الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحدائق التاريخية.. جنان فسيحة وحكايات من عصر السلاطين

الحدائق التاريخية.. جنان فسيحة وحكايات من عصر السلاطين
9 سبتمبر 2013 21:36
تشكل الحدائق التاريخية بالمغرب أحد أهم مكونات المجال المعماري، ووجها مشرقا من وجوه الحضارة المغربية، وإضافة إلى قيمتها التاريخية والحضارية، فإن هذه الحدائق والبساتين تعكس قيمة جمالية بما تحتويه من أزهار وأشجار وورود، وترسم صورة لتكامل الإبداع الإنساني والذوق الفني، يتيح للزوار السفر عبر الزمن، وتأمل بعض النباتات المميزة من حقب تاريخية مختلفة. وتجذب هذه الحدائق التي صممت بحرص وجمالية أخاذة، مستلهمة الطابع القديم والصورة الأصلية للبساتين الملكية والأندلسية، آلاف الزائرين الذين يزورونها للتعطّر بشذا الزهور المنعش والتمتع بأناقة وتاريخ هذه الحدائق. ذاكرة المدن إلى ذلك، يقول أستاذ التاريخ أحمد العرفاوي إن الحدائق التاريخية هي ذاكرة للمدينة وعبق من التاريخ، وهي من أهم الآثار والشواهد الحضارية التي تؤرخ لحقب مختلفة من تاريخ المغرب، وهي مآثر تعكس فن وذوق الحكام، كما أنها تكتسب أهمية خاصة بوصفها المكان الوحيد لالتقاء والنزهة وقضاء أوقات ممتعة. ويشير إلى أن أغلب الدول التي حكمت المغرب اهتمت بإنشاء الحدائق، بعضها اندثر بسبب الإهمال والهدم، وأخرى تغيرت معالمها أو تحولت إلى مباني ومنشآت جديدة. ويعتبر العرفاوي أن الحضارات التي خلفت وراءها الحدائق هي حضارات تحترم الطبيعة وتجلها وتولي للفن والجمال قيمة وأهمية. وعن أهم الحدائق التاريخية بالمغرب يقول العرفاوي «لكل حديقة من هذه الحدائق تاريخها الخاص الذي يميزها غير أن أهم الحدائق التاريخية هي حديقة «جنان السبيل» و»أكدال» و»المنارة». ويحذر العرفاوي من الوضعية التي آلت إليها الحدائق التاريخية وخاصة تلك التي تكتسب حمولة تاريخية خاصة، ويقول إن وضعيتها أضحت تستدعي تدخلا سريعا يضمن حمايتها وصيانة تاريخها من قبل المؤسسات التاريخية والبيئية. حضارات تحترم الطبيعة تشكل تلك الحدائق مكانا للمتعة والتأمل واكتشاف تاريخ دول وحضارات حكمت المغرب واهتمت بالطبيعة عبر جنائن وبساتين القلاع والمدن التي شيدت، كما أنها مختبر لاكتشاف النباتات التي أدخلتها هذه الدول إلى المغرب وأحدثت ثورة في ميادين الطب والمأكولات والتجميل، فعبر هذه الحدائق يمكن اكتشاف حضارات تحترم الطبيعة وتعشقها والتعرف على تاريخ ملوك وسلاطين أدخلوا إلى المغرب الكثير من الأنواع النباتية التي تأقلمت مع النباتات المميزة في تلك الحقبة. ومع كل حكم جديد تظهر حدائق جديدة بجنانها الفيحاء وبساتينها الغناء ونوافيرها المرصعة بالفسيفساء والأحجار المنقوشة، بغضها شيدت منفردة، وأخرى ملحقة بالقصور والمساجد وحتى بالقبور والأضرحة، حتى أصبح لكل سلالة من السلالات التي حكمت المغرب حديقة خاصة مميزة بشكلها النموذجي والكلاسيكي، خاصة الحدائق الملكية والأندلسية التي أقامها الأندلسيون الذين فروا إلى المغرب بعد احتلال الأندلس. وقد ساعدت طبيعة المغرب ومناخه المتوسطي على بقاء هذه الحدائق مخضرة محتفظة بشكلها وأنواع