الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مثقفو الإمارات ومبدعوها: سنخلّد أسماء شهدائنا بحروف من ذهب

5 سبتمبر 2015 22:35
إبراهيم الملا - محمود عبدالسميع «كلمات العزاء والمواساة لأهالي الشهداء والجرحى في هذا المصاب الكبير لا تكفي للتعبير عن مدى الألم الذي تسلل إلى قلوب الجميع في هذا الوطن، الذي يضرب لنا أمثلة مضيئة حول معاني التكاتف والوحدة والتلاحم أثناء الأزمات والمحن»، هكذا بدأ الفنان هشام المظلوم حديثه لـ «الاتحاد»، ثم أضاف: «هذه الأزمات ستزيدنا قوة وثباتا على مبادئنا الأصيلة التي غرسها فينا حكامنا المؤسسون وآباؤنا الذين عاشوا ظروفا صعبة، واستطاعوا أن يتجاوزوها وأن يبنوا دولة طموحة قامت وما زالت تقوم ببذل الغالي والنفيس لتحقيق الأمن والأمان لأبنائها وللمقيمين على أرضها وللدول الشقيقة والصديقة المحيطة بنا». وتابع المظلوم: «إن تنكيس علم الدولة في هذه الأيام الحزينة، سيجعل هذا العلم مرفوعا وخفاقا دوما في قلوبنا ووجداننا وفي مستقبل دولتنا، التي قدمت الكثير لبسط الاستقرار الإقليمي، وبث روح الأمل في هذه الفترة العاصفة التي تمر بها شعوبنا في العالمين العربي والإسلامي». وأشار المظلوم إلى أن دولة الإمارات ضحت بأبنائها حتى تظل اليمن محتفظة بقيمها العربية الأصيلة، بعيدا عن الأفكار الدخيلة المشوشة والمؤثرة سلبيا على نسيجها المجتمعي والوطني المتناغم والمتآلف. داعياً إلى ضرورة دعم وإعمار اليمن وتنظيم أنشطة ثقافية وفنية مشتركة مع أشقائنا اليمنيين بعد استقرار الأوضاع، لما تملكه الفنون من دور إنساني رفيع في وحدة الشعوب وتواصلها، وبناء جسور جديدة من المحبة بعيداً عن خطابات الكراهية والعنف والتشدد. وبادر الشاعر والإعلامي خالد الظنحاني إلى القول: «بداية أرفع أحر التعازي إلى قيادة البلاد الرشيدة وأهالي الشهداء، وأقول بكل ثقة وإيمان أننا نستقبل خبر شهادة الجنود البواسل ونحن بأعلى درجات الفخر والعزة، حيث أفنى الجنود أرواحهم من أجل الحق ودحر الباطل، وحماية الإمارات والمنطقة بأكملها، وهم بذلك يطرزون شهادة عز ونصر في تاريخ الإمارات، تؤكد أن الإمارات محمية بشبابها، وجنودها البواسل الأعزاء». وتابع قائلاً : «إن العزاء لا يكون لأهل الجنود الراحلين وإنما للمجتمع الإماراتي بأكمله وقيادته الحكيمة، فليست تلك العائلات هي التي خسرت أبناءها وحسب، وإنما كل الشعب الإماراتي خسر هؤلاء الجنود». وأضاف الظنحاني: «تأتي مهمة الأدباء والشعراء اليوم بمشاركة الوطن فاجعته ومواساة أهل الشهداء. كلنا يعلم أن الموت حق علينا جميعاً، لكن أبناءهم تركوا أسماءهم نياشين لامعة على صدور الوطن وأهله، فعلينا ألا نحزن، بل يجب أن نفخر، ونرفع رؤوسنا عالياً ونحن نشّيع جثامينهم الطاهرة، ونحفظ أسماءهم في ذاكرة الوطن البطولية، فهم كانوا وما زالوا حماة الديار ورافعي رايتها، فمن خلال القصائد والروايات والقصص القصيرة والمسرح والفن التشكيلي سنخلد أسماء هؤلاء البواسل وسيبقوا معنا في ذاكرتنا المجتمعية