قديماً قالوا التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، وأثبتت التجارب والأيام صدق هذه المقولة، وأصبح يعتمد عليها في عمليات التربية والتعليم بالنسبة للأطفال، ولا يقصد بالتربية والتعليم هنا ما يدور فقط داخل جدران المدارس، بل يمتد إلى الاتجاهات التربوية والسلوكية كافة التي يروم الوالدان غرسها في نفوس الصغار، ويأتي مفهوم الادخار واحداً من أهم هذه الاتجاهات لما له من تأثير كبير في حياة الفرد وقدرته على تحقيق الاستقرار المادي والاجتماعي لكل من يحسن الادخار ويتخذه منهاجاً في حياته.
وتعتبر الحصالة هي وسيلة التفاعل الأولي بين الطفل وبين عالم الادخار واستيعاب أهميته، وذلك من خلال تعويده على اقتطاع جزء بسيط من مصروفه ووضعه داخل هذه الحصالة، لتجميع مبالغ مالية معينة يتم إنفاقها بعد ذلك في شراء أشياء مفيدة، وهنا تبدأ أولى خطوات الطفل في إدراك قيمة المال والحرص على عدم إنفاق كل ما يصل إليه، بل يصبح اقتطاع جزء من هذا المال وتجميعه داخل حصالته الصغيرة أسلوب تربوي نافع ومفيد يمارسه عن حب فرح، تحت إشراف الأبوين.
قيمة الادخار
يقول عادل منصور 39 سنة، ويعمل مدرساً بإحدى المدارس الخاصة، وله ابنان 9 و 7سنوات، إنه يؤمن بقيمة الادخار في حياة أي إنسان؛ ولذلك يحرص دوماً على غرس هذا السلوك في أبنائه، ولكن بـأسلوب تحفيزي وليس عن طريق التوجيه المباشر، وذلك من خلال شراء حصالات لهم منذ أن بدأوا الانتظام في الدراسة، وكان يخبرهم بضرورة توفير جزء من المصروف لشراء أشياء خاصة بهم مثل الألعاب البسيطة، ومن يستطيع توفير أكبر قدر من المال سيعطيه مقداره تماماً، وكان ذلك بمثابة مكافأة شهرية يحصل عليها أحد الابنين ممن يجمع المقدار الأكبر من المال، ويرى منصور أن ذلك ليس به شيء من البخل، بل العكس من ذلك تماماً؛ لأنه يجعل أبناءه ينفقون هذه الأموال ولكن بعد أن يكونوا عرفوا قيمة المال، وكذلك أيضاً يوجههم إلى أوجه إنفاق تنعكس عليهم بشكل إيجابي ويكسبهم سلوكيات حميدة، ومنها الشعور بمشكلات وآلام الغير، حيث كان يجعل أبناءه في بعض الأحيان يتبرعون ببعض هذه الأموال إلى هيئة الهلال الأحمر، لإنفاقها في أوجه الخير المختلفة مثل إغاثة المحتاجين ورعاية اليتامى، أو بناء المساجد.
الحصالة الصديقة
خليفة عبد الرحيم 41 سنة، ويعمل موظفاً حكومياً ولديه أربعة أبناء في مراحل التعليم المختلفة، أكد أن الحصالة تلعب دوراً مهماً في تعويد الأطفال على الاقتصاد، وتغرس فيهم أهمية الادخار، وقال إن زوجته كانت تشتري للأبناء حصالات بألوان مبهجة حتى تصبح قريبة من الأطفال الذين يحبون الألوان الجذابة ويحبون اللعب بها، ولذلك كانت الحصالة بمثابة صديق لأبنائه في سن الطفولة ويضعونها بالقرب من التخت الخاص بهم.
ويلفت إلى أن من أبنائه الآن من تخطى سن الاحتفاظ بالحصالة واستعمالها، غير أن الأثر الذي تركته فيه لا يزال قائماً، حيث يحرص على حساب تكاليف أي شيء قبل شرائه ومعرفة مدى فائدته، وكذلك يحرص إلى امتلاك أشياء جيدة بأسعار معقولة، ولا يندفع لشراء أي شيء يعجبه إلا بعد أن يتيقن من أن هذا الشيء يباع بسعر منطقي وغير مبالغ فيه.
وأشار عبدالرحيم إلى أن تربية أبنائه على احترام قيمة المال، تجعله في بعض الأحيان يرفض شراء أشياء قد يطلبونها، ويقول لهم إنه ليس لديه مال كاف الآن، وإن هذا المال يأتي نتيجة عمل وكد ولا يأتي بسهولة من المصرف مثلما يعتقد بعض الأطفال، مستشهداً بأنه في إحدى المرات رفض شراء شيء لأصغر أطفاله، فقال له “يا بابا روح للمكنة اللي بتعمل كدة وهات منها فلوس”، يقصد ماكينة الصراف الآلي. وهذا يبين أهمية شرح معنى المال للأبناء، وكيف يتم الحصول عليه، وبالتالي تترسخ لديهم قيمة المال، وأنه لا يجب صرف كل المال الذي نحصل عليه، بل يجب توفير جزء منه وادخاره لما بعد، بحسب عبدالرحيم.
