الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عصور ما قبل الكهرباء

عصور ما قبل الكهرباء
1 سبتمبر 2012
عمل الرحالة بيركهارت جاسوساً لدى المخابرات البريطانية في بدايات القرن التاسع عشر، وقام برحلات في بلاد الشام ومصر وجزيرة العرب وسجل انطباعاته، وينسب اليه اكتشاف مدينة البتراء، وهذه مبالغة، لأن البتراء كانت مكتشفة لدى البدو، وهم من أوصلوه اليها، لكن (فضله) يقتصر على تعريف العالم على كنوزنا وفتح عين الاستعمار على المنطقة أكثر وأكثر. ما علينا، يحكي بيركهارت خلال مرافقته للقوافل التجارية العربية، بأن العرب يتحدثون عن (أم مغيلان)، وأنا أعتقد انهم كانوا يتحدثون عن (أم الغيلان) لكن لسانه الأعجمي لم يدركها تماما، وهي غولة- حسب العرب- تأكل المسافرين الذين يتخلفون في المسير عن القافلة. ومن الواضح طبعاً أن لا غولة ولا ما يحزنون، لكن هذا الحديث الأسطوري عن أم الغيلان، يلهب المشاة حماسة وهم في الصحراء ليتقدموا مع القافلة والا افترستهم أم الغيلان، ويجعلهم هذا المخيال المرعب يتغلبون على التعب والجوع، وهم يتخيلون عظامهم تطقطق بين أسنان أم الغيلان شخصياً. في بلادنا يتحدثون عن فارس كان عائداً في الليل، فظهر امامه فجأة مارد أسود عملاق، فاستمر الفارس في الركض، لكن العملاق الأسود كان يستمر في الظهور أمامه، وكان الفارس يحاول التملص منه الا أن المارد كان يزاحمه على الأمام، لكن الفارس استمر في محاولة الهروب حتى هدّه التعب ليقف مستسلما، فيتكشف أن الفارس العملاق هذا لم يكن سوى احدى الشراشيب السوداء المدلاة من (عقال) الفارس وقد تدلت بين عينيه خلال المشي..... انه الخوف من الليل.. انه عصر ما قبل الكهرباء..عصر الأساطير المتخيلة. نعود الى المرحومة أم الغيلان.. اعتقد أن جانباً آخر من الأسطورة كان الأهم، وهو أننا نتقاعس عن مساعدة الضعفاء منا، ونبرئ أنفسنا ونمنح حالنا صكوك غفران من دماء اخوتنا، تحت شعار أن ام الغيلان تفترسهم، وننسى اننا نترك اخوتنا فرائس في الطريق، لأن نزعتنا الفردية تتغلب على نزعتنا الجماعية، ولا نرغب بالاشتباك مع الواقع ولا نحمل أنفسنا المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية. بعد مئتي عام على رحلات بيركهارت ما زلنا فرديين تماما كأجدادنا، ولم تعلمنا عصور الظلام ولا الاستعمار القديم ولا الحديث أن نتكاتف معا من اجل مواجهة الغيلان في كل مكان. لهذا تتبدد انجازاتنا مثل حراثة البعارين، وما زالت شراشيب العقال تشكل رعبا حقيقيا لنا، لأننا لم نستفد من تجربة الفارس، وما زلنا نكرر الأخطاء ونراكمها..مثل (أبو جعرّان).!! ??? كما نمنح الأسد عشرات الأسماء في اللغة العربية، ونمنع الحب عدة مستويات، والموت ثلة من المسميات، فإننا نمنح ذلك الطائر بضعة أسماء لا تزيد عن أصابع الصفعة الواحدة. لكن تعدد أسماء هذا الطائر لا تغير مهمته قط، فهي طريقة معيشته وهدفه الأسمى من الولادة حتى الموت. أحد أسماء هذا الطائر هي «الزقزاق، وربما جاءته لأنه لا ينفك يزقزق فرحا وهو يمارس مهنته القذرة، أما مهنته القذرة فهي أنه يقوم بتنظيف اسنان التمساح بعد كل وجبة، حيث يفتح له التمساح فمه على مصراعيه ويشرع الزقزاق في الزقزقة وأكل فضلات الطعام العالة بين اسنان التمساح.. أي أنه يقوم بعمل المسواك وفرشاة الأسنان معاً. تذكرت طائر الزقزاق لأني أرى العشرات يقلدونه بسماجة ويسلبونه لقمة عيشه، من خلال تقربهم للكبار والمتنفذين.. فهو محسود حتى على القاذورت. يوسف غيشان ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©