الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«راتب الزوجة» منحة مغلفة بقلق الأزواج على «القوامة»

«راتب الزوجة» منحة مغلفة بقلق الأزواج على «القوامة»
2 سبتمبر 2012
حصول الزوجة على راتب من عملها، أعطاها ميزة في مسار العلاقات داخل بيت الزوجية في العصر الحديث، حيث صار هذه الراتب بشكل أو بآخر من الموارد المادية التي يستند إليها الزوجان في تصريف أمور حياتهما والتخطيط لمستقبلهما. غير أن هذا الراتب قد يحمل معه تداعيات سلبية أو إيجابية على استقرار الأسرة، بحيث يكون وسيلة بناء وإعداد لمستقبل آمن للأسرة، أو يكون معول هدم في بنيان الأسرة إذا ما أساء أحد الزوجين التعامل مع هذا الراتب كأن يقوم الزوج بتحميل الزوجة ما لا تطيق، أو تقوم الأخيرة بمعاملة الرجل بندية استناداً إلى كونها مساهما رئيسا في تصريف الشؤون المالية للمنزل. أحمد السعداوي (أبوظبي) - حدد ديننا الحنيف حدود العلاقة المادية بين الزوجين، بأن أعطى الرجل حق القوامة مستمداً من قيامه بالإنفاق على بيته طبقاً لما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى«الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم» النساء 34، أي أن مسؤولية البيت المادية تقع بشكل كامل على الزوج، في الوقت الذي أعطى الإسلام للمرأة ذمة مالية مستقلة عن زوجها. حق القوامة ولا يتعارض مع حق القوامة مساهمة المرأة أحياناً في نفقات البيت ومساعدة زوجها من خلال راتبها على مواجهة أعباء الحياة التي تتزايد يوماً بعد يوم، غير أن هذه القضية تحمل عديدا من الملابسات كون أحد طرفي العلاقة الزوجية قد لا يحسن التعامل معها ما يحمل معه نذر الخطر على الاستقرار الأسري، وفي أحيان أخرى يصبح هذا الراتب ركنا حصيان تستند إليه الأسرة والزوج في أوقات الأزمات والظروف الطارئة، حيث تقول إيناس هارون 33 سنة، وهي أم لطفلين وتعمل اختصاصية في إحدى المعامل الطبية إن العلاقة بينها وبين زوجها أكبر بكثير من أن تؤثر فيها الأمور المادية ولم تتأثر يوماً ما بأي نوع من هذه الخلافات، ويرجع ذلك إلى أن زوجها يعرف جيداً أنه المسؤول الأول والأخير عن كافة مصاريف البيت، بما فيها الإيجار والمصروفات الدراسية للأولاد، وفي بعض الأحيان يأخذ منها أموالاً على سبيل القرض ويقوم بإرجاعها إليها مرة أخرى حالما تتيسر ظروفه. وتوضح هارون أن هذا السلوك من الزوج يدفعها لاحترامه وبأنه كبير في عينيها، ولذلك تحرص هي الأخرى على المال الذي تكتسبه من العمل وتقوم بشراء أشياء مفيدة تنفع الأولاد والأسرة في المستقبل ولا تنفقها في أمور غير ضرورية، حيث تمكنت بمساعدة زوجها من دفع مقدم لشقة كبيرة في بلدها الأصلي (مصر)، وتقوم بدفع قسطها الشهري من المرتب، وتدخر الباقي لينفعهم مستقبلاً ولا تأخذ من الراتب سوى مبلغ بسيطة لشراء بعض الهدايا لأفراد أسرتها في المناسبات المختلفة. ولذلك تؤكد هارون أن عملها بهذا الشكل أضاف للأسرة وأصبح راتبها سنداً للزوج يلجأ إليه عند الحاجة بدلاً من الاقتـراض من زملائـه، وهذا يشعرها بأنها تقوم بدور مهم مع زوجها وأولادها، يضاف إلى الأدوار العادية التي تقوم به