الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«نزهة» تدين الحرب و»العطش» تصور صراع البقاء الإنساني

«نزهة» تدين الحرب و»العطش» تصور صراع البقاء الإنساني
25 سبتمبر 2014 23:30
تواصلت مساء أمس الأول فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان الشارقة للمسرحيات القصيرة الذي تنظمه إدارة المسرح في دائرة الثقافة والإعلام على مسرح المركز الثقافي لمدينة كلباء بمشاركة سبعة عروض مسرحية قصيرة لمخرجين هواة، خضعوا لبرنامج تدريبي متعدد الاختصاصات نظمته إدارة المهرجان واستمر أربعة أشهر. واستهل برنامج اليوم الثاني من المهرجان بحلقة حوارية حول تجربة الفنان علي الشالوبي- شخصية المهرجان، قدمها وأدارها الفنان التشكيلي والمسرحي محمد يوسف، وتطرق في تقديمه إلى ما طبع تجربة الشالوبي من تعدد وتفرد وثراء، سواء في المسرح أو التلفزيون أم في السفر؛ إذ عرف عن الرجل الذي يلقب بـ «سندباد المسرح الإماراتي» شغفه الملحوظ بالترحال ليس في الجغرافيا المحلية، بل على نطاق العالم، وقد سجل أسفاره إلى أكثر من 127 دولة في كل قارات المعمورة، في كتاب تحت عنوان «رحلات الشالوبي في كل الدورب». وفي مداخلته، حكى الشالوبي قصته مع المسرح منذ أن أنهى دراسته في المعهد الديني في رأس الخيمة، مشيراً إلى أنه لم يكمل الجامعة فقد وجد أن عليه أن يتكلف مالاً وجهداً لكي يسقي أشواقه وأحلامه المسرحية وهو ما اضطره الى العمل حتى ينتج مسرحه. وقال إنه تدرب على يد «الأمين مسمار جماع» وشاركه في العديد من العروض المسرحية التي قدمت للجمهور في مهرجانات أو مناسبات اجتماعية. وفي إجابته عن سؤال حول وضع المسرح الإماراتي بين الأمس واليوم، استعرض عددا من الأمثلة الدالة على أن جيل الرواد واجه صعوبات جمة وقوبلت جهوده بكثير من الرفض من قِبل المجتمع إلا أنه صمد واستمر، ومما ذكره في السياق أن فرقهم المسرحية كانت تتعرض للرمي بالحجارة أثناء بروفاته ولما هو أعقد من ذلك. يشار إلى أن المهرجان أصدر كتيباً تذكارياً ضم إفادات لمسرحيين حول تجربة الشالوبي والكثير من صور ومطويات العروض التي شارك بها بدءًا من مطلع سبعينيات القرن الماضي. في الميدان برنامج العروض، بدأ بمسرحية «نزهة في ميدان المعركة» للكاتب فرناندو آرابال (مواليد 1932)، وتنافست بها ضمن مسابقة المهرجان المخرجة عائشة الشويهي، وهي من أكثر الأسماء النسائية الإماراتية حضوراً وحصداً للجوائز في مهرجان الشارقة للمسرح المدرسي. لم تغير الشويهي في النص القصير لأشهر كتّاب المسرح الإسبان، بالتدخل في بنيته أو لغته وأبقت على كل اقتراحاته الحوارية والإرشادية. ويصوّر العمل المنطق العبثي الذي يحكم حروب العالم، وذلك عبر قصة المجند الشاب الذي يجد نفسه في جبهة القتال فجأة، وهو الذي لا يعرف شيئاً عن البنادق والقنابل. ينفتح العرض على صورة الشاب زابو (قام بدوره إبراهيم العضب) في مكان يتوّضح مع مرور الوقت أنه خندق في ميدان معركة، ونرى المجند، وقد تملكه القلق والخوف، يتلقى تعليماته عبر جهاز الصوّت، وفيما هو كذلك يفاجأ بوالديه جواره (السيد تبيان قام بالدور شعبان سبيت، والسيدة تبيان وقامت بالدور آمنة علي أحمد) يظهر المجند دهشته فيشرح له الأب أنهما قصدا استغلال عطلة الأحد في التنزه وانتهى بهما الطريق إلى هنا. ويسأل ابنه عما يفعله هو في هذا المكان؟ فيشرح لوالديه انه في جبهة حرب وأن حضورهما يشكل خطراً عليهما. يمضي الحوار بين الطرفين، لتتكشف براءة المجند وضعف وعيه بالتجربة التي يخوضها. وفيما العائلة منهمكة في الأسئلة ينتبه الإبن إلى مجند من الجهة الأخرى (قام بالدور محمد عبدالله اسحاق) فيلقي القبض عليه. وفي مشهد الأسر نرى كيف أن الجميع، أي العائلة بمجندها والمجند من الطرف الآخر، لا معرفة لهم بما يجب القيام به، أعليهم توثيقه أم تركه بلا وثاق؟ وفيما هم كذلك يحكي المجند، في الطرف الآخر، قصة التحاقه بالجبهة، فنجد أنها قصة مماثلة لقصة ذابو، فهو الآخر كان يصلح مكواة حين طلب منه أن يلتحق بالجنود في الجبهة لمقاتلة الأعداء. تجد العائلة أن ما يقربها إلى أسيرها أكثر مما ينفرّها، فتشركه طعامها وموسيقاها، وتُنسى الحرب لحين. يتحول خندق الاقتتال إلى ساحة رقص، احتفاء بالحياة والصداقة والمرح صحبة موسيقى مؤثرة، بيد ذلك لا يستمر طويلاً إذ تنفجر قنبلة فتقضي على الجميع! اعتمدت الشويهي في إخراجها الأسلوب الواقعي، وشكلت فضاء عرضها ليحيل في كتله وفراغاته إلى صورة ميدان الحرب بحفر خنادقه وأسلاكه الشائكة وعتمته ووحشته. كما اختارت أزياء واكسسورات تعكس بأشكالها وألوانها زمن ومجتمع النص، الذي كتب خمسينات القرن الماضي، وهي اشتغلت على حركة الممثلين فوق الخشبة بحيث تعبر عن طباعهم الشخصية بين البراءة والسذاجة والبساطة، ولكن الأمر فاض في بعض لحظات العرض بحيث بدا كاركتيرياً وفكهاً. عطش أونيل وفي العرض الثاني، قدم المخرج الإماراتي الشاب سعيد المسماري، النص المسرحي الموسوم «العطش» للكاتب الأمريكي يوجين أونيل (1888- 1953)، وهو من سلسلة نصوص كتبها أونيل مستلهماً عبرها حياة البحارة الغامضة والمخاطرة والتائهة، ولكنه يتميز بقصره وبحواريته الشاعرية. ينفتح العرض، الذي قدم ضمن البرنامج الموازي للمهرجان، على صورة مركب بحري، مات معظم ركابه وبقي على سطحه البحّار (جوهر المطروشي) والرجل (عادل سبيت) والراقصة (عذاري السويدي)، وقد أعيتهم الرحلة وأشقاهم العطش، ومن حين لآخر نرى البحار يرد هجمات أسماك القرش بأن يلقي أمامها جثث الضحايا فوق مركبه، فيما الرجل والراقصة على حالتهما من الخوف والظمأ؛ ومن وقت لآخر يجرهما الكلام إلى استعادة بعض المواقف المشتركة، فيثور أحدهما على الآخر، بحيث يبدو كما لو أن كل واحد منهما يحاول أن يقلل من قيمة حياة الآخر فالموت أقرب الآن من أي وقت مضى. ولكن سرعان ما كان يغلبهما العطش فيصمتا من شدة اللهب. بنى المسماري فضاء عرضه على نحو تعبيري، مستعيناً بالمستويات الخفيضة والشاحبة للاضاءة وبخلفية صوتية هي مزيج من تلاطم الأمواج ومقاطع موسيقية مركبة من حزن وهلع. كما أظهر براعة في ضبط وتنويع حركة الممثلين فوق النطاق الضيق للمركب المهتز، وهو حكم وضعيات أجساد الممثلين بحيث تعكس دخليتهم الضعيفة والمنكسرة بخاصة لدى الرجل والراقصة. ويتصاعد الخط الدرامي للعرض إلى أعلى مستوياته حين يتوهم الرجل أن لدى البحار بعض الماء ويقنع الراقصة بذلك، ويتعلقا بهذا الوهم، وتظهر الراقصة وهي تحاول إغراء البحار ثم وهي تتوسله، ثم وهي تموت بين قدميه صحبة رجلها؛ وينغلق العرض.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©