والأدبية ما حيينا، نعم إن بطولاتهم ودفاعهم عن الحق ونصرة إخوتهم في اليمن، هي مادة أدبية ثرَّة وجديرة بأن تترجم إلى أدب عظيم يخلده التاريخ الإنساني». وبكلمات يختلط فيها الحزن بالألم بالفخر قالت الكاتبة والإعلامية الزميلة السعد المنهالي: «خالص العزاء والمواساة لكل إماراتي، بعد أهالي الشهداء وذويهم، فكل بيت له قريب أو صديق بين الشهداء، لذا فالتعازي للجميع بلا استثناء. رحمهم الله وأسكنهم فسيح جنانه وألهم الوطن وقادتنا وذويهم الصبر والسلوان». وأضافت: «تختلط الأحاسيس التي أشعر بها وتتداخل مشاعر الحزن والفخر بشكل حاد. ورغم أن قلبي يملؤه الأسى لفقد أبنائنا إلا أني أشعر بالفخر لقوة اللحمة الوطنية التي يعيشها الإماراتيون وكل من يعيش على هذه الأرض. يعرف الرجال في المحن، وفي الحزن دروساً وعبراً كثيرة تحتاج من يدركها ويقرأها بصدق وبقلب محب وصادق». بدوره أشار السينمائي عامر سالمين، مدير عام مؤسسة الرؤية السينمائية للإنتاج، بأن السينمائيين الإماراتيين من مخرجين وكتاب سيناريو ومنتجين عليهم أن يعبّروا عن قيم التضحية والفداء والشهادة من أجل المبادئ. وقال سالمين بأن الجميع اليوم، قادة وحكاما وشعبا بمختلف فئاته وأطيافه الثقافية، يشاركون أهالي الشهداء مصابهم وحزنهم. هذه المحنة ستدفعنا جميعا إلى التكاتف والتواصل المعنوي للدفاع عن مبادئنا ومكتسباتنا، وأضاف سالمين بأن السينما بما تملكه من تأثير قوي على تكريس هذه المبادئ من خلال لغة الصورة قادرة على المساهمة في تثقيف الشعوب بأهمية الوطن ومعنى التضحية، والوسائط الاجتماعية وشبكات التواصل والمهرجانات السينمائية باتت تعتمد اليوم وبشكل أساسي على الشاشة واللغة البصرية، ومن هنا - كما أشار- تأتي أهمية السينما والدراما عموما في تكوين خطوط دفاعية ذاتية تجاه الأفكار الشاذة والمتطرفة. ونوَّه سالمين بأن لديه مشروعا سينمائيا جاهزا وسيعمل على تنفيذه خلال الأشهر القادمة، ويتناول فيه قضية الإرهاب ومخاطر التوجهات الضالة على جيل الشباب والمراهقين، وما تسعى إليه هذه التوجهات من خلخلة وتشويش للقيم الإسلامية السمحة الداعية للسلام وحب الأوطان والدفاع عنها وعن جوهرها القائم على التآلف والوحدة والمشتركات الوطنية لا على التفرقة وخطاب الكراهية. وقال الفنان المسرحي مرعي الحليان إن حزن الوطن اليوم كبير ومتشعب ولا يمكن اختصاره في عبارات سريعة قد لا تكون معبرة بدقة عما يجول في الخواطر والأفئدة، موضحا أن المشتغلين بالشأن المسرحي والثقافي عموما عليهم مسؤوليات مضاعفة لبث روح الأمل والتفاؤل وتجاوز هذه المرحلة الحرجة وهذه الظروف التي فرضت علينا من أجل الدفاع عن أوطاننا واستقرار بلداننا الخليجية والعربية، ونوه الحليان إلى أن استشهاد جنود الإمارات يجب أن يقدم كأوسمة لأمهاتهم وأهاليهم ولشعب الإمارات وحكامه وللأجيال القادمة، لما لهذا الأمر من أهمية بالغة في تأكيد القيم الوطنية والإنسانية عموما، وتمنى الحليان أن يعمل الفنانون وأهل المسرح تحديدا على نشر هذه