الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

في فنزويلا... الماء أغلى من الوقود!

6 سبتمبر 2013 23:13
كانت جثة الكلب الملقاة في البحيرة، التي تزود سكان العاصمة الفنزويلية كراكاس بالماء الصالح للشرب، طافية على السطح بعدما ألقيت هناك مع عدد آخر من بقايا الحيوانات في إطار طقوس للشعوذة يمارسها بعض السكان المحليين، وشعائر تمزج بين المسيحية وممارسات ترجع إلى إفريقيا الغربية، والنتيجة هي تلويث المياه التي تصل إلى الحنفيات في البيوت ويفترض أن تكون صالحة للشرب! ولكن واقع مياه بحيرة «ماريبوسا» غير البعيدة عن العاصمة يقول شيئاً آخر بسبب طقوس الشعوذة التي ترمي بجيف الحيوانات في المياه، وأيضاً بسبب مخلفات المدينة التي يتم التخلص منها في البحيرة. والمشكلة أن المياه تتجمع في محطة المعالجة الوحيدة المتقادمة التي يتجاوز عمرها 60 عاماً، وهو ما يؤكده فرناندو موراليس، أستاذ الكيمياء بجامعة سيمون بوليفار بكراكاس، الذي يقول إنها لم تعد قادرة على التعامل مع التلوث الحاصل للمياه لاعتمادها على تكنولوجيا قديمة لا تلائم التطور الحالي، موضحاً ذلك بقوله «لم تتأقلم عملية معالجة المياه مع التدهور الكبير في جودتها، وشخصياً لن أستخدم المياه التي تضخها المحطة في البيت». وهذا الأمر دفع الناس إلى الإقبال الكثيف على مياه القنينات المعدنية التي تزايد الطلب عليها في الفترة الأخيرة، خوفاً من تلوث مياه الحنفيات، حيث وصل سعر قنينة الخمسة جالونات إلى 4,80 دولار متجاوزة بذلك سعر البنزين بضعفين! ويُرجع عدد من الخبراء السبب وراء غياب المعالجة الفعالة للمياه إلى الإهمال الذي طال الشركات التابعة للدولة، بما فيها تلك التي تشرف على توزيع المياه ومعالجتها، مع أن الثورة الاشتراكية التي قادها الرئيس الراحل هوجو تشافيز اعتمدت على تحسين خدمات الصحة والتعليم والإسكان من خلال تقليص تمويل الشركات وتوجيه الاستثمار إلى الخدمات الاجتماعية. ولكن النتيجة جاءت على حساب إمدادات المياه والكهرباء في بلد يتوفر على أكبر احتياطي للنفط في العالم، كما يزخر بمخزون هائل من المياه تتجاوز حصة الفرد بثماني مرات ما يتمتع به الفرد في بلد مثل فرنسا، ليصبح انقطاع الكهرباء والمياه عن المواطنين في العاصمة كراكاس أمراً مألوفاً جداً، وحتى عندما تصل المياه إلى الحنفيات فإن قلة فقط هي من يتجرأ على الشرب! ولتوضيح التدهور الحاصل في تمويل شركات توزيع المياه لابد من إلقاء نظرة على شركة «هيدروكابيتال» التي بلغت ميزانيتها قبل سنة واحدة فقط من وصول تشافيز إلى السلطة 250 مليون دولار في السنة، حسب نائب مديرها السابق، نوربرتو بوسون، وتلك الميزانية تقلصت مع انقضاء السنوات لتنحدر في عام 2010 إلى 9,7 مليون في السنة، الأمر الذي حرم الشركة من استثمارات كبيرة لتطوير قدراتها والرفع من كفاءتها إلى درجة أنه عندما تعطلت قناة أساسية لنقل المياه داخل المحطة ظل 60 في المئة من سكان كراكاس دون مياه لمدة يومين كاملين. بيد أن أزمة المياه الصالحة للشرب ليست هي المشكلة الوحيدة التي تواجه الفنزويليين، فقد أدى النقص الكبير في البضائع المستوردة إلى ارتفاع معدل التضخم لتحتل البلاد المرتبة الثانية في العالم بعد إيران من حيث نسبة التضخم الكبيرة، هذا بالإضافة، حسب البنك المركزي، إلى تهاوي قيمة العملة المحلية مقارنة بالسنة الماضية، أما العجز المالي للموازنة فسيصل مع نهاية السنة الجارية إلى 11 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وعن مشكلة المياه المستفحلة يقول نائب الرئيس السابق لشركة «هيدروكابيتال» إنه «لم تُضف قطرة ماء واحدة إلى نظام الإمداد في كراكاس منذ 15 عاماً، حيث ظلت الكمية التي تضخ هي نفسها، فيما تزايد عدد سكان العاصمة ليصل إلى 5,5 مليون نسمة». وفي ظل النقص الكبير في الإمدادات اضطر السكان إلى الاعتماد على مصادر أخرى توصلها الشاحنات لترهق كاهلهم بمصاريف إضافية تفوق ما يدفعونه من أجل البنزين وباقي أنواع الوقود. ولعل الأسوأ من ذلك أن السلطات لا تقوم بما يلزم لردع بعض الممارسات التي يقوم بها مشعوذون، مؤدية إلى تلويث مياه البحيرة، وهو ما يعترف به، سانشيز، الذي يقوم بذبح الحيوانات وتقديمها قرباناً للبحيرة، قائلاً «لا أحد يزعجني فيما أقوم به»! وفي محاولة قامت بها السلطات مؤخراً لتنظيف البحيرة تم انتشال العشرات من الحيوانات النافقة التي يلقى بها في المياه دون اكتراث بالتأثيرات الصحية على السكان الذين تشكل البحيرة بالنسبة لهم مصدرهم الوحيد للتزود بالماء الصالح للشرب. ولأن المحطة تعمل بطريقة تقليدية فإنه عادة ما يتم تشغيلها يدوياً، ما يعني أن أي خطأ قد يتسبب في انقطاع المياه عن أحياء بكاملها في العاصمة ليزيد بذلك من معاناة السكان. وعلى رغم محاولات القائمين على شركة المعالجة تطمين الناس بجودة المياه، حيث جاء في الموقع الإلكتروني للشركة أن المياه صالحة للشرب 100 في المئة، يؤكد فرناندو موراليس أستاذ الكيمياء بجامعة سيمون بوليفار أن قدرة المحطة على معالجة المياه تبقى غير كافية لضمان عدم تلوثها، ولاسيما أن نسبة التلوث عالية، موضحاً أن استخدام بعض الطرق التقليدية مثل الكلور لمعالجة المياه غير كافٍ لأن هذا الأخير يقتل فقط البكتيريا، فيما تبقى الفيروسات دون معالجة، الأمر الذي يستدعي تقنيات جديدة مثل الاعتماد على مصافٍ فائقة الدقة، وأجهزة حديثة لرصد ومراقبة الأجسام البيولوجية. ولكن حتى يتحقق ذلك ستستمر معاناة سكان كراكاس مع المياه، فلا هي تأتي بالكميات الكافية لتلبية احتياجاتهم، ولا هم يستطيعون الوثوق في جودتها لإرواء عطشتهم. أناتولي كورمانيف فنزويلا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©