الثلاثاء 14 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عصابة الأشرار الصغار ميزان العدالة

عصابة الأشرار الصغار ميزان العدالة
25 سبتمبر 2014 22:05
اختفى الطفل «محمود» فجأة وبلا مقدمات، لم يعد إلى منزل أبيه، حتى بعد المساء، فالمنطقة التي يقيم فيها تعد من المناطق العشوائية تقع على أطراف المدينة، معظم سكانها من الفقراء، لكن ليس هذا فقط هو الذي يميزهم وإنما أيضا هم نماذج مختلفة عن البشر، يفضلون الحياة في تلك البيئات المختلفة التي تعد معامل لتفريخ المجرمين، ورغم عدم وجود خدمات أو مرافق، لكنهم لا يفضلون الانتقال من هنا، يعتبرون انفسهم مثل الأسماك، تموت إذا خرجت من الماء، مع الفارق في التشبيه، واختفاء الطفل علامة استفهام، فلم يكن أبوه ثريا فيطمع شخص أو عصابة في أمواله فيختطفونه مقابل فدية ولم تكن كذلك بينه وبين أحد خلافات فيمكن أن ينتقم من الصغير. على غير العادة لم يقدم أحد معلومة عن الطفل الذي لم يتجاوز الثامنة من عمره، فقام أبوه بتحرير محضر باختفائه، وهو الآخر لم يذكر شيئا يمكن أن يدل على سبب أو ظروف اختفاء ابنه، كل ما قاله انه يخرج إلى عمله في الصباح الباكر ويترك أطفاله مع أمهم يلعبون في الشارع، إلى أن يعود في المساء ويتجمعون كلهم لتناول طعام الغداء الذي في الغالب يكون موعده بعد المغرب، وعندما عاد كعادته الليلة لم يجد ابنه، وبحث عنه ولم يعثر له على أثر، واضطر في النهاية لإبلاغ الشرطة عساها أن تأتيه بخبر سار عنه وهي بوسائلها يمكنها أن تجلي الحقيقة. الرجل لم يتوقف عند هذا الحد، بل قام هو وبعض جيرانه بجولة في أقسام الطوارئ والحوادث في المستشفيات ربما يكون ابنه تعرض لمكروه وتم نقله للعلاج ولأنه لا يحمل بطاقة هوية فلم يستدلوا على أسرته، وبحث أيضا في أقسام الشرطة لاحتمال أن يكون تم ضبطه مع بعض الأطفال المشردين أو لأي سبب لكن كل جهوده لم تأت بجديد ولم يكن له وجود في أي من هذه الأماكن، وأقاربه محدودون ولم يذهب لأي منهم، ولم يبق إلا احتمال واحد وهو أن يكون توجه للعمل مع عدد من الصغار الذين يعملون صبية في ورش إصلاح السيارات أو في المقاهي وغيرها، ولو أراد أن يقوم بهذا المجهود لاحتاج إلى جيش عرمرم كي يقوم بهذه المهمة المعقدة، ومع ذلك لم يوقف البحث عنه بإمكاناته المحدودة فهو فلذة كبده، ويحترق من أجله خاصة وهو لا يعرف مصيره ولا ماذا حدث له من مكروه، وإن كان الأمل مازال يراوده في عودته سالما معافى. ذلك في الوقت الذي كان رجال الشرطة يركزون جهودهم في اتجاهات أخرى، فقد اهتموا بالبلاغ، على عكس ما كان الكثيرون يعتقدون، بل إن بعضهم قال إن الشرطة لم تهتم لأن الطفل فقير، وجاءت النتيجة عكس ذلك تماما، وتم تشكيل فريق من البحث الجنائي وعلى مستوى عال من الخبرة والكفاءة تمكن خلال أربع وعشرين ساعة من حل لغز اختفاء «محمود». كشف اللغز فريق البحث كشف أن وراء اختفاء الصغير جريمة ارتكبها أصدقاؤه الصغار ولا أحد يكاد يصدق ما حدث عندما يسمع التفاصيل، فقد عثروا على الصغير في «غرفة» للصرف الصحي تكون في الغالب تحت مستوى سطح الأرض، جثة الصغير اقتربت من التحلل بسبب ارتفاع درجة الحرارة ومرور أكثر من ثلاثة أيام على الوفاة أو القتل، ولا تخفى الإصابات التي كانت بادية على جثته النحيلة، مشهد استخراج الجثة من هذا المخبأ كان كفيلا باستخراج الدموع التي سالت غزيرة من كل من رأى أو سمع عما حدث، خاصة أن الطفل ليس مثل الأشقياء ولا على شاكلة أقرانه. كشف الفحص الطبي الذي أجراه الطبيب الشرعي على جثة القتيل الصغير أن سبب الوفاة إصابة بحجر أو بآلة حادة في الرأس، وهذا ما أكدته المعلومات التي جاء بها رجال الشرطة وأكدتها تحرياتهم منذ اللحظة الأولى التي فتحوا فيها ملف هذا الحادث الغامض، وكانت مفاجأة للجميع لا يكاد يصدقها عقل، فبعدما انتهى الأب من تحرير المحضر الرسمي اتجه رجال الشرطة للبحث في عدة اتجاهات والعمل على كل الاحتمالات فقد