السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

انتظار···

4 مارس 2009 23:17
تقلب الشاي الممزوج بالحليب ولا تدري كم ملعقة من السكر أغرقت في كوبها المسجون بين يديها، ترمي بكيس الشاي على الصحن الصغير فهي لاتحب الشاي المر·· ألا تكفيها مرارة حياتها؟ تمسك بطرف عباءتها حتى لا تحبو بعيداً عنها وتتسبب في سقوط أحد زوار هذا المكان، تضع نظارتها الشمسية على رأسها وترنو بعيداً لعلها تراه ولعله يعود اليها· تتلمس الخال على وجنتها، أخبرها أبوها عندما سألته عن سر وجودها بأن خالها قبلها في هذا المكان· الطائرة على وشك الهبوط وقلبها يصعد بدقاته ولا يهبط أبداً· حالة من الخوف والتوتر تسكنها: هل سيكون في الطائرة، هل سيعود؟ هل ما زال يذكرني؟ اتجهت الى مكان دخول القادمين·· الصالة كبيرة وبدأت تعج بالواصلين الى البلاد، يدخل الواحد تلو الأخر وما بين العناق والتلويح بالأيادي تترقب قدومه· انتظرت كثيرا··· وما زال الأمل برؤيته لا يفارقها··· تمضي الساعات، ولا يأتي، يصل كل المسافرين إلا هو، وتنتحر الورود بين يديها··· أرادت أن تفاجئه ولكنه خذلها·· سمعت من عمتها بأنه آت اليوم· ماذا حدث؟ لماذا لم يصل؟ هل ألغى الرحلة الى الإمارات قادما من البحرين أم أنه، لا، لايمكن أن يكون قد مر من أمامها ولم تره؟ صحيح بأننا كنا معاً منذ 15 سنة ولكن هذا لايعني بأني قد نسيت تفاصيل وجهه، كل ليلة تبات صورته تحت وسادتي وتلازم محفظتي· إلا أنت·· إلا أنت يا والدي الغالي، أنسى كل الوجوه إلا وجهك، وأتجاهل كل الصور إلا صورتك· أخرجت هاتفها واتصلت بعمتها وسألتها عن سبب تأخره· قالت العمة: لقد أجل رحلته الى الإمارات في آخر لحظة· وأنا ماذا أفعل··· كيف أعود الى البيت محملة بهزيمتي وخيبة الأمل هذه كيف سأعرف طريقي وعيوني تغرق بالدموع الثائرة· أحلامي تموت أمامي كما ماتت الزهور من قبل· والدي لا يرحمني· عدتُ الى منزلي محبطة حزينة، تسألني والدتي عنه فلا أجيب وأرمي بالعباءة والحقيبة بعيداً وأسقط على سرير أنتحب أبكي قدر لهفتي على والدي قدر السنين التي حرمت فيها منه قدر عذابي وأنا أعيش بعيدة عنه· لا أدري كم ساعة نمت ولا كم من الوقت بكيت، ولكن أمي تصر على إيقاظي وتناول العشاء معها: ـ قلت لك بأنه لن يعود، تجارته وحياته أهم مني ومنك، خذلني مرة وخذلك مرات ومرات منذ تزوجته وهو ليس لي وقلبه ليس ملكي، وجد ضالته هناك تجارة ومالا وربما زوجة وأولاد، أنسيه، اعتبريه قد مات· أرفع رأسي: كيف أعتبره ميتا وهو حي، كيف وقلبه ينبض قرب قلبي وأحمل اسمه ونفس فصيلة دمه، سأصبر وأصبر حتى يعود ولن أجعل اليأس يحتويني· احتضنت، أمي، غترته وعقاله وبكت كأنها تعوض سنوات طويلة وهي تكلم هذه الغترة، تبخرها وتعطرها·· وتحلم·· بعد أيام، وبينما كانت تستعد للذهاب الى الكلية سمعت جرس الباب، ففتحته وكان هو··· عرفته··· احتارت هل تضمه هل تعاتبه هل تدعوه للدخول واختارت أن تضمه بقوة وتعيش ثواني بين أحضانه حتى تغفر له خطاياه في حقها وحق أمها أحتضنته حتى تجبره على حبها والتعلق بها تمنت أن تقف عقارب الساعة ولا تغيب الشمس وأن تغلق مطارات العالم ويحرم السفر· ـ أبي، كم أحتاجك·· ـ ياصغيرتي الجميلة، سامحيني وأعدك بأنه لا رحيل بعد اليوم·· ü العين، الإمارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©