الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تونس... من «التغيير» إلى مخاطر التشدد الديني

تونس... من «التغيير» إلى مخاطر التشدد الديني
1 سبتمبر 2012
رجال ملتحون يتصبب منهم العرق، وجوههم تلمع في الظل والضوء تحت الملابس المعلقة من أجل البيع خارج المسجد. الشمس توسطت السماء. وامرأة محجبة تمر مسرعة من أمامهم، بينما دنا ولد أكثر من أجل الاستماع إلى رجال يشتكون من انعدام الوظائف في الحقول أو المصانع، وانقطاع الماء عن المنازل. ويقول خالد أحمدي، وعلامات الاستياء واضحة على نبرته بينما يمر أصحاب المتاجر من أمامه لدخول المسجد بقصد الصلاة: "لم أكن أثق في الحكومة القديمة ولا أثق في الحكومة الجديدة لأنهم جميعاً يكذبون. ولذلك، فإنني أثق في ثورة أخرى"، مضيفاً "إن الدستور يجب أن يكون قائماً على القرآن والسنة”. في هذه البلدة التي أقدم فيها بائع فواكه جائل على إحراق نفسه مشكلاً مصدر إلهام للانتفاضات التي اجتاحت العالم العربي، يستشهد الناس بالنصوص الدينية من أجل التخفيف من حدة المصاعب والمشاكل التي من حولهم. وقد كانت تعتبر تونس نموذجاً للانتقال السلس نسبياً من أجيال من الحكم السلطوي إلى الديمقراطية، ولكن وبينما أعاد إسقاط الرئيس زين العابدين بن علي في 2011 إحياء الخطاب السياسي، فإنه أيقظ في الوقت نفسه أنواعاً عميقة ومتأصلة من التشدد الديني تتحدى الحريات المدنية. حزب "النهضة الإسلامي" المعتدل يقود حكومة ائتلافية، ولكنه يتعرض للضغط من السلفيين ومجموعات إسلامية أصولية أخرى من أجل دفع البلاد أكثر نحو الشريعة. وفي هذا الإطار، ينص مقترح مشروع قانون على حماية "القيم المقدسة" وتجريم بعض الأعمال الفنية "المسيئة" للدين. هذا بينما تشير مسودة الدستور إلى النساء، اللاتي يشكلن نحو 25 في المئة من الجمعية التأسيسية، ويعتبرن من بين أكثر النساء تحرراً في العالم العربي، باعتبارهن يكملن الرجال في الحياة العائلية. وتعليقاً على هذا الموضوع، يقول بيرم الكيلاني، وهو مغن شعبي تغضب كلمات أغانيه الإسلاميين وأنصار بن علي: "إن المتطرفين هنا يشبهون جماعة "الكو كلاكس كلان" العنصرية المتطرفة في أميركا"، مضيفاً "أمامنا طريقان الآن: طريق الديمقراطية الحديثة أو طريق الحكم الديني الذي يعود للعصور الوسطى". معارض فنية هوجمت وخربت، ومخرجون سينمائيون هُددوا، وعضو بارز في حزب النهضة تعرض لهجوم من قبل أحد المتطرفين في مؤتمر عقد مؤخراً تحت عنوان "التسامح في الإسلام". هذا الحماس يمثل تكراراً لأحاسيس وانفعالات السلفيين الصاعدين في مصر ودول أخرى، ولكنه يبدو أكثر تقلباً في تونس، رغم أن عدد المحافظين المتشددين أصغر بكثير. ويمكن القول إن ما يحدث هنا يمثل اختباراً آخر للحكومات الصاعدة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، حيث يمثل الصراع الذي لم يحل بين الإسلاميين الأصوليين والإسلاميين المعتدلين محورَ نقاش أكبر مع الليبراليين والعلمانيين حول تأثير الدين على الحياة العامة. وقد تأجج هذا الصراع في مجتمعات تحررت حديثاً وتشعر بصراع بين التقليدي والحداثي. وفي هذا الإطار، تقول بشرى بلحاج حميدة، المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان: "أعتقد أنه يمكن أن تكون ثمة حرب أهلية"، مضيفة "إن الإسلاميين العصريين غير متعجلين في تغيير المجتمع، ولكن السلفيين يريدون القيام بذلك في أسرع وقت ممكن. وهم يركزون على تونس نظراً لحقوقنا المدنية والنسائية المتقدمة، حيث يرغبون في الفوز هنا ليظهروا ذلك لبقية المنطقة". معظم الأفكار الأصولية الدينية مصدرها المراكز الريفية التي تنامت فيها على مر السنين مشاعر الكراهية لابن علي بينما كانت تقوم بإرسال مقاتلين إلى الجزائر والعراق وبلدان أخرى. وخوفاً من أن يشكك المحافظون المتشددون في مؤهلاته الإسلامية، لم يقم حزب "النهضة" بالكثير لوقف الميول المتطرفة. بل إن بعض العلمانيين يذهبون إلى أن حزب "النهضة" يستعمل السلفيين من أجل الدفع بأجندة أكثر تشدداً من تلك التي يدافع عنها الحزب علناً. وفي هذه الأثناء، أخذت شعبية حزب "النهضة" تتراجع وسط ارتفاع معدل البطالة، ومشاعر الاستياء بين الشباب، وإضرابات العمال، والمعارك حول الدين. هذا ومن المتوقع أن يصوت التونسيون في استفتاء على الدستور الجديد العام المقبل. وعلى الرغم من أن البلاد تعرف حيوية بالنظر إلى النقاش المفتوح، فإن هناك شعوراً بأن الثورة قد انحرفت عن مسارها الصحيح. وفي هذا الإطار، يقول مطاع الواعر، وهو يساري، إن الإسلاميين "ليسوا أقوياء بما يكفي ليشيروا إلى الشريعة في الدستور. ولكنهم إذا فازوا في الانتخابات المقبلة، سيقومون بتغيير القوانين". العاصمة تونس تعج بأفكار وشعارات الإسلاميين ونفحة كوسموبوليتانية كما لو أن شخصيات متنافسة تتصارع على المستقبل. غير أنه رغم تفككهم وتقاتلهم الداخلي، فإن الليبراليين والعلمانيين أقوياء في تونس العاصمة، مثلما تؤشر على ذلك مسيرة نظمت مؤخراً للدفاع عن حقوق النساء وعرفت مشاركة الآلاف ساروا في الشارع الرئيسي، الذي صمم على نموذج أحد شوارع باريس ويحمل آثار الحكم الاستعماري. وبعيداً عن طرق العاصمة والساحل المتوسطي، حيث تضيق الطريق السريعة وتتسع الوديان الجافة، تمتد الحقول وبساتين الزيتون على الطريق إلى سيدي بوزيد. غير أن مظاهر الفقر متفشية والشباب، مثل محمد البوعزيزي، بائع الفواكه الجائل الذي أحرق نفسه من شدة اليأس والإحباط وأطلق ثورة تونس في أواخر 2010، يعانون من الفراغ. على الشارع الذي يوجد فيه نصب البوعزيزي -تمثال لعربة فواكه- تحولت الجداريات الثورية إلى أبيات شعرية تعبر عن اليأس: "عار عليهم أن يسرقوا ثورتنا!". جنود يتولون حراسة مبنى المحكمة التي يحاكم فيه عدد من المعارضين بسبب مهاجمة مبنى حكومي. وشبان علمانيون بنظرات تائهة غير واثقين بشأن كيفية تحسين الأشياء. وفي هذا الإطار، يقول علي عبيدي، وهو مدون إلكتروني: "ليست هناك حرية للتعبير. ولا وظائف"، مضيفاً "إن الإسلاميين يقمعون البلدة، والشرطة لم تعد تستطيع السيطرة عليهم. السلفيون لا يحبون الأشياء التي أكتبها حيث قال لي أحدهم: "إن نهايتك لن تكون سعيدة". ولكننا لا نريد سوى حقوقنا". والملفت أنه كانت ثمة قناعة في الأصوات حول المسجد. وفي هذا الإطار، قال عبدالله عمري، وهو رجل قوي البنية ذو لحية كثيفة يعتمر قلنسوة، وكان يشتري نعلاً على الرصيف: "إننا مسلمون ولا نثق إلا في الله"، مضيفاً "إننا نتعامل مع الحكومة فقط من أجل بطاقات الهوية. فهي لا تأثير لها على حياتنا. إننا لا نؤمن بديمقراطية البشر لأن الله منحنا الديمقراطية في القرآن. فالله يحلل والله يحرم. وهذا كل ما في الأمر". عمري قال إنه يدير شركة لإصلاح أجهزة الاتصال ولا يوظف إلا السلفيين مثله. وتابع يقول: "لقد كنت ليبرالياً من قبل. ولم أكن أعرف ديني لأن النظام السابق جعل الإسلام يختفي. ولكنني الآن أعرف ديني. وأنا سعيد جداً بذلك. وقد نجحت مؤخراً في إقناع مسيحيين اثنين باعتناق الإسلام". ولكن خلف المسجد، في صف من المتاجر، كانت مشاعر الغضب تسيطر على أصيف عيساوني: أربعة أطفال، وإيجار مرتفع، ونقص الماء، وتجارة بائرة، وحكومة متعثرة. ويقول إن الثورة التي خرجت من هذه الشوارع قد تخلت عنه. كما أن أخطاراً جديدة، كانت بعيدة في السابق، صارت أقرب اليوم. وفي هذا الصدد، يقول "عيسواني"، الذي يملك متجراً لإكسسوارات الهواتف: "كان شاب سلفي ملتح يجلس أمام متجري. فطلبتُ منه أن يرحل لأن الكثير من زبائني فتيات وقد يخفن منه. فعاد مع أصدقائه وانهالوا علي بالضرب. ونتيجة لذلك، أدخلت إلى المستشفى لأسبوعين". جيفري فليشمان سيدي بوزيد، تونس ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©