الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسلام الفرنسي... وصراع الذاكرة

2 سبتمبر 2012
لا شك أن فرنسا اليوم دولة متعددة الثقافات، وأنها تكافح أحياناً لكي تتعامل مع تنوّعها. ويلعب التاريخ وإرثه حتى اليوم دوراً رئيسياً في تشكيل المجتمع الفرنسي المعاصر، ويؤثر التاريخ عموماً على الأسلوب الذي تتفاعل به المجتمعات المختلفة مع ذاكرتها وماضيها، وكذلك على كيفية تفاعل الدول مع سكانها من الأديان المختلفة، وأبناء الأقليات، كما هو حال المسلمين في فرنسا. ولدى فرنسا وشمال أفريقيا، وخاصة الجزائر، تواريخ متداخلة بشكل عميق، وذكريات متنازع على ما جرى فيها أحياناً، يجب التعامل معها حتى يتسنى تشجيع ترسيخ علاقات أفضل بين فرنسا والجاليات الشمال أفريقية،وبين الدولة الفرنسية والأقلية المسلمة فيها، بشكل عام. وقد شكّلت العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين جزءاً من القصة الفرنسية الكبيرة منذ القرن التاسع عشر على الأقل، عندما أصبحت فرنسا قوة استعمارية في شمال أفريقيا المسلم. واستمرت هذه القصة بعد ذلك داخل حدود فرنسا نفسها مع هجرة موجات متعاقبة من العمال والطلبة من المستعمرات السابقة، وخاصة من الجزائر والمغرب وتونس. والعديد من أبناء وأحفاد المهاجرين أصبحوا اليوم مواطنين فرنسيين، وهم مسلمون بشكل واسع أيضاً. وحتى يتسنى تشجيع حوار أفضل بين الفرنسيين المسلمين وغير المسلمين، من المهم معرفة حقائق تاريخية معينة. وعلى سبيل المثال، فقد تم تجنيد عدد كبير من الجنود المسلمين من شمال أفريقيا في الجيش الفرنسي أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية، وقد قتل العديد منهم في خنادق معارك هاتين الحربين. وتم بناء مسجد باريس الكبير، في الواقع، عام 1926 تكريماً لهؤلاء المسلمين الذين حاربوا مع فرنسا في الحرب العالمية الأولى. كما شكل المسجد أيضاً أول اعتراف رمزي ورسمي بوجود الإسلام على الأرض الفرنسية. وقد أصبحت فرنسا منذ ذلك التاريخ، وخاصة بعد نهاية الحرب الجزائرية عام 1962، التي شكلت نهاية حقبة الاستعمار الفرنسي، تتفاعل مع الأقلية المسلمة بشكل رئيسي من خلال مؤسسات الدولة. وفي عام 2003 أوجدت حكومة الرئيس الفرنسي السابق نيكولاس ساركوزي المجلس الإسلامي في فرنسا، الذي يهدف إلى جمع الفروع الرئيسية للإسلام ومختلف المنظمات الإسلامية، بما فيها مسجد باريس الكبير، ولها جميعاً روابط قوية مع الجزائر وتونس والمغرب. ويمكن لإعادة دراسة تاريخ فرنسا الاستعماري فيما يتعلق بهذه الدول أن يساعد على تشجيع علاقات أفضل اليوم بين جاليات شمال أفريقيا في فرنسا وبينها وبين غير المسلمين في فرنسا. ويجري حالياً بذل الجهود في هذا الاتجاه، حيث أرسل الرئيس فرنسوا هولاند، الذي خطط لزيارة الجزائر قبل نهاية هذه السنة، رسالة إلى الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة يوم 5 يوليو، في ذكرى استقلال الجزائر تحدّث فيها عن أهمية اجتراح "نظرة واضحة ومسؤولة على تاريخ فرنسا الاستعماري". وربما يعني ذلك اعترافاً رسمياً من فرنسا بمسؤوليتها عن مجازر سطيف وغالمة التي وقعت أثناء مظاهرات نشبت من أجل استقلال الجزائر في مايو 1945. ويمكن لخطوات كهذه أن تضع نهاية لـ"معركة الذاكرة"، وهو تعبير استخدمه المؤرّخ الفرنسي الكبير بنيامين ستورا حول كيفية النظر إلى التاريخ الاستعماري بين الجاليات المسلمة وغير المسلمة، والمساعدة على إعادة بناء مجتمع ما زال منقسماً أحياناً حول الولاءات التاريخية. ومن الأساسي هنا توفير وجهة نظر أكثر توازناً حول ما كان تاريخ فرنسا الاستعماري عليه. وبأن هذا التاريخ لم يكن مجرد "مهمة لنشر الحضارة" فقط، كما يزعم بعض غلاة المدرسة الاستعمارية. ويتعين على فرنسا الاعتراف بمشاكل الاستعمار وكذلك مساهمات المسلمين السابقة في فرنسا، مثل المسلمين الذين شاركوا إلى جانب فرنسا في الحربين العالميتين الأولى والثانية، حتى يتسنى الوصول إلى تسوية وتفاهم حول صراع الذاكرة، والتأكيد على ضرورة أن تعكس كتب التاريخ والمناهج المدرسية ذلك. وإضافة إلى ذلك، يتوجب على المؤرخين من كلا جانبي البحر الأبيض المتوسط أن يعملوا معاً على مشاريع تتعلق بالذاكرة الجمعية (قاد المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا والجزائري محمد حربي هذا السبيل) وإعادة النظر في إرث فرنسا الاستعماري في الجزائر وكافة دول شمال أفريقيا. ومن الضروري أن نترك وراءنا "ذكريات الحرب" الخلافية والسير قدماً إلى التعاون والتسامح والتعايش الإنساني. ومع انتخاب الرئيس هولاند مؤخراً يبحث المجتمع الفرنسي مرة أخرى عن مكان مناسب للإسلام في فرنسا. وتفتح رئاسة هولاند، كما هو مأمول، عهداً جديداً لمجتمع أكثر شمولية، وتنظر إلى التاريخ بسلبياته وإيجابياته كدافع على هذا الطريق. كاتيا يزلي كاتبة مستقلة مقيمة في باريس ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند» الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©