الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

التحفظ الائتماني يهدد بانكماش المصارف المصرية

التحفظ الائتماني يهدد بانكماش المصارف المصرية
23 يناير 2011 20:45
جاءت التعليمات والاجراءات الجديدة التي أصدرها البنك المركزي المصري للبنوك العاملة بالسوق المصرية لتمثل مرحلة جديدة من السياسات الائتمانية المتحفظة. وتضمنت نوعاً من المراجعة الشاملة لأسس منح الائتمان في مصر لاسيما على صعيد القروض الكبيرة والمشتركة التي توفرها تحالفات مصرفية من عدة بنوك وصارت السمة الرئيسية للسوق في السنوات الأخيرة. وركزت تعليمات واجراءات المركزي على آليات ادارة وتغطية وضمان هذه القروض المشتركة خصوصا وأن حصة القروض المشتركة من اجمالي الائتمان تزايدت في السنوات الثلاث الماضية لتشكل 45 بالمئة من الائتمان الممنوح لقطاع الشركات “الكوربريت”. وتضمنت التعليمات ضرورة موافاة كل بنك للبنك المركزي بالبيانات الخاصة بالقروض المشتركة وحجم كل قرض والنسبة التي يشترك بها البنك في اجمالي القرض والمبالغ التي تم صرفها كشرائح من القرض حتى الآن والوضع الائتماني للشركة الحاصلة على القرض والشركات المرتبطة بها ـ اذا كانت الشركة قابضة أو تابعة أو شقيقة لشركات أخرى تعود ملكيتها لنفس الجهات والأشخاص ـ ودراسات الجدوى التي استند اليها قرار منح الائتمان والضمانات المقدمة للحصول على القرض. وتضمنت التعليمات اجراءات جديدة لمتابعة العملاء ومراحل تنفيذ المشروعات الممولة من هذه القروض والاجتماعات الدورية مع ممثلي البنوك الأخرى المشاركة في التمويل لمتابعة تنفيذ المشروع وغيرها من الاجراءات الخاصة بالتأكد من استخدام التمويل في نفس الاغراض الممنوح من أجلها. وتأتي هذه الاجراءات الجديدة التي تتسم، كما يرى خبراء مصرفيون، بالتشدد بهدف ضبط أوضاع سوق الائتمان والاحتراز من موجة تعثر جديدة في القطاع المصرفي قد تحدث نتيجة تساهل البنوك في منح الائتمان تحت وطأة سيولة مالية متزايدة، تكاد تقترب من التريليون جنيه وفقا للاحصاءات الأخيرة عن ديسمبر الماضي. وهذه التعليمات تهدف من جانب البنك المركزي والسلطة الرقابية النقدية لتأكيد القواعد السليمة لمنح الائتمان بينما يرى البنك المركزي أن هذه الضوابط والاجراءات تأتي في اطار الاعداد التدريجي للقطاع المصرفي المصري لتطبيق مقررات “بازل 3” خلال السنوات المقبلة، لاسيما وأن هذه المقررات تتسم بالتشدد الكبير والتحفظ في قواعد منح الائتمان الى جانب تطبيق حازم لقواعد الحوكمة والافصاح والشفافية وزيادة رأسمال البنك الواحد الى مليار جنيه كحد أدنى بما يعني تقوية ودعم القاعدة الرأسمالية لكل بنك مما يمنحه قدرة متزايدة على تحمل المخاطر والمنافسة في السوقين المحلية والاقليمية. ويقول متعاملون بالسوق إن هذه الموجة الجديدة من الاجراءات الاحترازية والمتحفظة تهدد بموجة من الانكماش الائتماني مما يؤثر سلباً على معدلات تنفيذ المشاريع الجديدة وينعكس على معدل النمو الاقتصادي المستهدف خلال هذا العام والذي يدور حول 6 بالمئة. ويشير المتعاملون إلى أن تمويل الشركات يلعب دوراً مهماً في تحريك عجلة النشاط الاقتصادي بصفة عامة عكس التمويل المصرفي الذي تمنحه البنوك للأفراد والذي يقتصر دوره على تنشيط دورة الاستهلاك في الأسواق كهدف قصير الأجل ولا يؤثر كثيراً في معدل النمو. ويؤكد المتعاملون ضرورة منح مساحة كافية للتحرك خصوصا لبنوك الاستثمار وفروع البنوك الأجنبية العاملة في السوق لتنشيط الائتمان على خلفية دراسة جيدة لأوضاع السوق والقطاعات الاقتصادية المختلفة واوضاع الشركات الراغبة في الحصول على التمويل. أما خبراء القطاع المصرفي فيؤكدون أنه حال حدوث موجة انكماش ائتماني سوف تزداد معاناة البنوك من وطأة سيولة ضاغطة على سياسات التوظيف بها، لاسيما بعد تضاؤل الفرص الاستثمارية أمام الأفراد الذين لا يجدون ملاذا أمنا لمدخراتهم سوى في الأوعية المصرفية رغم التدني الكبير في عوائد هذه الأوعية. وحسب معلومات حصلت عليها “الاتحاد”، فإن التعليمات والاجراءات الجديدة بدأ سريانها في معظم البنوك منذ أيام رغم أن عدداً من قيادات البنوك المصرية يؤكدون عدم حدوث تاثير كبير على معدلات منح الائتمان، حيث لاتزال عملية منح الائتمان تسير بمعدلاتها الطبيعية وأن الشرائح المستحقة من القروض المشتركة يتم صرفها خاصة وأن الفترة الماضية شهدت توقيع العديد من هذه القروض ذات الحجم الكبير، منها قرض حصلت عليه شركة “اتصالات مصر” بمبلغ 7,2 