داخل جدران المنزل من متابعة كافة شؤونه والتوجيه التربوي والسلوكي للأبناء. الرحمة والود في السياق ذاته يؤكد هاشم المرزوقي 29 سنة وهو متزوج ولديه طفل واحد، أن العلاقة الطبيعية بين الزوجين لا تتأثر بالخلافات المادية إذا كان الزوجان يتعاملان برحمة وود، حتى لو كانت الزوجة تعمل ولها مرتب كبير، كون الأصل في سلوك الزوجة هو منبتها الطيب والأخلاق الجيدة التي تربت عليها في بيت عائلتها، ولذلك فإن قيام الزوجة بمساعدة زوجها مادياً إذا كانت ظروفه المادية تتطلب ذلك، يصب في مصلحة الأسرة على أن لا يمنحها ذلك أي شعور بأنها ند للزوج وأن كلمتها في البيت صارت مساوية له، ولكن لو أن الزوج اعتمد بشكل رئيس ودائم على راتب الزوجة قد يحدث شرخ في العلاقة الزوجية يوسع الفجوة بينهما باستمرار مع طول فترة الاعتماد على راتب الزوجة، وعن نفسه يقول المرزوقي إن راتب زوجته بالكامل لها ولا يكاد يعرف عنه أي شئ لأنه يثق في رجاحة عقلها وبأنها لا تضع درهماً في غير موضعه الصحيح مع إدراكه أن النساء يحببن التسوق والشراء، ولذلك فهو يعرف بأنها تشتري أشياء وهدايا عادية سواء لنفسها أو للأولاد. ويلفت المرزوقي إلى أنه بالرغم من عدم احتياجه لراتب زوجته وبالتالي إلى عملها، فإنه يرفض أن تجلس وتتفرغ للمنزل تماماً بعد سنوات التعليم التي قطعتها في الجامعة، ويسرت لها الحصول على وظيفة مرموقة الآن، مؤكداً أنه يرى راتب زوجته سندا رئيسيا للأسرة قد تحتاج إليه في وقت ما، ولا يعتبر سبباً لأي مشكلات بينهما، بل هناك احترام وحب متبادل بينهما. مسببات المشاكل على الجانب الآخر يرى حسن نعمة 38 سنة وهو متزوج وله أربعة أبناء في مراحل التعليم المختلفة أن راتب الزوجة في هذه الأيام يعتبر من أكثر مسببات المشاكل الكبيرة التي تعصف بالحياة الزوجية ويؤدي إلى الانفصال، كون الراتب يجعل الزوجة تشعر بشئ من الاستقلالية وبأنها تستطيع مواجهة الحياة وحدها اعتماداً على ما تتقاضاه وعلاقاتها الاجتماعية التي اكتسبتها من خلال العمل، وهو اعتقاد خاطئ ووهم كبير تقع فيه كثير من النساء، ولا يفقن منه إلا بعد حدوث الكارثة وتنفصل عن زوجها. ويؤكد نعمة على وجهة نظره بارتفاع نسب حالات الطلاق كثيراً هذه الأيام خصوصاً بين النساء العاملات وخريجات الجامعة، بينما كانت الأجيال القديمة تعتبر كلمة الطلاق في حد ذاتها حدثاً جللاً ولا يتردد داخل جدران أي بيت، بينما الآن ومع تزايد توترات الحياة والأعباء الوظيفية على كل من الزوجين، أصبح كثير من النساء لا يتحملن أقل قدر من الضغوط والمشاكل فيلجأن إلى طلب الطلاق ظناً بأن هذه هو المهرب الآمن لحياة سعيدة وخالية من المشاكل، بينما الواقع يقول إنها بداية لمشاكل من نوع أصعب من تلك التي كانت تعانيها خلال الحياة الزوجية، وكل ذلك ما كان ليحدث إلا بسبب اعتمادها على راتبها وبأنها تستطيع أن تفعل الكثير بهذا الراتب. هموم مكتومة في ذات الجانب تؤكد ميساء حبوني 26 سنة أن راتب الزوجة في أكثر الحالات مجلبة لشقاء كل من الزوجين، إذا اعتمد الرجل بشكل أساسي على مرتب زوجته أو أن يضغط عليها ولو بشكل غير مباشر للعمل من أجل مساعدته