القيم من خلال أعمالهم القادمة وبشكل يكرس في نفوس الجميع مبادئ الولاء والبناء وتقديم الغالي والنفيس للجيل الحالي والأجيال القادمة. بدوره قال الفنان المسرحي عبدالله بوعابد: «إن هذا المصاب المؤلم سيزيد شعب الإمارات إصرارا على خدمة قيادته ودولته الغالية، وبكل ما يملكه شعب الإمارات من عطاء وتضحيات وبكل الوسائل والسبل». وأضاف: «نحن من موقعنا في الفضاء المسرحي سنعمل بكل جد وإخلاص لنقش أسماء شهدائنا وتضحياتهم بحروف من ذهب، وترجمة مشاعرنا العميقة تجاههم من خلال المواسم المسرحية والفعاليات الثقافية حتى تظل ذكرى الشهداء حاضرة على الدوام في مسيرتنا الوطنية الطموحة والقارئة بدقة لتحديات الحاضر والمستقبل». وأشار بوعابد إلى أنه بصدد البدء مع صديقه الشاعر مطر رمضان بكتابة أوبريت بعنوان «الشهيد» بالتعاون مع إدارة المسرح الحديث بالشارقة، وأضاف بأن المسرح هو جزء أصيل ولا ينفصل عن المكون الوطني العام بكل شرائحه التي تعمل بشكل منسجم ومتناغم لتأكيد قيمنا ومبادئنا العربية والإسلامية والإنسانية الأصيلة. ‏?وإذ يعرب الشاعر علي القحطاني عن حزنه على فقدان الوطن لأبنائه يؤكد أنهم سيظلون خالدين في قلوب الجميع، وأنهم سيبقون بخور المجالس وعطر الأماسي، ولن يخلو مجلس أو تجمع إلا سيحضرون فيه، عبر الشعر والقصيد. فالشعر هو أقدر الفنون على إيصال الأحداث، من هنا، فهو قادر على ملامسة قضايا الأمة، ولعل أهم ما يلامسنا كإماراتيين هو موضوع الشهداء، حيث قدمت الإمارات وما زالت تقدم أفواجاً من الشهداء. سنكتبهم في الشعر لأنهم سادة القصيدة، وبه سنوثق حضورهم وبطولاتهم للأجيال القادمة. ويؤكد الشاعر والإعلامي خالد المويهان أن «الإمارات وشعبها مدرسة في الوفاء والإخلاص وبذل المستطاع في حماية المنطقة مما لا يحمد عقباه»، مضيفاً:«هذا موقف يسجله التاريخ لجيش يقدم الشهيد تلو الشهيد في سبيل حماية الجزيرة العربية من أعدائها التاريخيين الساعين إلى استعباد العرب». ويتابع:«أبناء الإمارات ثابتون في المضي على طريق إزاحة الظلم عن إخوتهم اليمنيين. والشهادة التي يقدمها أبناء الجيش الإماراتي أعطت الشعب فخراً وإصراراً على نزع الظلم بدم الأبطال الذي يقدمه كل بيت في الامارات، وهم يتباهون فى مواقفهم الشجاعة. وعلى الشعراء أن يخلدوا هذه المعاني وغيرها، وأن يجسدوا شجاعة أبطالنا في قصائدهم، لأن الشعر كان وما زال وسوف يبقى هو تاريخ الأجيال». و«نفس الشهيد لها غايتان».. بلوغ الجنان ومجد الوطن بهم يطلع النَّهار محمود عبد الله (أبوظبي) لا يوجد في قاموس اللغة والتعبير الإنساني كلمة تهز الوجدان والعاطفة مثل كلمة «الشهيد» أو كلمة «الشهادة». هذه الكلمة التي تحمل في ثناياها الكثير من المعاني السامية والصور الجليلة، أقلّها هذا الهدير من الهتاف بحياة الشهيد، حينما تخرج جنازة هنا أو هناك، حيث يتوارى جسد، دافع عن مبدأ، عن وطن، بكل شجاعة وبسالة. ومن منّا لا يتذكر قصيدة «موطني» للشاعر إبراهيم طوقان التي ما زالت تردد حتى يومنا هذا بكل