الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

تهريب البضائع عبر الحدود يهدد المصانع المصرية

تهريب البضائع عبر الحدود يهدد المصانع المصرية
11 سبتمبر 2011 22:22
(القاهرة) - تشهد الأسواق المصرية حالياً انتعاشاً كبيراً لـ”بيزنس” التهريب، الذي يشمل العديد من السلع الاستهلاكية نتيجة حالة الفوضى الحدودية والجمركية. ونشطت مجموعات منظمة تخصصت في جلب السلع المهربة من السوق الليبية منذ اندلاع أحداث الثورة هناك وهروب الآف الليبيين إلى المناطق الحدودية مع منفذ السلوم البري بينما نشطت مجموعات أخرى في تهريب السلع التي يجري جلبها من أسواق أخرى خاصة بعض المناطق الحرة في دول المنطقة ويتم إدخالها من الموانىء المصرية، خاصة العين السخنة وبورسعيد، دون سداد الرسوم الجمركية المستحقة وإغراق الأسواق المصرية بها لاسيما وأن هذه السلع تباع بأسعار أقل كثيراً عن مثيلتها المحلية. وأدى تنامي ظاهرة تهريب البضائع إلى تصاعد شكوى العديد من المصانع التي وجدت نفسها في مواجهة منافسة غير متكافئة نتيجة إغراق السوق بكميات هائلة من السلع المهربة، الأمر الذي دفع هذه المصانع إلى التقدم بشكاوى إلى الجهات المعنية بحثًا عن حلول في مواجهة هذه الظاهرة، إلا أن هذه الجهود لم تسفر حتى الآن عن نتيجة ملموسة حيث تستمر عمليات التهريب التي تهدد الكثير من المصانع بالإغلاق والإفلاس بسبب المنافسة السعرية غير المتكافئة. ويشير أصحاب المصانع إلى أن الأرباح الكبيرة التي يحققها المهربون تقف وراء تنامي هذه الظاهرة في الفترة الأخيرة حيث يحصد هؤلاء أرباحاً تبلغ عدة ملايين من الجنيهات في “الكونتنر” الواحد، حيث لا يتم سداد رسوم جمركية أو ضريبية أو غيرها مما يعني فقدان الخزانة العامة لموارد ضخمة بسبب عمليات التهريب. وتتركز معظم عمليات التهريب في السلع سريعة التصريف أو تلك التي تحظى بإقبال كبير من المستهلكين مثل السجائر والعطور وقطع الغيار والملابس الجاهزة وبعض المواد الوسيطة التي تدخل في إنتاج العديد من السلع الأخرى. وحسب خبراء اقتصاديين ومتعاملين في السلع، التي تشهد عمليات تهريب مكثفة، فإن حجم البضائع التي تم تهريبها خلال الأشهر الأخيرة تجاوز 20 مليار جنيه، فقدت بموجبها الخزانة العامة نحو 4 مليارات جنيه رسوماً ضريبية وجمركية مستحقة على هذه البضائع. وعلى الرغم من جهود حكومية حثيثة تسعى لمحاصرة نشاط المهربين خاصة في السلع التي يزدهر فيها هذا النشاط مثل السجائر بكافة أنواعها، إلا أن شبكات المهربين تبتدع أساليب جديدة للتهريب تجعل من اكتشافها أمراً صعباً. وبينما تنتشر السلع المهربة في كافة منافذ البيع بالتجزئة وعلى الأرصفة وفي الأسواق الشعبية، ينكر رجال الجمارك حدوث أي نوع من الاختراق لنظم العمل في المنافذ الجمركية الأمر الذي دعا منتجي السجائر، على وجه الخصوص، إلى التقدم بشكوى إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الوزراء يطالبون فيها بإجراءات أكثر جدية لإيقاف سيل السلع المهربة التي تضرب الصناعة المحلية. ويستعد منتجون وأصحاب مصانع مصرية متضررة من نشاط التهريب إلى عقد لقاء مع وزيري المالية والصناعة لبحث أبعاد المشكلة وسبل مواجهتها بعد أن أوشكت العديد من المصانع على التوقف عن العمل. وتتصدر مصانع النسيج المصرية قائمة الصناعات التي يضربها التهريب في مقتل، حيث تدخل إلى البلاد كميات هائلة من الغزل المهربة من الهند والصين وبعض بلدان شرق أسيا بأسعار رخيصة وجودة متدنية، الأمر الذي يضع المصانع المحلية في مأزق صعب، إلى جانب تهريب الملابس الجاهزة. ويسعى أصحاب مصانع النسيج والسجائر، خاصة من القطاع الاستثماري الذي يصنع منتجات ذات ماركات وعلامات تجارية عالميةـ إلى استصدار عدد من القرارات التي تحمي استثماراتهم من “غول” التهريب مثل خفض معدلات الرسوم الضريبية والجمركية التي يخضعون لها أو