الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

هيرتا موللر ترصد الأحداث بمونولوج يصل إلى حد الصمت

هيرتا موللر ترصد الأحداث بمونولوج يصل إلى حد الصمت
12 سبتمبر 2011 00:15
لا تنتمي رواية «ما الإنسان سوى دُرّاج كبير في هذه الدنيا» للروائية الرومانية هيرتا موللر الحائزة جائزة نوبل للآداب للعام 2009، إلى الرواية بمعناها الكلاسيكي، على مستوى الشكل، أيضا هي ليست موغلة في حداثتها إلى حدّ الإغلاق والغموض، بل يمكن القول إنها مجموعة من الأقاصيص والحكايا التي تربط في ما بينها أن شخصيتها الرئيسية واحدة هي: الطحّان فينديش، الحالم بأن يترك رومانيا في مرحلة الحكم الاستبدادي الشيوعي إلى بلاد أخرى لا تتعين على وجه التحديد لكن ليس أمرا صعبا أن يستشف القارئ أنها هي ما كان يُعرف بأوروبا الغربية قبل انهيار الاتحاد السوفييتي. العمل الروائي الصادر مؤخراً عن مشروع كلمة التابع لهيئة أبوظبي للثقافة التراث ويقع في 154 صفحة من القطع المتوسط، وترجمة نبيل الحفّار ومراجعة مصطفى سليمان من سوريا، عبارة عن مونولوج طويل ضمن مواقف وحالات تتعدد بتعدد القصص والحكايا التي مرّت وتمرّ بها حياة «فينديش» في قريته البائسة التي كأنما تعود إلى العصور الوسطى. وهذا الطغيان للمونولوج يعني الصمت المطبق، فما من حوار تقريبا يخوضه «فينديش» مع أحد بل هما عيناه اللتان تراقبان كل شيء وتتطلعان إلى ما بعد ذلك. إنه عالَم بسيط تماما بل يكاد يكون عاديا جدا بلا أية امتيازات إلى حدّ قد يجعل القارئ يضيق ذرعاً بالكتاب. غير أن هذا المونولوج، وما تنطوي عليه الشخصية من أوجه تتقلب وتتلون بحسب صمتها بإزاء كل ما يحيط بها فإن هنا بالذات جماليتها الخاصة، حتى لكأن الشخصية الرئيسية تواجه القمع والاضطهاد المركّب بالصمت، الذي لا يبلغ بصاحبه حدّ الجنون بل إلى أقرب كابوس يثير الهلع ويذكّر بمصائر تلك الشخصيات الروائية كما لدى التشيكي فرانز كافكا. وفي الوقت نفسه، وعلى نحو يعمّق إحساس القارئ بالشخصية ومعاناتها الخاصة، فإن المونولوج هذا يرسم الحدث ومنطق تسلسله وتطوره ثم مآله الأخير إلى أن يصبح الصمت صنو الموت. وهنا فالرواية عبارة عن جمل قصيرة جدا ومكتملة جدا في الوقت نفسه وتنتهي كل منها بنقطة لتبدأ واحدة أخرى تليها على نحو قريب الشبه بالكيفية التي يتم بها كتابة السيناريو السينمائي بما يتضمنه من رسم للشخصيات. ومع كل جملة - غالبا ما تبدأ بفعل حاضر أو ماض - إذ تتحرك المخيلة فإن القارئ مع كل جملة يدرك صورة ووضعا فيزيائيا للشخصية وموقفا نفسيا تلقائيا مع نهاية كل أقصوصة على حدى. ومن قبيل الإيضاح أكثر وبقَدْرٍ من المقارنة، فإن طائر الدُرّاج يُعرف في بعض البلدان العربية بطائر التدرُّج، وجاء وصفه في لسان العرب بأنه «طائرٌ أسود باطن الجناحين وظاهرهما أَغبر، وهو على خلقة القطا إِلاَّ أَنها أَلطف». ويستوطن هذا الطائر، من بين ما يستوطن في العالم، الجزيرة العربية ويُعرف بأنه غير مهاجر يفضل الصحارى المفتوحة والشجيرات، وغالباً ما يرى في مجموعات صغيرة، وعند اشتداد الحر صيفاً يرى في مجموعات صغيرة تحت ظلال الشجيرات وليتجنب الرمل الحار يحفر برجليه قليلاً ثم يربض على الرمل الرطب. وعلى نحو شبيه فإن دُرّاج هيرتا موللر الكبير، أو الهرِم بالأحرى، يتجنب الهجرة ويستبدلها بالحفر عميقا في الثلج عِوَضا عن الرمل بحثا عن الخَدَر لا عن الدفء، إنما بقرار فردي واع أدرك في آخر الأمر وكما في مطلع الرواية أن «الإنسان ليس سوى دُرّاج كبير في هذه الدنيا». بهذه البساطة ترسم هيرتا موللر حياة فرد بأكمله يعيشها وحيدا في الصقيع وتنطفئ أحلامه فيها وحيدا لتندفن في العتمة حتى تصبح استعارة لمجتمع بأسره حُكِم عليه بالدفن في العتمة قرابة أربعين سنة. غير أن «ما الإنسان سوى دُرّاج كبير في هذه الدنيا» ليست الأشهر من بين أعمال هيرتا موللر السردية، إنما تُعتبر روايتا «جواز السفر» - 1986 و»أرجوحة النفس» - 2009 التي جرت ترجمتها إلى العربية عن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث ضمن مشروع كلمة أيضا من أبرز ما أنتجت، وقد وصفها بيان لجنة جائزة نوبل بأنها « كاتبة عكست حياة المحرومين بتركيز لغة الشعر وصدق ووضوح لغة النثر».
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©