الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حقوق الإنسان... ثمن استمالة روسيا

12 فبراير 2010 20:39
أريل كوهين باحث في الشؤون الروسية بمعهد السياسة الدولية بمؤسسة «هيرتيدج» الأميركية ما زالت جهود إدارة أوباما في إعادة ضبط علاقتها مع روسيا، حسب تعبير أوباما نفسه، تواجه العديد من التعقيدات وأسباب التعثر، ولعل آخر صدمة في هذه المحاولات الأميركية هي الاجتماع الذي عُقد في الشهر الماضي وشارك فيه رئيسا البلدين لتحسين العلاقات المشتركة واستكشاف فرص جديدة للشراكة. ولكن بعد يومين فقط على اجتماع اللجنة الرئاسية حول المجتمع المدني، الذي أثبت عدم فعاليته أقدمت الشرطة الروسية في موسكو على استخدام العنف لتفرقة المتظاهرين الذين خرجوا ليطالبوا فقط بتطبيق ما يخوله الدستور من حريتي التعبير والتجمع، وكردة فعل على القمع أصدرت وزارة الخارجية في واشنطن بياناً هزيـلاً اكتفـت فيه بالتعبير عن "قلقها". والحقيقة أن الاستمرار في تجاهل الانتهاكات الروسية لحقوق الإنسان، وتمكين الأنظمة الشمولية، لا يعني سوى التخلي عن أصدقائنا في روسيا وإضعاف القيادة الأميركية حول العالم، ذلك أن حقوق الإنسان والمجتمع المدني يتعين أن يظلا جزءاً أساسياً من العلاقة الثنائية بين أميركا وروسيا، وربما كان الحرص على هذه العلاقة بأي ثمن هو ما دفع الكرملين والبيت الأبيض في الصيف الماضي إلى تشكيل لجنة أنيطت بها مهمة تعزيز التعاون المشترك، حيث يتشارك مسؤولان في الحكومتين رئاسة لجنة المجتمع المدني التي ناقشت باستحياء في اجتماعها الأول قضايا إساءة معاملة الأطفال والفساد "في كل من روسيا والولايات المتحدة"، فضلا عن محاربة "الصور النمطية السائدة حول البلدين". وعلى الجانب الأميركي يشارك في رئاسة اللجنة، مايكل ماكفول، المدير البارز في مجلس الأمن القومي والأستاذ بجامعة ستانفورد والخبير في الديمقراطية، وهو أيضاً يعرف جيداً موسكو وحركتها الديمقراطية أكثر من أي شخص آخر في إدارة أوباما. فهو يعرف ماذا يفعـل كل من رئيس الوزراء، بوتين، والرئيس، مدفيديف، بالحركة الديمقراطية، ولكن في الوقت الذي جهدت فيه الولايات المتحدة كي يشعر الروس بالراحة وعدم الانزعاج من الاجتماع، وهي الغاية التي تحققت بالفعل، اعتبرت وسائل الإعلام الروسية التابعة للكرملين أن اللقاء كان "حواراً بين أنداد". والمشكلة أن الأمر لا يستقيم، إذ كيف لروسيا أن تتساوى مع أميركا في حين أن مؤشر "منظمة الشفافية الدولية" يضعها في أسفل قائمة الدول من حيث تفشي الفساد وتغلغله، كما أن اقتصادها "تعوزه الحرية في معظمه"، محتلا المرتبة 143 في مؤشر "هيريتدج فوندايشن" وصحيفة "وول ستريت جورنال" للاقتصاد غير الحر. ومع ذلك ركز النقاش على الفساد في روسيا والولايات المتحدة وتم التعامل مع البلدين وكأنهما على قدم المساواة! كما أنه في الوقت الذي تشير فيه أكثر الإحصاءات تحفظاً إلى أن عدد الأطفال المشردين في روسيا تجاوز سقف المليوني طفل تمت أيضاً مناقشة انتهاك حقوق الأطفال في أميركا التي تشهد تراجعاً ملحوظاً في هذا الأمر. وأكثر من ذلك يبدو أن المشاعر المناهضة لأميركا هي الغالبة في روسيا بسبب وسائل الإعلام التي يمولها الكرملين والمقالات التي يدفع أجرها مسبقاً، هذا فضلا عن القضايا التي غابت عن النقاش خلال الاجتماع مثل تصفية الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان، والقيود التي تفرض على الممارسة الحزبية في روسيا، ناهيك عن الرقابة الواسعة التي تخضع لها وسائل الإعلام المستقلة. وبالإضافة إلى ذلك تم تجاهل موضوع استقلالية القضاء الذي يتلقى تعليماته من الكرملين، والانفلات التام للشرطة التي باتت هي أيضاً تطلق النار على المدنيين الأبرياء وتقتل العديد منهم حسب تقديرات منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام، دون أن ننسى التعذيب الذي يمارس أثناء التحقيق والذي راح ضحيته "سيرجي ماجنيتسكي"، محامي شركة "هيرميتاج كابيتال" البريطانية بعد ما أودع السجن، والقائمة طويلة. وهذا ربما يكون هو ما دعا أميركا إلى شطب العديد من القضايا حتى لا تشعر روسيا بالحرج، وكما تساءل المعتقل الروسي الشهير "ميخائيل خودوركوفسكي" في أحد تصريحاته: "إلى أين تتجه روسيا خلال العقد المقبل؟ بالتأكيد سيعتمد اقتصادها على تصدير المواد الأولية وسيبقى الفساد متجذراً طالما استمر الطلب العالمي على تلك المواد"! وللإمعان في إهانة أميركا قامت الشرطة بقمع المظاهرة التي نظمها 300 من نشطاء حقوق الإنسان وسط موسكو في 31 يناير الماضي بعدما خرجوا للمطالبة بتطبيق المادة 31 من الدستور الروسي التي تكفل حرية التعبير والاجتماع. كما احتجزت العديد من المتظاهرين بعدما أوسعتهم ضرباً، وكأن موسكو تقول للنشطاء إن اجتماعها مع الولايات المتحدة حول المجتمع المدني لا يعني بالنسبة لها شيئاً. ومع أن الولايات المتحدة تسعى إلى تأمين تعاون روسيا في بعض القضايا المهمة مثل التفاوض على معاهدة "ستارت"، ومشاكل طرق الإمدادات إلى أفغانستان، والعقوبات الأممية على إيران، وغيرها من القضايا، إلا أنه يتعين على أميركا تطوير وتطبيق استراتيجية للانخراط البناء مع روسيا تقوم أولاً على تعزيز الحريات العامة ودعم حقوق الإنسان. ولتحقيق هذا الغرض عليها استخدام جميع الوسائل المتاحة لدى الدبلوماسية العامة مثل الإعلام الدولي وإنشاء قناة فضائية، وتعزيز برامج التبادل الثنائي، كما يتعين على أقطاب المجتمع المدني في أوروبا وأميركا التعامل مع نظرائهم في روسيا بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والقوى السياسية التي تنادي بالشفافية وتحرير السوق وسيادة القانون والتعددية السياسية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©