الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«المبيّض» يقضي على سموم الآنية النحاسية ويعيد إليها اللمعان

«المبيّض» يقضي على سموم الآنية النحاسية ويعيد إليها اللمعان
6 ديسمبر 2010 19:56
تعتبر مهنة «المبيض» من الحرف التقليدية القديمة، التي حافظت على استمراريتها بصعوبة شديدة في بعض القرى والأرياف، حيث لا يزال هناك من يملك آنية نحاسية، أصابتها الشوائب والتفاعلات الكيماوية التي تصل حد السموم، فيقوم بأخذها إلى «المبيض» لمعالجتها وتلميعها وإعادة صلاحيتها للاستخدام. يعمل سعد الدين شهاب في مهنة «تبييض النحاس» منذ 40 سنة، وما زال «يتسلى بها» لأنها أصبحت جزءاً من حياته لا يستطيع التخلي عنها، خصوصاً في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة. وشهدت هذه المهنة قديماً العزّ والازدهار، وفرضت أصالتها في الجودة والإتقان أينما حلت، أما الآن فالنسيان أصبح يزحف إليها، بسبب عوامل عديدة، على رأسها ظهور أوان منزلية مصنعة من الزجاج والستانلستيل وغيرها من المواد التي لا يحتاج تنظيفها إرسالها إلى ورشة. حفرة «التبييض» عن انتشار هذه المهنة فيما مضى قال شهاب إن طرابلس وصيدا ومدينة حلب، كانت تعج بمعلمي الصنعة. ويضيف «معظم زبائني كانوا من العائلات الثرية، الاّ أن الظروف الصعبة التي عصفت بلبنان غيّرت عناوين هذه العائلات، وقطعت الاتصال بيننا»، مشيرا إلى أن أجرة تبييض «الطنجرة» كانت تختلف باختلاف حجمها وكرم صاحبها. وحول المواد التي تستعمل في مهنة «التبييض»، أجاب «نأتي بأدوات المطبخ (طناجر، صواني) فنطليها بالقصدير منعاً للصدأ الذي يشكل خطراً على الصحة العامة، وأول شيء نفعله هو تركيز حفرة صغيرة نشعل تحتها النار، فنصع «الأسيد» (ماء التوتياء) ثم مادة «نشادر» فماء القصدير، وملقطاً صغيراً للتلحيم، وبعض الأدوات مثل «الشاكوش» والكماشة ثم يوضع الوعاء المراد «تبييضه» فوق النار، ويوضع بداخله القليل من القصدير، ثم نمسحه بقطعة من القطن، فيعود لماعاً وبراقاً ونظيفاً، كأنه خارج من المصنع لتوه». وتحدث «المبيض» عصام كريج عن هذه المهنة التي لم تتغير، لكنها تطورت لاسيما في طريقة معالجة الآنية النحاسية فدخل القصدير عوضاً عن الرمل الحجري، ودخلت إليه النار بواسطة مادة الكاز، بعدما كان الفحم يستخدم عوضاً عنه، وتتم طريقة «التبييض» بواسطة «روح الملح» و»الرمل» من خلال «الفرك» بالقطن مع تعريضه للنار العالية الحرارة لفترة من أجل إزالة جميع الأوساخ العالقة والسموم التي تتجمع على مادة النحاس. وتابع «من الأفضل تبييض الأواني النحاسية مرة في كل عام من أجل المحافظة على الصحة». أما الأدوات المستعملة في هذه الحرفة فقال إنها «بسيطة للغاية، فهي مؤلفة من فرشاة معدنية ومطرقة خشبية وأخرى معدنية، وقطن لمسح النحاس بعد تعريضه للنار». حرب «الألمنيوم» وبين كريج «في السابق ونظراً لعدم وجود المواد المذكورة التي تدخل في مهنة «المبيض» بوفرة كنا نضع الآنية النحاسية في الحفرة الموجودة في الدكان، ونضع مادة الملح والرمل ومادة الجلد، ويتم فرك الآنية بشدة وإتقان، لنزيل الأوساخ العالقة، وطبعاً هذا العمل بحاجة إلى جهد ومثابرة كبيرين». يجول المبيض أبو مرشد في أسواق صيدا وأزقتها، باحثا عن لقمة عيشه. قال أبو مرشد «الألمنيوم دخل إلى الأسواق والمحال بكثافة، وبالرغم من ذلك تبقى مادة النحاس مطلوبة بالدرجة الأولى، خصوصاً لدى صانعي الحلويات والطباخين الذين يعتمدون على النحاس، لأنه معدن يساعد كثيراً في عملية الطبخ والطهي، عدا عن أنه صحي ولا يترك أي آثار كما تفعل مادة «الألمنيوم». وهناك الكثير من ربات البيوت والعائلات لا يستخدمن إلا الأواني النحاسية والطناجر في الطبخ، مهما وجد في السوق من أوان منزلية مختلفة مواد التصنيع» مثل الذهب. وتابع «في الماضي البعيد، كانت العائلات الميسورة والفقيرة تحرص على أن يكون للنحاس بريق كبير كبريق الفضة، وذلك لإشعار الضيوف بنظافة البيت، وفي القرى والأرياف كان النحاس يعتبر كالذهب، وهذا يتجلى في عمليات الخطوبة والزواج؛ ففي الستينيات كان النحاس مثل المصاغ الذهبي يدخل في مهر العروس، وكانت العائلات الكبيرة تحجز دوراً لها عند «المبيض» المختص بتنطيف الأدوات المنزلية النحاسية حتى تحافظ على وضعها الصحي، والازدحام كان على أشده، وتنفيذ الطلبات يستغرق أياماً كثيرة، خصوصاً وأن مهنة «المبيض» صعبة جداً وتحتاج إلى مهارة يدوية فائقة، ولا ننسى درجات الحرارة العالية، وروائح المواد المؤذية التي تستعمل في هذه الحرفة». وأضاف «المبيض يجب أن يكون رشيقاً ونشيطاً، وعليه التجوال وسط الأرياف والقرى، تنتظره جموع النساء، حاملات كل ما لديها من أوعية نحاسية وطناجر، بعضها يحمل علامات اللون الأخضر (الجنزار والزرنيخ) من أجل تجديدها وإعادة البياض إليها».
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©