في دفع تكاليف السكن ودراسة الأولاد وغيرها من المتطلبات الحياتية، لأن ذلك سيجعل الزوجة تشعر دائماً بأنها محملة بأعباء وهموم أكبر من طاقتها، وأحياناً قد تشعر بأن زوجها يستفيد من عملها ومن أموالها بشكل مبالغ فيه، وتلفت حبوني إلى أن بعضا من صديقاتها المتزوجات والعاملات في نفس الوقت يشعرن بتلك الهموم، ولكن لا يبحن بها حتى تستمر مسيرة الحياة وينجحن في تربية أبنائهن، غير أن هذا الضغط أحياناً قد يولد انفجاراً يؤثر على كيان الأسرة بالكامل، كأن تطلب الزوجة الطلاق، أو أن تشعر بأن العلاقة بينها وبين زوجها صارت تكاملا ماديا أكثر منها تكاملا روحيا ومعنويا. تخطيط مشترك يقول الأستاذ الدكتور أحمد العموش عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة الشارقة، إن راتب الزوجة ودخلها إذا تم توجيهه واستثماره فيما يفيد سواء في الإسهام في تربية الأبناء أو التخطيط المشترك مع الزوج لمستقبل العائلة يكون عنصر قوة واستمرارا للكيان الأسري، ولكن إذا دفع راتب المرأة وعملها إلى الانشغال بأمور أخرى خارج حدود العائلة كأن تقضي أوقاتاً طويلة خارج البيت أو إنفاق أموالها في وسائل ومستلزمات خاصة بالرفاهية لا تحتاجها الأسرة، هنا تبدأ بذور الخلاف بين الزوجين تجد لنفسها مكاناً لتنمو في حديقة الأسرة، وبالتالي تصبح هناك شجرة مشكلات كبيرة تلقي بظلالها على كافة العلاقات الأسرية. عنصر حماية ويرى العموش أن الراتب بشكل أو بآخر يمثل عنصر حماية للزوجة ومن حولها، كما أن عمل الزوجة وحصولها على راتب منتظم يزيد من ثقتها بنفسها، لشعورها بأن لها كيانها الاجتماعي وتسهم في تنمية المجتمع الذي تعيش فيه، وهو ما ينعكس إيجاباً على علاقتها بأبنائها وأساليبها التربوية المتبعة معهم، ويحمل هذا الأثر أبعاداً نفسية واجتماعية واقتصادية. وحول أسس العلاقة المادية الناجحة بين الزوجين، يورد العموش بأن التفاهم بينهما يأتي في مقدمة هذه الأسس، وينبغي أن يتعاملا بوصفهما شريكين في رحلة الحياة، وأن لا يعتمد الزوجة بشكل رئيس على راتب زوجته. وأيضاً إذا سمح لها بالعمل لا ينبغي أن يكون ذلك شريطة أن تساهم معه في نفقات البيت، كون هذا خطأ كبيرا يقع فيه الكثيرون ويسببون لأنفسهم وحياتهم الأسرية مشاكل كثيرة، نتيجة عدم تفهمهم لأبعاد العلاقة المادية بين الزوجين والتي ينبغي أن تقوم على التفاهم والحب وليس الشرطية وتقديم أشياء مقابل أشياء «كأن يوافق الزوج على عمل زوجته مقابل مساهمتها في مصروفات البيت». إضاءة أوضح الدكتور أحمد العموش عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية أن راتب الزوجة وعملها يحملان العديد من الفوائد الاجتماعية للزوجة والأسرة، وتشير الدراسات إلى أن الزوجة العاملة تتميز بأنها أكثر تنظيماً من المرأة غير العاملة، لأن الوقت عندها مقدر وثمين، كما أن دخل المرأة يعطي الأسرة نوعا من الاستقرار وقدرة الإنفاق على التعليم والصحة وغيرها من الأساسيات التي تحتاجها أي أسرة، وفي حال حدوث أي أزمة طارئة تكون الزوجة قادرة على الإنفاق على نفسها وأسرتها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©