برامج هادفة
من جانبها، أوضحت سلمى الشريف ربة منزل ولديها ابنتان وولد، أن الحصالة تعتبر من الأساسيات التي يبنغي توافرها ضمن مقتنيات أي طفل، ولفتت إلى أنها عرفت ذلك من خلال متابعتها أحد البرامج التلفزيونية الهادفة المتعلقة بالأسرة والطفل، وبالفعل أحضرت لكل واحد من أبنائها حصالة خاصة به وبألوان جميلة وأشكال كارتونية شهيرة محببة إلى الأطفال، ومن خلال تعاملهم مع الحصالة أصبحوا يدركون المعنى الحقيقي للادخار وقيمة المال، وإنه ينبغي إنفاق المال فيما يستحق فقط، ولا تتم عمليات شراء أي شيء بشكل عشوائي، وإنما بعد مناقشة لقيمة هذا الشيء ومعرفة ما إذا كان يستحق القيمة المادية له أم لا.
الضابط والرابط
من وجهة نظر تربوية، تحدث حمد سالم المزروعي مدير مدرسة المستقبل النموذجية بأبوظبي، مشدداً على أهمية تعليم ثقافة الادخار وتدريب الأطفال عليه بمختلف الأساليب، ومنها استخدام الحصالة التي تعبر أكثر تلك الأساليب تأثيراً في تعويد الأطفال على الادخار وفهم قيمة المال.
ولفت المزروعي إلى أن غالبية الأطفال ليست لديهم أي فكرة عن مفهوم الادخار، لكون الطفل يحاول دائماً إنفاق كل المال الذي معه في شراء ما يحب؛ لأنه يدرك تماماً أنه سيحصل على غيره من الوالدين، ولكن الأساليب التربوية الصحيحة والمستندة على قيم ديننا الحنيف، تدعو الوالدين إلى تعليم أولادهم معنى الادخار وأن هذا المال نعمة يجب الحفاظ عليها وعدم إنفاقها بلا ضابط أو رابط.
وأكد المزروعي أن الحصالة من الأفكار الناجحة جداً في تدريب الأطفال على فهم قيمة المال، بحيث يقوم أولياء الأمور بتحفيز أولادهم على ذلك عبر حساب قدر المال الذي وفروه شهرياً، ثم إضافة قدر مماثل له، وهو ما يعتبر أسلوباً محفزاً على الادخار.
ولفت إلى أن استيعاب الأجيال الجديدة قيمة الادخار يفيدهم في مستقبلهم ويجعلهم أكثر حرصاً في كيفية ما يتحصلون عليه من أموال.
ومن واقع تجربته الشخصية مع أبنه الطالب في الصف الأول، يذكر مدير مدرسة المستقبل النموذجية أنه اشترى حصالة له، وكان يجمع يومياً المبلغ الذي يتبقى من مصروفه سواء كان درهماً أو درهمين، وكل ما يتجمع مبلغ يقوم بزيادته له وشراء هدية أو لعبة جديدة له، وفي ذلك تشجيع عملي للطفل على الادخار وبأسلوب جميل ومحبب إلى نفسه.
نصائح
أكدت دراسة علمية حديثة أنه عندما تشتري لطفلك حصالة على شكل شخصية كرتونية يُحبها، فإن عملية التوفير ستكون أكثر متعة له، كما أن تعليمه وضع أهداف للأشياء التي يريد أن يقتنيها من ألعاب أو غيره وربطها بما هو موجود في الحصالة، فإنه عندما يتوافر له المال الكافي ويشتري ما خطط له، سيكون أكثر فرحة بما اشتراه، وسيُعلمه التخطيط بشكل جيد وسيُقدر قيمة المال.
وقدمت الدراسة التي نشرها أحد المواقع الإلكترونية المتخصصة مجموعة من النصائح لأولياء الأمور لغرس ثقافة ومفهوم الادخار لدى أبنائهم ومنها، أن تأخذ طفلك معك إلى المصرف عندما تقوم بدفع أقساط برنامج الادخار الدراسي الخاص به وحتى يُشاهد كيفية التعامل في المصارف وشكل المباني، حتى عندما تدفع أي صدقة أو تُساهم في عمل خيري بإيداعه في المصرف، فليكن معك ويفعل هذا بنفسه ليعتاد العطاء وبذل الخير.