النباتات الموجودة بها، تحكي للزائر جانبا من تاريخ المغرب، لتؤكد أن تاريخ المدن كتب أيضا عبر الحدائق والبساتين. وفي كتب المؤرخين الكثير من الروائع والذكريات عن هذه الحدائق وقصصها وتاريخ إنشائها وما حدث داخلها من أحداث وقصص ومعارك. أبرز الحدائق تزخر المدن العتيقة في المغرب بالعديد من الحدائق التاريخية الشاهدة على الأسر التي توالت على حكم المغرب، لكل منها قصة وحكاية أشهرها «المنارة» و»جنان السبيل» و»ماجوريل» و»عرصة مولاي عبد السلام». وتعد حدائق «جنان السبيل» من أهم وأجمل الحدائق التاريخية بفاس، أُسست في القرن الثامن عشر من طرف السلطان مولاي عبد الله داخل موقع تاريخي لمدينة فاس، ووفر لها هذا السلطان كل سبل الاخضرار، وأمر بغرس صف النخيل، واستقدم مغروسات من أوروبا والهند والصين، حتى أصبحت من أجمل وأكبر الحدائق بالمغرب. وتمتد حديقة «جنان السبيل» على مساحة 8 هكتارات، وتضم نحو ألف نوع من المغروسات. ومن أشهر حدائق مراكش «حدائق المنارة» التي يعود تاريخها إلى بداية القرن 13 في عهد السلطان الموحدي عبد المؤمن بن علي الكومي، وتقول كتب التاريخ إن السلطان عبد المومن أعد صهريجا داخل حدائق المنازة لتدريب الجيش على السباحة، قبل العبور إلى الأندلس. وشهدت حدائق المنارة تطورا وتجديدا في عهد العلويين الذين قاموا ببناء الجناح الملكي، وذلك في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمن. أما حديقة «عرصة مولاي المأمون» التي أقامها السلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الله وأهداها إلى إلى ابنه الأمير مولاي المأمون في عرسه، فقد تحولت إلى حديقة فندق «المأمونية» الشهير، وتؤكد الكتب التاريخية أن الكثير من البساتين والحدائق الموجودة في مراكش كانت من تخطيط السلطان سيدي محمد بن عبد الله الذي كان يهب لكل ابن من أبنائه بستاناً ليلة عرسه. حديقة ماجوريل توجد حديقة «عرصة مولاي عبد السلام» في موقع مميز قرب باب النقب وقصر البلدية ومسجد الكتبية التاريخية بمراكش، وتمتد على مساحة 8 هكتارات، وتتجسد بداخلها روعة الطبيعية الخلابة، حيث النافورات والجداول والأحواض، وتتميز حديقة «عرصة مولاي عبد السلام» عن بقية الحدائق التاريخية باحتوائها على مسرح صغير في الهواء الطلق، حيث تحتضن معارض ولقاءات ثقافية، ومقاهي إنترنت. وعلى الرغم من حداثة إنشاء حديقة «ماجوريل» إلا أنها استطاعت أن تصبح إحدى أهم الحدائق التاريخية بالمغرب، ومعلماً من معالم مراكش السياحية، وقد سميت كذلك نسبة إلى الرسام الفرنسي جاك ماجوريل، الذي اختار مدينة مراكش لإقامته بعدما سمع عن مناخها الجاف، فاقتنى عام 1924 قطعة أرض، وجعل منها حديقة «ماجوريل»، وبعد وفاته اشتراها مصمم الأزياء العالمي إيف سان لوران. وتزخر حديقة «ماجوريل» بثروة هائلة من النباتات تفتن الزائر بجمالها ورونقها، وعلى الرغم من أن من أنشأها أجنبي إلا أن هذه الحديقة تحمل كل معاني الإرث التاريخي والجمالي الذي ميز الحضارة المغربية لاسيما فيما يخص احترام قواعد المعمار التقليدي في مراكش.
المصدر: الرباط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©