رفع نسبة الرسوم المفروضة على السلع المثيلة المستوردة من الخارج أو تشديد عقوبات التهريب لتشمل عقوبات جنائية الى جانب العقوبات المالية بعد أن أثبتت التجارب أن العقوبات المالية وحدها غير رادعة لهؤلاء المهربين في ظل الأرباح الضخمة التي يحققونها الأمر الذي يستلزم إجراءات عقابية موازية تحد من انتشار هذه الظاهرة وتأثيراتها السلبية على الاقتصاد المصري. وتزداد خطورة ظاهرة التهريب على صناعة السجائر في أن نسبة كبيرة من الرسوم والضرائب تحصل عليها الدولة من هذه الصناعة تبلغ في المتوسط نحو 68% من قيمة كل علبة سجائر يتم بيعها الأمر الذي يهدد بفقدان الخزانة العامة لمورد مهم من أبرز مواردها السيادية خاصة وأن نسبة من هذه الرسوم يجري توجيهها مباشرة الى تمويل بعض الخدمات الصحية والبيئية وغيرها مما يؤثر مستقبلاً على التمويل المتاح لهذه الخدمات. ويقول عمر بسيسو، الرئيس التنفيذي لشركة “بريتش أميركان توباكو” وهي شركة بريطانية عاملة في صناعة التبغ المصرية منذ سنوات وتنتج العديد من الماركات العالمية، إن التهريب أصبح مشكلة حقيقية تواجه هذه الصناعة، مشيراً إلى أن حجم سوق السجائر في مصر يدور حالياً حول 25 مليار جنيه سنوياً تتوزع على 55 مليار سيجاره يتم بيعها في السوق المحلية، بالإضافة إلى ما يجري تصديره الى بعض الأسواق الأفريقية والعربية المجاورة حيث تفضل بعض الشركات العالمية اتخاذ السوق المصرية نظرا لتميز موقعها الجغرافي “منصة” لتصنيع وتصدير منتجاتها لأسواق المنطقة بدلا من جلب هذه المنتجات من مصانعها الرئيسية في بلادها الأم مثل بريطانيا أو الولايات المتحدة وغيرهما. ويضيف بسيسو أن نسبة الرسوم والضرائب التي تحصل عليها الحكومة المصرية من منتجي السجائر تبلغ 68%، أي أن إجمالي حصيلة الدولة سنوياً من ضرائب ورسوم صناعة السجائر تدور حول 18 مليار جنيه تمثل مورداً هاماً من الموارد السيادية للحكومة ومن ثم فإن التهريب لا يضر فقط بالمصانع المحلية أو الاستثمارات الأجنبية إنما يضر كذلك بموارد الدولة . وقال إن هناك نقطة مهمة وهي أن الشركة الشرقية للدخان المملوكة بالكامل للدولة تستفيد من وجود استثمارات أجنبية في صناعة السجائر، حيث تحتكر هذه الشركة بموجب قوانين محلية عملية التصنيع ومن ثم نضطر لتأجير خطوط إنتاج داخل مصانع الشركة الشرقية وندفع لها مقابل هذا التأجير وبالتالي تستفيد الشركة الحكومية، فإذا كان التهريب يحاصرنا ويدفع بمبيعات الجميع للتراجع حيث تباع علبة السجائر المهربة بنحو 5 جنيهات في ظل تغليف جذاب وعبوة تبدو فاخرة بينما تباع علبة السجائر الشعبية بنحو 6 جنيهات فإن الأمر سوف يزداد خطورة مع الوقت وقد يدفع المستثمرين الأجانب في هذه الصناعة إلى الانسحاب من السوق في ظل خسائر متوالية نتيجة عمليات التهريب العشوائية التي تزداد كل يوم وعدم وضوح الإجراءات الكافية لمواجهة هذه الظاهرة. ويشر فؤاد حدرج، رئيس إحدى شركات تصنيع الملابس، إلى أن الملابس المهربة ظاهرة قديمة في السوق المصرية، إلا أن حدتها زادت بعد ثورة 25 يناير وتراخي القبضة الأمنية خاصة مع اندلاع الثورة الليبية التي جعلت من المنطقة الغربية لمصر منفذا مهما لتهريب كافة أنواع السلع وبالتالي فإن الأمر يقتضي إجراءات أكثر ردعاً وعقوبات مشددة لأن التهريب يضرب صناعات محلية مهمة في مقتل وهذه الصناعات لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الأعباء ويضاف الى هذه الأعباء منافسة غير متكافئة مع السلع المهربة. ويطالب حدرج بضرورة توحيد الرؤية بين الأجهزة الحكومية وأصحاب المصانع المتضررين من التهريب لأن الجميع أصبح في خندق واحد فالمصانع تخسر والحكومة تخسر الضرائب والرسوم الجمركية والمستهلك قد يحصل على سلعة غير مطابقة للمواصفات قد تكون ضارة به من الناحية الصحية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©