فخر واعتزاز، بعد أن أصبحت بمثابة نشيد وطني عربي. ومن منّا لا يتذكر قصيدة «الشهيد» للشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود: «سأحمل روحي على راحتي/ وألقي بها في مهاوي الردى/ فإما حياة تسر الصديق /وإما ممات يغيظ العدا/ ونفس الشريف لها غايتان / ورود المنايا ونيل المنى»، ونحن نتحدث عن شهدائنا هذه الأيام، هؤلاء الكبار.. كبار القامة والنّفس وهم يسقطون من أجل غاية وهدف نبيل عزيز، لا بد أن نلمح صورهم الجميلة، وهم يزفّون طاهرين إلى عوالم الجنّة والفردوس العظيم، وهم يرفلون في جلال الخلود تحت الرايات التي ترفرف خفاقة عالية في سماء ذلك الفردوس، رايات مضرجة بدماء عطرة زكية، تفوح منها رياحين المسك والعنبر، إنها رموز تلوح في الأفق لتعلن لنا نحن الأحياء بأن الشهداء هم أيضاً أحياء، وأن الحداد يليق بهم، تقديراً لشجاعتهم وبسالتهم في ساحات المعركة، ليظل «الشهيد» اسماً ولفظاً هو الإنسان الذي مات في سبيل الله، وسمّي كذلك لأن ملائكة الرحمة تشهده، ولأنه حي عند خالقه، ولأنه الأثير عند شعبه وأمته. لقد أثرى الشهداء مكتبة الأدب العربي، ولنبدأ من فلسطين، أرض الشهداء، ومن قصيدة الشاعر الفلسطيني الراحل سميح القاسم بعنوان: (إليك هناك حيث تموت) من ديوانه (دمي على كتفي): رسالتك التي اجتازت إليَّ الليل والأسلاك/‏ رسالتك التي حطّت على بابي جناح ملاك/‏ أتعلم؟ حين فضتها يداي تنفَّضت أشواك، على وجهي، وفي قلبي. ولنا بعد ذلك أن نختار أروع ما كتبه أمير الشعراء أحمد شوقي، في قصيدته المشهورة عن شيخ الشهداء عمر المختار، فشهيدنا في ليبيا يرثيه شاعر من مصر، في وحدة في الشعور والشعر: يا أيها الشعب القريب أسامع/ فأصوغ في عمر الشهيد رثاء/ذهب الزعيم وأنت باقٍ خالد/ فأنفذ رجالك واختر الزعماء/أرح شيوخك في تكاليف الوغى/ واحمل على فتيانك الأعباء. وفي هذه القصيدة بعنوان «الشهداء» يطالعنا الروائي والشاعر إبراهيم نصر الله بهذه المعاني السامقة بقوله: حين يزدان صدرك بالملصقات/‏ ويصبو إلى جرحك الماء طفلاً/‏ آخر أزهارك الشهداء/‏ إلى القلب.. حقلاً/‏ ستكتب/‏ كان الذي سقط اليوم أصغرهم/‏ ويخرج النهار إليك. لقد اتسعت الكتابة عن الشهيد والشهادة في الأدب العربي، واتخذت لها صوراً كثيفة مترامية يصعب حصرها في مقالة سريعة، فمن مجموعة (الرافضون يموتون وقوفاً) للقاص الليبي أمين المقهور عن الشهيد، إلى رباعية (الخسوف) لإبراهيم الكوني، إلى ما صاغته أحلام مستغانمي عن شهداء الجزائر وروايتها ذاكرة الجسد، والمجموعة القصصية للروائي الطاهر وطار (الشهداء يعودون هذا الأسبوع) إلى الكثير مما كتب ويصعب إيراده في هذه العجالة، لكن ثمة قول لا يمكن تجاوزه عن شهدائنا في أيامنا هذه: الجرح يمس الروح، وأن نصوغ شهداءنا الكبار وهم مثل الأشجار تموت واقفة، أمر يكاد يكون مستحيلاً، فالتعبير يظل قاصراً مهما كتبنا وقلنا، فالشهيد أكبر منا جميعاً... الشهيد أكبر من كل كلام...
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©