الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حرق الطعام رسالة روسية للغرب

5 سبتمبر 2015 21:45
جاءت «نار التطهير» مفاجأة حينما بدأت الحكومة الروسية تحرق الطعام وتتباهى بذلك في التلفزيون الرسمي. وقبل عام، كانت الحكومة قد فرضت حظراً على واردات الطعام من الدول الغربية. وأدى الحظر إلى زيادة أسعار الطعام وساهم في تراجع كبير في الدخول الفعلية. لكن لماذا لا تكفي مصادرة الطعام؟ لماذا حرقه؟ بالنسبة للذين نشأوا في روسيا في العهد السوفييتي وما بعده، فإن تدمير الطعام من المحرمات. ورغم أنه لم توجد مجاعة في روسيا الحديثة، لكن أكثر من 20 مليون روسي يعيشون في فقر. وكان من المعقول أن يجري توزيع الطعام عليهم بدلا من تدميره. بالنسبة للحكومة الروسية الحالية يمثل حرق الواردات إجراءً منطقياً للغاية. ويريد الكرملين أن يبعث برسالة واضحة مفادها: أننا نستطيع فعل أشياء تعتبرونها غير منطقية ولا تخطر ببالكم، فلا تعبثوا معنا. من المهم نقل هذه الرسالة داخلياً وخارجياً. بالنسبة للأنصار داخل روسيا تقول الحكومة: المأزق مع الغرب مسألة مبدأ مهما كلف اقتصادياً. وهذا يأتي في وقته تماماً، لأن الإنتاج المحلي الإجمالي لروسيا انخفض في الربع الثاني من العام الجاري بنسبة 4.6% مقارنة بالربع الثاني من العام الماضي. ويبث الكرملين أيضاً رسالة ثقة بالنفس للمعارضة الداخلية مفادها أنه يستطيع فعل أمور لا تحظى بشعبية لكنه يظل مسيطراً على مقاليد الأمور. وخارج روسيا، يدل هذا على الالتزام بنهج المواجهة. وعلى الغرب أن يفهم أنه لا يستطيع التنبؤ بأفعال الكرملين وأن يخشى أفعاله التي لا يجرؤون على مثلها. وعندما تأتي هذه الرسالة من قوة نووية فإنها مخيفة بشكل خاص. لكن هذه ليس القصة الكاملة، فلو كان الهدف هو معاقبة المزارعين الأوروبيين لكانت الحكومة صادرت الواردات ووزعتها على الفقراء، وهذا يضر بالمصدرين الأوروبيين بقدر ما يفعله حرق الطعام. فحرق الطعام لا يفيد إلا جماعات المصالح الزراعية الروسية. وحرق الواردات الغذائية يقلص الطعام في روسيا ويرفع الأسعار المحلية ويعزز أرباح المنتجين المحليين. وفي هذا المعنى، لم يُحرق الطعام لأسباب جيوسياسية بل هو إجراء قديم وجيد للحمائية. إنه يبين أن الحكومة تهتم بشأن جماعات المصالح الزراعية أكثر مما تهتم بالأسر الروسية. ولطالما تمتعت جماعات المصالح المناهضة للتجارة بالقوة، لكن الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية في أغسطس 2012 فرض عليها قيوداً. وفي بداية الأمر لم تستوعب الصفوة الروسية سلطة منظمة التجارة العالمية. ويقال إنه لإقناع اليساريين في البرلمان بعضوية التجارة العالمية، قال مسؤول كبير: «يجب ألا تقلقوا من قواعد منظمة التجارة العالمية، سنتظاهر فحسب بأننا نلتزم بها بينما نواصل اتباع سياساتنا الحمائية». وبعد الانضمام للمنظمة فرضت الحكومة ضريبة لإعادة تدوير السيارات. وكان من المفترض ألا يدفعها إلا منتجو السيارات الأجنبية لحماية قطاع إنتاج السيارات المحلي بعد أن فرض الانضمام لمنظمة التجارة العالمية خفضاً في الرسوم على واردات السيارات. لكن روسيا اكتشفت بعد فترة قصيرة أن منظمة التجارة العالمية تقوم على القواعد ولها أنياب. فأي انتهاك للقواعد سيؤدي إلى ثأر وهو ما أخبر به أعضاء آخرون في المنظمة روسيا على الفور. وتعين على روسيا فرض ضريبة إعادة التدوير على منتجي السيارات المحليين أيضاً. وبعد ضم شبه جزيرة القرم تغير كل شيء. فقد انتهكت روسيا ميثاق الأمم المتحدة بفعلها ذلك، وتستطيع خرق قوانين منظمة التجارة العالمية. وبمجرد فرض عقوبات على روسيا نجحت الشركات ذات الصلة بالمؤسسة السياسية في حشد الدعم للحصول على دعم لقطاع بعينه بل ولشركات بعينها وفرض إجراءات حمائية حتى لو كانت انتهاكاً لقواعد منظمة التجارة العالمية. وهذه القرارات تبين أن الحكومة تعطي أولوية لحماية أصحاب المصالح على حساب دافعي الضرائب الروس وأصحاب المعاشات. فلو كانت هناك أي شكوك بشأن ما إذا كانت الحكومة تعتني بشكل أكبر بالصفوة الفاسدة وليس بالروس العاديين، فقد أتت «نار التطهير» على هشيم الشك هذا تماماً. سيرجي جورييف* *أستاذ الاقتصاد بمعهد الدراسات السياسية في باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©