افترضوا بداية تعرض الصغير للخطف خاصة أن كثيرا من هذه الجرائم وقع في الفترة الأخيرة من عصابات وأفراد من أجل الحصول على المال ومعظم هؤلاء من اللصوص، لكن البحث في هذا الافتراض لم يأت بجديد وتم التأكد من أن الطفل لم يتعرض للاختطاف، والافتراض الثاني الذي فعله أبوه بنفسه وهو تعرضه لمكروه أو إصابة أو حادث، فقد أكدت وسائل الاستعلام الحديثة بالحاسوب أنه لم يدخل أي مستشفى أو قسم شرطة، وبقي الاحتمالان الأخيران، وهو ربما يكون توجه للعمل مع بعض الصغار أو لحادث بشكل مختلف في الخفاء تكون وراءه جريمة. جمع المعلومات الخيط الذي تم تتبعه هو جمع المعلومات من خلال أصدقائه وأقرانه والصبية الذين يخالطهم كل يوم، والحقيقة لم يتوقع رجال المباحث أن يراوغ الصغار اكثر من الكبار، وان الأجرام المتأصل في نفوسهم جعلهم يحاولون تضليل رجال الشرطة لولا خبراتهم ومعارفهم المتراكمة حول المجرمين وأساليبهم في محاولة التنصل من أي جريمة، فكان من يعرف ومن لا يعرف منهم أي شيء حدث في هذا اليوم يحاول الفرار بنفسه بعيدا عن التحقيقات وعن الأسئلة والإجابات والاستجوابات، كل واحد منهم يزعم انه لم يره منذ أيام، ومن يدعي انه لم يكن متواجدا أصلا في المنطقة، وآخر يذهب بعيدا ويقول إنه لا يعرف الطفل الضحية، كل منهم يقول نفسي نفسي كأنه لو تكلم بكلمة فسيتم اتهامه، وتقاعسوا عن المساعدة في إظهار الحقيقة. لكن رغم ذلك لم يعدم فريق البحث الجنائي حيلة ليصل إلى حل هذا اللغز المحير، فجاؤوا بجميع الصغار الذين كان يتعامل معهم القتيل، ومنهم من كانت له سوابق إجرامية رغم صغر أعمارهم، فأكبرهم لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، واحد منهم تحدث خشية أن تطاله أصابع الاتهام، وقال إن «بالوظة» هو آخر من كان مع «محمود» في عصر يوم الحادث وقبل أن يختفي ومعه اثنان من أصدقائه، وعندما جيء بهم حاول كل منهم أن يلقي باللوم والاتهام على صاحبه، هذا يقول ذاك وذاك يعيد الاتهام ويرده إلى صاحبه إلى أن تكاملت الصورة، وتأكد أن الثلاثة وعلى رأسهم «بالوظة» وراء الجريمة. استدراج الضحية خرج «محمود» ليلعب أمام منزل والده المتواضع وتقابل مع «بالوظة» وبالطبع هذه كنيته وليس اسمه، ولا أحد يعرفه إلا بها، الجميع يجهلون اسمه الحقيقي، والمعروف أن «بالوظة» معجون بماء الإجرام، وقد استدرج ضحيته بمساعدة صاحبيه، وحاولوا أن يستولوا منه على النقود القليلة التي كانت معه وهي «مصروفه» الذي لا يحصل عليه بشكل يومي، وعندما قاومهم هددوه بالكلام ثم بالضرب لكن لم يستجب لهم، فجاء «بالوظة» بحجر وضربه على رأسه ضربة واحدة جعلته يفقد الوعي، اكتشفوا بعدها انه فارق الحياة، وخشية أن يكتشف أمرهم قاموا بإلقاء الجثة في «غرفة» الصرف الصحي وكأن شيئا لم يكن. لكن «بالوظة» وحده حكاية عجيبة فهو قبل أن يكون مجرما هو ضحية انفصال أبيه عن أمه، فخرج وهو في الخامسة من عمره ليبيع المناديل الورقية في إشارات المرور ويستجدي المارة وعرف طريق الانحراف مبكرا، فارتكب كل أنواع السرقات، ومع صغر سنه تم اتهامه في العديد من القضايا، ليس هذا فقط بل انه كان متعهدا لتجنيد الصغار في الانضمام لتلك العصابات الصغيرة الخطيرة المدمرة وكان له أسلوبه الشيطاني الذي لا يعرف أحد من أين اكتسبه ولا ممن تعلمه، فهو يغري الأطفال بالأموال ولعابهم يسيل أمام القليل، ويتم تدريبهم على السرقات والنشل والتسول وأخيرا ينزلقون إلى هاوية القتل، وكان «محمود» واحدا من ضحاياهم. «بالوظة» يبتسم ولا يضحك. . يعترف ولا ينكر. . لا يخاف مما هو آت رغم علمه أنه مقدم نحو السجن، لكنه يبدو تائها لا يهتم، بل كأنه يشعر انه في طريقه إلى نزهة بشكل مختلف، يروي كافة تفاصيل جرائمه السابقة، ويعترف بجريمة القتل أيضا، لكنه يختم كلامه بما يشبه النكتة، بأنه كان يساعد أقرانه للحصول على الكسب. . وتم حبس عصابة الأشرار الصغار.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©