مليار جنيه وقرض حصلت عليه الهيئة العامة للبترول بنحو ملياري دولار، وبالتالي فإن سوق الائتمان منتعشة بفضل هذه الصفقات الكبيرة وأن الفترة الحالية ـ خاصة وأنها تمثل بداية عام مالي جديد لموازنات معظم البنوك ـ تمثل فترة هدوء نسبي على جبهة القروض المشتركة حيث تعكف البنوك حالياً على دراسة طلبات القروض المشتركة الجديدة لعدد كبير من الشركات خاصة العاملة في قطاع الصناعات التحويلية وقطاع الخدمات تمهيدا لاتخاذ القرار المناسب بشأنها وفي حالة استيفاء شروط التمويل سوف تحصل عليه عبر آلية القروض المشتركة التي توفر مزايا نسبية عديدة للبنوك الممولة منها توزيع المخاطر وتفادي عملية التركز الائتماني واستنفاذ الحد الأقصى للعميل الواحد حيث تنص القواعد على عدم منح أكثر من 10 بالمئة من القاعدة الرأسمالية لأي بنك للعميل الواحد سواء كان شركة مستقلة أو شركة مرتبطة بشركات أخرى عاملة في السوق الأمر الذي كان يمثل عائقا أمام العديد من الشركات الكبرى للحصول على الائتمان في الفترة الماضية وتم التغلب على هذه العقبة عبر آلية التمويل المشترك. وحسب بيانات حديثة صادرة عن البنك المركزي المصري فقد ارتفعت أرصدة التسهيلات الائتمانية الممنوحة من البنوك بمقدار 36,6 مليار جنيه خلال السنة المالية 2009 ـ 2010 حيث استأثر قطاع الأعمال الخاص بما نسبته 67,3% من اجمالي أرصدة التسهيلات الائتمانية غير الحكومية في نهاية يونيه 2010. ويشير التوزيع النسبي لأرصدة التسهيلات الائتمانية غير الحكومية وفقا لقطاعات النشاط الاقتصادي الى حصول قطاع الصناعة على 33,2% من تلك الأرصدة يليه قطاع الخدمات 24% ثم التجارة 15,6% والزراعة 1,5% والقطاعات غير الموزعة والتي تشمل القطاع العائلي 25,7%. وتؤكد هذه الأرقام تنامي الطلب على التمويل بخاصة من جانب شركات القطاع الصناعي في الأشهر الأخيرة وذلك بفضل جاذبية هذا القطاع أمام المستثمرين وعمليات التوسع التي شهدتها العديد من الصناعات سواء بهدف التصدير للخارج أو سد الاحتياجات المتزايدة في السوق المحلية. وتشير مصادر مصرفية إلى أن القطاع الصناعي في مصر لايزال يلعب دور المحرك الرئيسي لنمو النشاط الاقتصادي، وإلى أن هذا الوضع سوف يستمر خلال 2011، الأمر الذي يعني استمرار الطلب على التمويل سواء بشكل مباشر أو عبر آلية القروض المشتركة وهو الأمر الذي يتعين على البنوك الاستجابة له وأن أقل التقديرات تشير إلى وجود طلبات ائتمان حالياً داخل القطاع المصرفي بأكثر من 50 مليار جنيه يخص 65% منها القطاع الصناعي. ويؤكد خالد الجبالي، العضو المنتدب لبنك باركليز مصر، استمرار عمليات التمويل بكافة الأنشطة الاقتصادية في مصر حيث إن هذا التمويل ـ خاصة للشركات الصناعية الكبرى ـ يسهم في صنع ما يعرف بالقيمة المضافة في الاقتصاد القومي، لأن ازدهار القطاع الصناعي يعني زيادة معدل الصادرات وتعزيز تنافسية الاقتصاد الكلي وتوليد فرص عمل ومزيداً من الربحية للبنوك التي تستطيع الوصول إلى التوظيف الأمثل لأموالها. وقال الجبالي إن دور البنوك هو منح الائتمان ولا يمكن للبنوك أن تتخلى عن هذا الدور خاصة في ظل توفر سيولة كبيرة لديها ولايمكن الرهان على قطاع التجزئة المصرفية وحده أو القروض الشخصية للأفراد لأن القروض الشخصية وعمليات التجزئة لن تستطيع استيعاب أكثر من 15 بالمئة من الأموال المتاحة للتوظيف بالبنوك. ويرى رائد علام، الخبير المصرفي ورئيس احدى الشركات المتخصصة في دراسات التمويل، أنه لا مخاوف من حدوث انكماش ائتماني في السوق المصرية في الفترة المقبلة بسبب أي اجراءات تتخذها السلطات النقدية، لأن البنك المركزي لا يريد وقف الائتمان أو تحجيمه لأنه عصب النشاط الاقتصادي بالبلاد ولكن ما يجري هو بمثابة عملية مراجعة شاملة كاجراء احترازي ومثل هذه الاجراءات الاحترازية هي التي حمت الاقتصاد المصري من الوقوع في براثن الأزمة المالية العالمية لأن هذه الأزمة بدأت من القطاع المالي وكان القطاع المصرفي عند اندلاع الأزمة متماسكا ولم يتأثر كثيراً وهذه الاجراءات الاحترازية مطلوبة من حين لأخر لتأمين المخاطر بالبنوك وتأكيد قواعد سلامة القرار الائتماني وعدم الانسياق وراء منافسة محمومة قد تؤدي إلى مشكلات في المستقبل والأمر الأكثر أهمية هو تأهيل البنوك المصرية للتعامل مع القواعد الجديدة لمقررات بازل العالمية وهي قواعد متشددة هدفها حماية النظام المالي العالمي واقتصاديات جميع الدول.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©