الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جنة الصحراء وجحيمها

جنة الصحراء وجحيمها
14 سبتمبر 2011 22:04
سحر الصحراء، سرياليتها، الميثولوجيا والحياة الواقعية، الاقتصاد والسياسة والاجتماع، العادات والتقاليد، الجماليات الفنية والروح والفكر، هي بعض أهم المفردات التي ينطوي عليها المعرض “صحارى سريالية في الصحافة”، الذي يقدم من خلاله ستة من الفنانين الفوتوغرافيين الأجانب مشاهد متنوعة من الصحراء في دول عدة، أو الصحارى المتنازع عليها في أفريقيا. فالصحراء ليست مجرد رمال وغبار ومساحات شاسعة من الفراغ والهباء التي تحدث عنها شاعرنا محمود درويش حين قال “صحراء من كل الجهات”. عمر شبانة المعرض الذي يقام في غاليري الربع الخالي في دبي، في مركز دبي المالي العالمي، ويستمر حتى 14 أكتوبر المقبل، واحد من سلسلة معارض تقيمها الصالة المتخصصة بمعارض التصوير الفوتوغرافي، في محاولة لتقديم صور من العالم، ضمن رؤية تجمعها قضية/ قضايا يشارك فيها الفنانون المشاركون. وبحسب إيلي ضومط، المدير الإبداعي في غاليري الربع الخالي، فإن المقصود من المعرض هو تسليط الضوء على عوالم يصعب الإلمام بها، وتناولها من زوايا عدة، حيث يقدم كل فنان رؤيته وتصوره للعالم الذي يشتغل عليه. وهؤلاء الفنانون هم ممن يعملون في الصحافة العالمية، وهم: فيليب دودويه (سويسرا)، أغلايا كونراد (النمسا)، أندرو ماكونيل (آيرلند)، فلوري سالنوت (فرنسا)، ماغنوس لارسون (السويد)، وماركوس قيصر (ألمانيا). مشاريع فنية تصويرية تتقاطع وتتلاقى عند ذلك المزيج الذي يمكن للصحراء أن تحتضنه، مزيج الواقعي والخيالي، السلم والعنف، التقليد والحداثة، العمارة والفراغ، الابتكار والنقل الموضوعي. هذه هي المناخات الفنية والموضوعية/ الفكرية التي يعرضها الفنانون. مساران جنبا إلى جنب، الإنسان حاضر بقوة في صور متعددة. لكن صحارى الخليج تغيب عن هذا المعرض، لماذا؟ يجيب إيلي ضومط بأن الصالة قد اقامت في العام 2009 معرضا للصحراء في دبي، وما شهدته من تحولات، لكن هذا المعرض لم يجد العناية الكافية من المؤسسات الثقافية المحلية. ولذا فهو يفضل التعاون مع المتاحف الدولية والفنانين العالميين، ليقدم هذا العالم العجيب والمدهش. جماليات الانبهار الانبهار والدهشة أمام المكان وسكانه هما ما يميزان عمل المصورين هنا، انبهار بالبساطة واندهاش في حضرة المساحات المفتوحة على فضاءات حرة، تجعل في الإمكان الانفتاح على المكان والإنسان. فالصحراء هنا هي مكان ينظر إليه الزائر بوصفه مكانة مثيرا للغرابة، لكنه في جانب آخر يبدو مأهولا بالقصص والإثارة التي يحملها البشر، وتنظر إليهم الكاميرا بعين الاستغراب، والتساؤل ما إذا كان ثمة بشر ما يزالون يعيشون في ظروف كهذه؟ التساؤل يحمل لدى البعض أبعادا إنسانية متعددة الزوايا، وتعاطفا لا تخفيه العين البصيرة، تعاطف مع المشهدية الغريبة التي يعيش فيها الإنسان الأفريقي، سواء كانت لجهة الغرابة في ما يحمله من موروث متمثل في تفاصيل حياته وأزيائه ووسائل العيش لديه، أو لجهة التباس الهوية في هذه الشخصية، بين الماضي والراهن، أو حتى على صعيد البؤس الذي يخبر عنه هؤلاء البشر، وتأثيرات المحيط عليهم، حتى أنهم لم يعودوا يعيشون عزلتهم المحببة، ويشكون مما يجري حولهم من الكوارث التي تسلبهم حرياتهم وطبيعتهم الأصلية. لكن المستهجن هو النظرة الغربية التي تؤمن بوجود ما يسمى “الإرهاب الإسلامي” في بعض الدول التي تزورها الكاميرا، كما هو الحال في حديث بعض المصورين، مثل فيليب دودويه الذي يتحدث عن التأثيرات السلبية لهذا “الإرهاب” على الحياة العامة في جانبها السياحي تحديدا في مالي والنيجر، فهو يصف “الجنة السياحية التي اصبحت محظورة على الأجانب، مما يجعل المشاكل تزداد سوءا بسبب قطع جزء كبير من السكان من الدخل الذي كان ضروريا لهم. وتقدر الخسائر في الدخل ما بين 50 و 75 مليون دولار سنويا على أن جزءا من الفرقة الصحراوية الساحلية وحدها”. هي صور نحاول عرض أبرز ما تتضمنه من المشهديات الطبيعية والإنسانية. في الصحراء المصرية للمدن المصرية الصحراوية المحيطة بالعاصمة القاهرة، حضورها المتميز، عبر أعمال أغلايا كونراد التي تلتقط جوانب من الحياة في الصحراء، حيث الخيمة مكان مختلف عما هو مألوف، ففيها حياة حديثة تتمثل في حضور التلفزة ومتعلقاتها وهوائياتها، إلى جانب اليوتوبيا في الوقت نفسه. وهنا تظهر في بعض جوانب الصورة أبراج هي قيد التنفيذ، أو تبدو مهجورة، ولكنها تشكل مساكن للكثيرين. هنا مدن حول مدينة الخامس عشر من مايو أو القاهرة الجديدة حتى. ومحاولة لمرافقة مدن المتروبولس العالمية المعروفة. وهنا تبدو الجماليات التي تعطي الكاميرا فرصة رصد الواقع بأسلوب يجري فيه التركيز على تفاصيل الصورة ومكوناتها الفنية. لكن الصحراء المصرية هي الأقل حضورا في هذا المشهد الصحراوي. شتات الطوارق المشهد الأشد حضورا هو صحراء الطوارق، بين دول عدة، وعلى حدود متنازع عليها، كما هو الحال في الصحراء الغربية ـ المغاربية، وذلك في أعمال السويسري فيليب دودويه الذي يبرز حياة قبائل الطوارق ومعاناتهم، (في الصحراء الكبرى)، بعد تحجيم الحكومات حركتهم، وبالتحديد في المنطقة بين مالي والنيجر، خلال الفترة ما بين 2008 و2010. وفي أعماله تبدو الصحراء بفضائها الواسع وخصوصياتها، بصرف النظر عما إذا كان يتناول أشخاصا أو أمكنة بملامح مدهشة، خصوصا، كما يقول مقدمو المعرض، الصور التي تبرز حال المناطق السياحية بعد هجرانها، خصوصا في ما يتعلق بساحات السباق (الرالي) التي كانت تقام هنا وتدر دخلا مهما من السياح، لكنها انقطعت، أو كصالة السينما المفتوحة في شمالي النيجر، حيث تداعت أرتال الكراسي المتآكلة بالصدأ، ومنجم الملح في فاشي، الذي كان قبلة السياح في ما مضى، والذي لم يعد بالإمكان وصول السياح إليه نتيجة الوضع غير الآمن. أما أعمال أندرو ماكونيل فهي تصور تصاميم من عوالم افريقية تبدأ من غانا والكونغو والمتمردين الطوارق في مالي والنيجر وزمبابوي