الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فايز رشيد: روايتي عن الضياع وجيش الإنقاذ...

فايز رشيد: روايتي عن الضياع وجيش الإنقاذ...
14 سبتمبر 2011 22:09
في حديثه بساطة ومتعة يجذبك كالمغناطيس ويجبرك على ان تسمعه حتى النهاية بأسلوبه السهل ودرايته بما يريد الصحفي، وكأنه من داخل المطبخ، ومن هنا تأتي إجاباته غير مغلفة بورق سولوفان أو عبارات منمقة. فايز رشيد صاحب رواية “وما زالت سعاد تنتظر” التي تخوض ماراثون جائزة (البوكر العربية) طبيب اختصاصي بالعلاج الطبيعي والإبر الصينية في عمان، جمع بين الطب والأدب لكنه ينحاز للأدب، ويرى فيه ذاته الحقيقية ويرضي من خلاله نزعته الداخلية الجامحة نحو الإبداع الأدبي. توفيق عابد في مناسبة ترشيح روايته التي وجدت صدى جميلا لدى النقاد والقراء في عواصم عربية لجائزة (البوكر العربية)، قدم رشيد لـ”الاتحاد الثقافي” الكثير من الاجابات حول الظروف والقضايا التي أثارها في روايته. وقال ارتأيت التركيز على الذاكرة الفلسطينية باعتبارها الهدف الذي يسعى أعداؤنا لتدميره وتحصين الأجيال الفلسطينية الشابة بأهم الأحداث التاريخية لقضيتنا الوطنية وماذا قدم أهلها لمقاومة عصابات صهيون أي بصراحة كيف ضاعت فلسطين؟. ? قيل أن رواية “وما زالت سعاد تنتظر” هي سيرة حياة لمناضل ضد الاحتلال هو أنت ما تعليقك؟ ? بدايةً أود التأكيد على أن الرواية هي سيرة حياة عائلة فلسطينية عادية ومقاومتها للاحتلالات الثلاثة العثماني والبريطاني والصهيوني، ولمّا كنت أعرف تفاصيل حياة هذه العائلة لكونها عائلتي، كتبتها وقد تجد سير لعائلات فلسطينية أخرى أشد وقعاً وتأثيراً على القارئ من سيرة عائلتي، فالمعاناة هي القاسم المشترك الأعظم بين كل العائلات الفلسطينية على مدى قرن وما زالت مستمرة حتى اللحظة. وقد ارتأيت التركيز على الذاكرة الفلسطينية باعتبارها الهدف الذي يسعى الأعداء لتحقيقه من خلال ضرب الذاكرة الفلسطينية، كما أردت تحصين الأجيال الفلسطينية الشابة بأهم الأحداث التاريخية لقضيتنا الوطنية غير أن ذلك لم يكن على حساب الفن الروائي. إثباتات ودلائل ? الرواية تضمنت معلومات خطيرة حول مهمة جيش الإنقاذ في فلسطين.. ما الذي يثبت صحتها بالوثائق والبراهين التاريخية؟ ? استقيت المعلومات عن دور جيش الإنقاذ من مصادر تاريخية مختلفة، أهمها مذكرات المناضل الفلسطيني بهجت أبو غريبة بجزأيها الأول والثاني، كما أنني ومنذ طفولتي أسمع عن الدور المتقاعس لجيش الإنقاذ في التصدي للعصابات الصهيونية، وتأكدت من هذه القضية من الرواية الشفوية لكثيرين من أهل الثقة وقد تواءم كل ما قالوه مع المصادر التاريخية المختلفة. وما زالت أذكر أبياتاً شعرية للشاعر سميح القاسم أحد شعراء المقاومة الفلسطينية اقتطف منها: “ضاعت البروة يا ويلي على تلك الـعشية/ وعلى الليات... يشتد الخناق عسكر الإنقاذ يزتون النياشين في الوحلِ/ عسكر الإنقاذ يا عار الرجال”. كذلك فإن المهمة المحددة التي جاء من أجلها جيش الإنقاذ هي المحافظة على حدود تقسيم فلسطين، واحتواء المقاومة الفلسطينية، ولا تنسى أن بريطانيا سمحت بدخوله من خلال اتفاق مع الجامعة العربية والأنظمة العربية آنذاك.. فأين هو التحامل على جيش الإنقاذ؟ ? أنت طبيب اختصاصي بالعلاج الطبيعي والإبر الصينية... ما الذي حذفك باتجاه الرواية والأدب؟ ? الأدب في دمي منذ الصغر. في الابتدائية قرأت روايات عديدة وشعراً. أعجبتني الرواية، حاولت أن أكون شاعراً ولي بعض القصائد لكن الرواية غلبت. في المدرسة أحببت اللغة العربية فتفوقت بامتياز في كتابة مواضيع الإنشاء. وفي دراستي الجامعية في روسيا وفي سنة اللغة قرأت لنا معلمة اللغة الروسية قصتين وطلبت منا إعادة صياغتهما فحصلت على جائزة بسيطة عن صياغتي، وعند لقائي بالمعلمة بعد عشر سنوات أخبرتني بأن الموضوعين ما زالا معلقين على لوحة في الكلية التحضيرية لجامعة الصداقة. وفي دراستي الثانوية كان أساتذتي في اللغة العربية يقولون أمام الطلبة عن إمكانيتي المستقبلية ككاتب وروائي. الرواية جاءت متأخرة من حيث أعمالي، فأنا كاتب سياسي أيضاً وأصدرت العديد من الكتب السياسية، كما أنني قاص وأصدرت مجموعتين قصصيتين بعنوان “وداعاً أيها الليلك” و”في الطريق إلى الوطن”. لقد أثرت المعاناة التي نعيشها على كافة إنتاجي السياسي والأدبي ولعلها الخصوصية الفلسطينية. من ناحية ثانية هناك أطباء كثيرون على المستويين العالمي والعربي شدّهم الأدب، من إنطون تشيخوف إلى يوسف إدريس إلى عبد السلام العجيلي وإبراهيم ناجي وآخرين أنا جزء من هذه الظاهرة. ولعل في الطب ما يدفع البعض دفعاً إلى الأدب، وبعد الرواية أصبحت أرى نفسي في الأدب وهذا لا يعني إهمالي للكتابة السياسية. ? عرضت الرواية قبل صدروها على الروائي رشاد أبو شاور الذي كما قيل صحح محطات مهمة في السرد.. ما دوره بالضبط؟ ? في القصة القصيرة والرواية أعرض ما اكتب على أكثر من ناقد وروائي وقارئ قبل الطباعة. “وما زالت سعاد تنتظر” عرضتها على أربعة هم الصديق رشاد أبو شاور والشاعر حميد سعيد والناقد سليم النجار والمناضلة ليلى خالد للاستئناس بآرائهم التي تمثّلت في النصح على التركيز على بعض الأحداث واختصار بعض المواضيع. وفي هاتين النقطتين تمحورت ملاحظات أبو شاور التي هي جزء رئيسي من ملاحظات الآخرين، وشخصيا أحب أن أرى انعكاس ما أكتب في عيون الآخرين قبل الطباعة لكنني في النهاية أكتب ما أعتبره الأفضل، فقد آخذ أو لا آخذ بآراء من أعرض عليهم عملي لأنني من يتحمل مسؤولية النص بعد نشره. الوطن انتماء ? سعاد ترمز إلى الوطن الذي ينتظر الحرية.. ما وجهة نظرك تجاه الوطن؟ ? الوطن انتماء ووجود وماضي وحاضر ومستقبل ولعلني أتمثل ما قاله شاعرنا الراحل محمود درويش عن الوطن: بأنه ليس حقيبة والذي ما له وطن ليس له في الثرى ضريح. الوطن هو إرث وهو تاريخ وهو ملعب الصبا وهو أيضاُ حنين (نوستالجيا) وهو واقع. كل هذه المعاني الجميلة تتجسد في الوطن. قدر الأم الفلسطينية أن تكون منذ طفولتها أكبر من عمرها الزمني، فهي تعاني أضعاف ما تعانيه الأم الأخرى في البلدان التي لا تشغلها قضية تحرير الوطن.. قدرها أن تعيش المعاناة، فبالإضافة إلى المعاناة الحياتية والأخرى الوطنية.. تعيش أيضاً هاجس الخوف على الأبناء من الموت والاعتقال وبخاصة إذا انخرطوا في المقاومة فالموت يترصد كل من يناضل وكذلك السجن. سعاد عانت منذ طفولتها المبكرة، عانت قتل الأم، واستدعاء والدها إلى السفر برلك دون أن يعود.. وعانت هم الأبناء الذين شاركوا في المقاومة وفيما بعد الأحفاد، أي أن حياتها الزمنية جُبلت بالمعاناة التي لازمتها حتى الموت الجسدي، فأنا أؤمن بما كتبت في خاتمة روايتي: “اعتقدوها ماتت.. لم تمت.. الأم مثل الوطن والوطن لا يموت”. ? نهاية بطلك “عيسى” لم تكن مقنعة فهو مناضل تمنى الشهادة في فلسطين فكيف ينتحر ومسدسه معلق على جدران غرفته في مركز الشرطة؟ ? بالنسبة لعيسى وطريقة موته التراجيدية أحب أن أوضح بأمانة كبيرة فقد تناولت هذه القضية بألم شخصي كبير وتحديداً مع أبطالها الرئيسيين وفي تصوير ونقل المفاصل الرئيسية في حياتهم كالولادة ومسيرة الحياة والموت للبطل. كنت أمينا في النقل والكتابة، حيث تمنى عيسى لو يستشهد على أرض فلسطين لكن أمنيته لم تتحقق وكما قيل لي كان قوياً وذو شخصية مؤثرة في الآخرين. لقد نقلت لحظة موته كما كانت دون تدخلٍ مني مع أنني أرجح القتل، فقد تم اغتياله بطريقة راعت أن يُعزى ذلك إلى الانتحار، فرسالة منه كتبها بخط يده إلى أهله يبين فيها عزمه على الانتحار، ولقد استغل مسؤولو المخفر حزن والده الذي أحضروه من قلقيلية لاستلام جثة ابنه وجعلوه يوقع على ورقة يؤكد فيها انتحار ابنه. هناك قول صحيح وهو: “إن أركان الجريمة غالباً لا تكتمل”، فبالفعل كيف يطلق الرصاص على رأسه والمسدس معلق على جدران غرفته؟.. صورت الواقع كما كان ليستنتج القارئ هذا الأمر من الرواية وبالفعل فإن غالبية القرّاء استنج أنه تم قتله. ? هناك إدانة غير مباشرة لذوي السلطة والنفوذ حتى أنهم ضد الحب تلك العاطفة النبيلة التي جمعت قلبين طاهرين.. ما تعليقك؟ ? بالطبع فإن ذوي السلطة والنفوذ وبخاصة إذا ما كانوا أثرياء بالمعنى المادي للكلمة، يحرصون على مصالحهم الاقتصادية وينظرون إلى الخطوة الحياتية من موازين طبقية “الربح والخسارة”، لذلك لن يبارك أو يعترف غالبيتهم بالحب بين ابنة الغني وشاب فقير، فهذه الحالة جريمة وبخاصة في أوائل الخمسينيات عندما كان حتى الحب الشريف بين قلبين هو جريمة بحد ذاته، فكيف به إذا كان من بنت صاحب نفوذ وثري تجاه شاب من عامة الناس.. الجريمة مضاعفة والحالة هذه. الميزان الطبقي للأسف ما زال يلقي بثقله حتى الآن برغم أننا نعيش عصر التقدم في مختلف مناحي الحياة تقنياً وتكنولوجياً واجتماعياً. ? من المفترض أن يكون الكاتب عاماً.. قيل أنك منحاز لمسقط رأسك مدينة قلقيلية.. ما صحة ذلك؟ ? الانحياز الأساسي هو لفلسطين أولاً بكامل ترابها من النهر إلى البحر، لكن بشكل أو بآخر كل منا منحاز بهذه الدرجة أو تلك لمدينته أو قريته أو بلده الأساسي الذي تربى فيها، فهي ملعب طفولته وحاضنة ذكرياته المرّة والحلوة، وربما هو انحياز مشروع بعض الشيء فأنت مثلاً وبعد انحيازك لفلسطين تحن إلى جنين وكل قراها أليس كذلك؟. حاولت الترفيه بعض الشيء في هذه المسألة، فأنا أولاً وأخيراً انحاز إلى كل شبر في فلسطين من رأس الناقورة إلى رفح ومن النهر إلى يافا وحيفا وعكا وغزة. ? هناك معلومة غير مؤكدة عن جزءٍ آخر من “وما زالت سعاد تنظر” إذا كانت المعلومة دقيقة ما الخطوط الرئيسية وأين تدور أحداثها؟ ? كلا لن يكون هناك جزءٌ آخر، فالرواية عن سيرة سعاد ورشيد وعائلتهما انتهت بوفاة سعاد الجسدية، وهذا هو زمان الرواية وكما قلت مكانها قلقيلية. أنا اليوم أمام كتابين جديدين أحدهما بعنوان: “الرحلة البيلوروسية في عهدين” وهو رواية في أدب الرحلات، والثاني مجموعة قصصية بعنوان: “ذهبت مع الخريف”. لقد وقّعت عقديهما مع ناشري بشار شبارو مسؤول الدار العربية للعلوم (ناشرون) في بيروت، وقد كتبت مخطوطتيهما قبل إنجازي لرواية “وما زالت سعاد تنظر” غير أنهما ولظروف خارجة عن إرادتي لم يُطبعا في وقته. ? تم ترشيح رواية “وما زالت سعاد تنتظر” لجائزة (البوكر العربية) بطريقة غير عادية.. كيف تم ذلك؟ ? للأسف لم أُظهر رغبتي لناشري من قبل في ترشيح روايتي لهذه الجائزة الأمر الذي دعاه لعدم ترشيحها، لكنني شعرت بمرارة وما يشبه الغَصّة عندما عرفت انتهاء الترشيح في 30 يونيو الماضي لأن الرواية لقيت صدى كبيرا وكتب عنها الكثير. كما شعرت بأن ظلماً ما يحيط بطريقة الترشيح لجائزة البوكر، فمن المفترض أن يجري ترشيح كل الروايات الصادرة في المدة المحددة لذلك العام، وليس ثلاث روايات فقط لدار النشر ترشحها، فلو افترضنا مثلاً أن دار نشر ما أصدرت 10 روايات وكلها تستحق... لماذا لا تُقدم كلها للجائزة؟. ومن ناحية ثانية لو افترضنا أن روائيا أصدر روايته بطريق شخصي، أي أنه قام بطباعتها على نفقته ولا تحمل اسم دار نشر، لماذا لا يستطيع ترشيح عمله؟ ولماذا يقتصر الترشيح على دور النشر فقط؟ مع العلم أن جهات ثقافية عربية لا يجوز لها ترشيح روايات للجائزة؟ هذه التساؤلات وغيرها كتبتها في مقالة نشرتها في “القدس العربي” في الخامس من يوليو الماضي، لأفاجأ بعد بضعة أيام بمنسقة اللجنة (رئيسها وأعضاؤها سريون) وهي سيدة بريطانية مقرها لندن تتقن العربية قراءة وكتابةً برسالة منها تستفسر عن الهدف من وراء ما كتبت، فأجبتها ثم طلبت مني إرسال نسخة من الرواية ليطلع عليها رئيس اللجنة، وعلى ما يبدو شعر أنها تستحق الترشيح فطلبت مني إرسال أربع نسخ منها لإعضاء اللجنة الآخرين وهذا ما قمت به، أي أنها أصبحت مرشحة مثل كل الروايات الأخرى وستدخل المسابقة كما أعلمتني.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©