الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحال واحد

4 مارس 2009 23:17
حطت الطائرة، تلفت طويلا، لم أعثر على ما كنت أبحث عنه، صديق العمر الذي يعيش الغربة هنا كما أعيشها أنا هناك، أحسست بالضياع، كل شيء من حولي كان يحرقني، مؤلم أن تشعر بالغربة وأنت في بيتك! رأيت جسدا ممددا غرزت في ظهره سهام كثيرة، هالني منظرها فلم اهتم بعدّها، مشيت، وأحسب أنني مازلت واقفا، تشابهت الأماكن، فقدت القدرة على التمييز، تدحرج الدمع على وجنتيها، فتعانق بدمع قلبي، التقت النظرات بينما تعثرت فتبعثرت الذكريات حين عادت الى الوراء ليس الحاضر بأجمل من الماضي، من هنالك رحلت ذكريات الصبا بعد أن حل بالأرض الخراب، وهناك تهدم كل شيء كأننا لم نرتع ولم نلعب يوما، أما هنا على هذه البقعة الحميمة من أرض الرافدين تعلمنا الحب·· عشناه·· منحناه كل شيء كنا نملكه ليطول بقاؤه فيها! ابني الحبيب يفتش بين أكوام دارسة عن رفاق الحي! عن ضحكات الصحبة! عن أحلام وآمال عاشوها معا! عن حكايات الجدات، عن صوت الكرة وهي ترتطم بجدارٍ قبروه هناك··· تبخرت ألوان الطيف، غاب الجمال، اسودت السماء، واسود المطر فاسودت القلوب! تضع طرف أصبعها السبابة فوق شفتها السفلى، تحملق، تهز رأسها بطريقة تشي بالاستنكار، ثم تخرج من جيبها ورقة، وتصرخ ببراءة قاطعة علينا ما نحن فيه من صمت وذهول: لقد رسمت لي العلم بشكل خطأ يا أبي! نظرت اليه لم أتبين ألوانه، سواد يلف السماء، يطوق كل شيء، الأرض عطشى تجهم وجهها ضاقت بأرواح تعفنت أجسادها، الشمس لا تطل إلا لكي تحرق ما تبقى من سنوات العمر، رأيت الطفولة تنتحب على قارعة الطريق! زهرة الشباب فقدت رونقها! تفترشها العذابات والحمى يتناقل أصحابها أدوية الموت بينهم! يتجرعونها بلا رحمة! ينامون من الثقل في أي زاوية من الضياع·· لمحته من بعيد لم يخالط قلبي شك بأنه هو، ظهر قوسته النوائب، عينان نافذتان تحكيان مشاهد الماضي والحاضر بحلوهما ومرهما، من أرض مهبط الأديان السماوية خرج الجسد رغما عنه، لتبقى الروح معلقة على أسوار الأقصى الحبيب، وهنا بين أحضان هذا البلد شاءت إرادة الخالق أن يولد حبه وعشقه الجديد· بابل الخضراء لك يا حبيبة في عروقي مسكن····· تعانقنا إن القلوب الطيبة لا تعرف طعم النسيان· أخبرني عن كل شيء كيف مضى السابقون، وكيف حل اللاحقون، سنوات تناثرت وتبعثرت ككومة من ورق وسط ريح هائجة، ومعها ضاعت سنوات وسنوات من عمر الانسان· ينعقد اللسان، يعجز كل شيء عن الوصف، الحياة هنا تماما كالحياة هناك، هذا ما قاله ابني الذي لم يفق من صدمته بعد· النهاية لا تأتي والدم لا يزعج الشوارع فقد ألفته لاشيء يروى فليس ثمة شيء جديد· توقف برهة ليلتقط أنفاسه ولكن رأسه مال جانبا رمى بيديه الى جنبيه رفع سبابته حملق الى السماء بعينين زائغتين فاضت منهما الدموع طلقة واحدة أنهت كل شيء الى الابد توقف كل شيء· ربما سمعوه وهو يسرد الحقائق المرة·· من يمتلك السلاح لا يعني أنه لايهاب أحدا· اعتصر قلبي من الألم، مسكين كان يحسب أنه سيجد الأمان هنا، سيكون بمعزل عن منظر الدم المخيف، كم مرة نجا من الموت هناك ولكن ربما كان الرصاص هنا أكثر تطايرا، ساقه القدر الى أرض لاقت مصيرا كمصير بلده، تشابهت الأحوال والأقدار إن لم تمت هناك فستموت هنا تختلف الأسماء فقط بينما الحال واحد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©