعر به أمة أخرى من قبل. ولذا فقد كانت أحداث ذلك اليوم مفصلية في حياة جيل كامل من الشباب تماماً مثلما كان هجوم بيرل هاربر واغتيال جون كنيدي حدثين مفصليين في حياة آبائهم قبل ذلك. وبالنسبة لكثيرين منهم فقد كانت تلك هي أول مرة يرون فيها الكبار وهم يبكون، وأول مرة يحسون فيها بأن أمنهم بات مهدداً، وأول مرة يخرج فيها العالم الخارجي من شاشات التلفزيون التي ظلوا منذ أن ولدوا يشاهدونه فيها، وها هي شرور ذلك العالم الخارجي تخرج إليهم من قمقم التلفزيون وتخبط على أكتافهم لكي تشعرهم بأنها لم تعد بعيدة وراء المحيطات، وإنما باتت معهم ووصلت إلى عقر دارهم. طبعاً لم يقم كل أفراد ذلك الجيل من الشباب بدراسة اللغة العربية أو الالتحاق بسلاح "المارينز" كالحالتين اللتين أوردناهما، ولكن حياتهم عموماً تغيرت وتأثرت في إطار ذلك التغير أيضاً بشبكات التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك والتويتر بنفس القدر الذي تأثرت به بوجه بن لادن. ولكن بالنسبة للجيل الذي ولد في أوائل عقد الثمانينيات من القرن الماضي، أصبح الإرهاب الأصولي هو الخطر الذي يتربص بهم، والتهديد الذي لا يمكن التنبؤ بمخاطره لأمتهم، تماماً مثلما كانت الحرب النووية هي الهاجس المخيف بالنسبة للجيل السابق. وأفراد هذا الجيل الذي يطلق عليه "جيل الألفية" نشأوا في ظل عصر انعدام الأمن، وهو ما جعلهم مختلفين غاية الاختلاف عن الجيل الذي ينتمي إليه آباؤهم. وهذا الجيل موجه بدرجة تفوق بكثير ما كان عليه الأمر مع الأجيال الأكبر سناً. فوفقاً لاستطلاعات الرأي المختلفة فإن أفراده يؤيدون المؤسسة العسكرية بقوة. والشيء اللافت للنظر، هو أنهم، وعلى نحو ما، يتبنون موقفاً أكثر تقليدية في مقاربة الحياة بشكل عام، وفي الوقت نفسه يحسون بأن هناك ضغطاً عليهم يدفعهم باعتبارهم جيل الشباب لإنجاز أشياء كبيرة، وعلاج مشكلات العالم بأسره. ولا أدل في هذا المقام من الاستشهاد ببعض ما ذهب إليه بول تايلور، رئيس مركز "بيو" للأبحاث، في مؤتمر عقده في الأكاديمية العسكرية الأميركية في "ويست بوينت" بنيويورك في أوائل هذا العام كان موضوعه مواقف الجيل الألفي وتوجهاته نحو العصر، حين قال إن: "من ضمن القواعد المعروفة في تحديد المواقف والتوجهات عموماً أن الهوية الجماعية لجيل ما تتحدد على نحو حاسم بحسب موقعه من التاريخ". ويزيد تايلور الأمر إيضاحاً بقوله: "وينطبق هذا الأمر بشكل خاص على جيل الألفية الذي دخل مرحلة البلوغ وسط أحداث جسام تمثلت في الحادي عشر من سبتمبر والركود الذي ضرب اقتصاد بلاده". ولعل "جيمس فورست" خبير الإرهاب يقف في نقطة جيدة يمكننا أن نبدأ منها مراقبة الهوية الجماعية لجيل الألفية وهي تتطور. ففي عام 2001 كان "فورست" يعمل معلماً في الأكاديمية العسكرية الأميركية في "ويست بوينت". وعقب الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر كان من الطبيعي أن يزداد الاهتمام بتلك الأكاديمية وأن تتدفق عليها أعداد كبيرة من الأميركيين من كافة المهن والتخصصات ومن بينهم مشاهير في عالم الفن والرياضة للدراسة بها والتخرج منها والالتحاق بالوحدات الأميركية التي تحارب تنظيم "القاعدة"، وتقاتل في العراق وأفغانستان. وخلال السنوات التي تلت ذلك الحدث فعل "فورست" كل ما كان يتوجب عليه أن يفعله كأميركي مخلص من أجل خوض الحرب العالمية ضد الإرهاب وعلى رغم تزايد المهام وإرسال المزيد من الأميركيين إلى مواقع القتال في الخارج فإن الاهتمام بالكلية لم يقل والأعداد المتقدمة لها لم تتقلص. واليوم يتولى "فورست" التدريس في دورات تقدم "دراسات عن الإرهاب والأمن" في قسم العدالة الجنائية في جامعة ماساشوسيتس. والفصول التي يدرس فيها مواد هذه الدورة عادة ما تكون مكتظة بالطلاب وهذا ما يعكس من وجهة نظره اهتماماً كبيراً من جانب المدنيين بموضوع الإرهاب والأمن، وهو اهتمام لم يعد قاصراً على أميركا وحدها بل لقد أصبح يشغل اهتمام العديد من دول العالم الأخرى. وتبين استطلاعات الرأي أن أهم التحولات الثقافية التي طالت جيل الألفية كان ذلك التحول نحو استخدم "التقنية". فقد نجح أفراد هذا الجيل من الأميركيين في استخدام كافة الأدوات والأجهزة التقنية المتطورة سواء في مجال عملهم مما مكنهم من التفوق والبروز فيه وكذلك في مجال حياتهم الاجتماعية وخصوصاً في التواصل مع الآخرين عن طريق الفيسبوك والتويتر وغيرهما من شبكات التواصل الاجتماعي. ووفقاً لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة "بيو" فقد تبين أن ذلك الجيل من الأميركيين متفائل نسبيّاً، بشكل عام، في عهد يدعو للتشاؤم، حيث أعرب 90 في المئة ممن شملهم الاستطلاع عن ثقتهم في قدرتهم على تدبير أمور حياتهم على النحو الذي يريدونه. ولا يعني ذلك أنهم غير واعين بما يحدق بالعالم من مصائب وآلام حيث تقول واحدة من أبناء ذلك الجيل هي "ميليسا بيرجين": (28 عاماً) من شافتر- كاليفورنيا في معرض ردها على استفسار وجهه أحد معارفها على الفيسبوك: "لقد كان الحادي عشر من سبتمبر مأساة مروعة بكافة المقاييس، ولم تقتصر ضحاياه على الأميركيين وحدهم". وتضيف بيرجين: "لقد جعلني ذلك أدرك أن العالم أصغر كثيراً مما قد يبدو عليه لأول وهلة، كما جعلني أدرك أيضاً الحد الكبير الذي نعتمد فيه على الآخرين الذين نحتاجهم كما يحتاجوننا". بيتر جريير واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©