موغابي، والمساكن في المناطق الواقعة خارج حدود السياحة نظرا للتغيرات السياسية المقلقة، مناطق كانت تعيش من السياحة، ثم افتقدتها تماما، بسبب الحروب والعنف. ومن بين الأعمال اللافتة تجد دبابة معطوبة وسط الرمال، أو طائرة محترقة في مكان لا تتوقع أن تجد فيه رائحة حياة، لكن حياة الصحراء غنية بالأسرار، ومن ذلك ما تنطوي عليه بعض اللقطات من تساؤلات عن طبيعة هذه الحياة. فالطائرة المحترقة هي التي استخدمها مهربو المخدرات ثم قاموا بإحراقها بعد عملية تهريب صفقة كبيرة لتضيع آثارهم. كما يتوقف ماكونيل عند تفاصيل الخيمة في الصحراء، ويسلط عين الكاميرا على ملابس السكان وبعض المقتنيات، فيبرز التلفاز في عتمة الخيمة، ليبرز جماليات الظل والنور في صورة زوجين وطفل ينام على سجادة مزركشة. التنوع الثقافي ومن جهتها تذهب المصممة الفرنسية فلوري سالنوت إلى الصحراء، لتلتقي قبائل اللاجئين، في بعض المخيمات، وتتعرف إلى الصناعات التقليدية التي كانت تقوم بها النسوة، اللاتي كن يعتشن منها. ومع نقص أو عدم توافر المواد الأولية لصناعتهن، ولدت في ذهنها فكرة استخدام العبوات البلاستيكية بألوانها المختلفة، كمواد خام، محاولة العمل على إبراز فكرة التنوع الثقافي من خلال التصميم. إنها تقوم بالتجريب في مواد مختلفة لتكشف هذا العالم، وهي تخطط لزيارة المخيم مجدداً، لتوسيع انتاجهن وتسويقه في أوروبا، وبالتالي تأمين مصادر دخل لهن. لكنها تصور المشاعر الخاصة الناجمة عن قدرة هؤلاء البشر على أن ينفذوا مشاريع تعبر عنهم وعن إمكانات الخلق لديهم. وتقول انها بذلك توفر لهم تقنية مفتوحة المصدر والأدوات التي يمكنها تصميم القطع الخاصة بهم وتنشيط تقاليدهم الحرفية المحلية بطريقتهم الأصلية. وثمة المهندس السويدي ماغنوس لارسون الذي يريد اختراق الصحراء بحياة مختلفة، فيقترح بناء جدار بطول 6000 كم من الشرق إلى الغرب، على شكل هياكل للسكن من الشجر تبدو أقرب إلى الكهوف، لخلق المساحات التي تستوعب النشاط البشري. بينما يسعى البعض الآخر إلى استغلال الطاقة الأولية من الشمس في الصحراء laser beams (أشعة الليزر) من خلال قطع الأخشاب وإنتاج الزجاج من الرمل، كما هو الحال في تجربة الشاب ماركوس كايزر (قيصر)، والآلة العجيبة التي اخترعها لتوصيل الكهرباء إلى الصحراء البعيدة، في عالم يشعر بقلق متزايد مع الأسئلة لإنتاج الطاقة ونقص المواد الخام، وهذا المشروع يستكشف إمكانات التصنيع الصحراء، حيث الطاقة والمواد موجودة بوفرة. وفي هذه التجربة ثمة ضوء الشمس والرمال التي تستخدم كمصدر من مصادر الطاقة والمواد الخام لانتاج الزجاج باستخدام عملية الطباعة المجسمة (3D)، والتي تجمع بين الطاقة والمواد الطبيعية مع تكنولوجيا الإنتاج عالية التقنية، وتهدف الى اثارة الأسئلة حول مستقبل الصناعة التحويلية ومشغلات أحلام الاستفادة الكاملة من إمكانات الإنتاج من الموارد للطاقة في العالم الأكثر فعالية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©