الميت الفرعوني

تسطو الصورة على الواقع بكل ما له من سطوة وحضور، ذلك ببساطة لأنها تُثَبِّت جزءا منه، ويضيع الأغلب مما تم معايشته· قبل أن نتعرض للصورة باعتبارها شيئاً مرئياً، يتحقق في الفوتوغراف أو في السينما وما يشابه، فإن الصورة جزء من عمل الذاكرة والتخيل، التذكر والإستعادة، اللجوء والحماية إذا لزم الأمر إلى جرعة من الحنان، أو لزم واحتجنا إلى اجتياح أحد الأعداء من خلال ذكرى سيئة له، إنها - الصورة - مخزن لغوي غير منطوق على لسان، وعندما يمر زمن عليها ونعود لفرزها أو مشاهدتها، ما أسهل أن نقول: كأنها لقطة في فيلم· هنا علاقة الثابت بالمتحرك، فرائي الصورة الفوتوغرافية يتعامل مع الموت، مع المنتهي، مع الرغبة في إحياء الحركة، فيلجأ ببساطة إلى السينما، مشيراً إلى مشابهتها بالواقع الحقيقي المعاش· يحدث ذلك على الأغلب مع فترة ''الأبيض والأسود''، ليس فقط للجمال الاختلافي الواضح والساحر له، بل للمفارقات الواضحة والتي تبدو جذرية بين ''زمن الملوَّن'' و''زمن الأبيض والأسود''، إن مائة عام على الأكثر هي ما يفصل بين كل هذه المتغيرات التي يصح لنا رغم قصر المدة الزمنية، أن نطلق عليها فوارق بين حضارتين، أو واديين كما فرعونياً، وادي الحياة ووادي الموت، إذ تأخذ الحياة فكرتها من الفيلم السينمائي، والموت فكرته من الفوتوغراف، الذي يشبه بدوره الأدوات التي تجهز وتترك مع الميت ليستيقظ بعد دفنه مطمئناً لاستكمال مسيرة حياته، المكملة لخلوده· لا يشكل سحر الصورة الثابتة إلا شهادة عنف ضد الوجود، ويبقى سحراً غامضاَ كشواهد القبور، لكنه من الناحية العملية والأكثر التصاقاً بالتسليم بالقدر وقانونه المُحْكَم، والذي ليس لنا ناقة ولا جمل فيه، فإن الصورة هنا تتماهى مع الطبيعة بكل نضارتها المؤثرة والفاعلة في النَفْس، فالوقوف أمام بحر أو جبل أو سهل أخضر شاسع أو صحراء ممتدة، يأخذ الألباب من تلافيفها، حتى يكاد المرء يدمع، أو يتمرمغ في فرح صارخ، وهذا ما يوسع عليه صدره، ويخفف من تدابير سريرته الضيقة، وكأنها لسان حال ''الميت الفرعوني'' الذي إذا استيقظ من موتته، وجد أحشاءه وأشياءه بجانبه، ليبدأ حياة أخرى، هي حياة الحنين إلى الماضي، حنين الصورة غير الملونة، مردداً: أنا من فتح خزانات المياه لغسل وهن القلب وحفظت الأسرار في العالم السفلي أخرج وأدخل كشعلة نار وأتلو من كتاب الروح· eachpattern@hotmail.com