الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ندى مهري: هذه أسباب غضب الحروف

ندى مهري: هذه أسباب غضب الحروف
14 سبتمبر 2011 22:09
“تفاجأت التلميذة رانيا وبقية زملائها في الفصل، وعلى رأسهم معلمة اللغة العربية، أن جميع حروف اللغة العربية مختفية من الكتب والدفاتر، كل الجمل، كل القصص، كل المواد اختفت وليس هذا فحسب، بل لم تتمكن المعلمة من كتابة هذه الحروف على السبورة وكأن الطبشور فقد ذاكرة كتابته، فظل يلتفت بين أنامل المعلمة”. هكذا تبدأ الكاتبة والإعلامية الجزائرية ندى مهري قصة موجهة للأطفال بعنوان “غضب الحروف”، حروف اللغة العربية تختفي من كل مكان، والجواب يأتي على لسان سيد الحروف: “أنا سيد الحروف، وأنا من أخذت جميع الحروف للعلاج، لأنكم أتعبتم حروف اللغة العربية لعدم قراءتكم الجيدة لها، ونطقكم الخطأ أغلب الوقت للجمل والعبارات التي تتكون منها، ولا تحترمون أصول القواعد إضافة إلى عدم النطق الجيد لمخارج الحروف أليس كل ما ذكرت أسبابًا كافية لأن تتعب الحروف وتهجر المدارس والكتب لترتاح منكم؟”.. يكفي أن تكتب ندى مهري هذه القصة لتترجم عشقها للغة العربية، خلاف ما كان يتهمها به الروائي الجزائري الطاهر وطار مازحا، بأنها فرانكوفونية، أو كما كان يلاطفها بقوله: أيتها الألمانية، كما ذكرت في شهادة لها عن الروائي الجزائري الراحل، وزادت أن فازت بجائزة الشارقة للإبداع في العام 2009، عن مجموعة “أميرة النجوم” القصصية الموجهة للأطفال في الفئة العمرية من 10 ـ 15 سنة. تقول ندى نهري عن اللغة العربية في حوار خاص مع “الاتحاد الثقافي”: “إنه مما مما لاشك فيه أن اللغة عنصر حيوي للهوية فيها تحيا وبها تزول، واللغة تتأثر بمقومات الظروف الإنسانية ومتطلبات العصر”، وتضيف: “اللغة العربية تأثرت بعصر السرعة، وخاصة فيما يتعلق بالجيل الجديد حيث نرى عدم اهتمام هذا الأخير بها، وأهملت قواعدها، بل هذا الجيل خلق لغته الخاصة دون مراعاته للبنية اللغوية، وعندما كتبت قصة “غضب الحروف” الموجهة للطفل، فهي دعوة مني للمؤسسات التربوية أن تكرس جهودها في الحفاظ على سلامة اللغة ومحاولة ترغيب النشئ في حبها وإتقانها جيدا، لأنها رمز الهوية والأصالة والثقافة العربية). الكاتبة القصصية والصحفية ندى مهري، إعلامية لها تاريخ طويل في إعداد وتقديم البرامج الإذاعية والتلفزيونية، غادرت الجزائر إلى القاهرة لتلتحق بمنظمة المرأة العربية، التابعة لجامعة الدول العربية، وهذه المغادرة مؤلمة لمبدعة وشاعرة، ولكنها تسرد الحيثيات: “الجزائري قدره من قدر وطنه، وانا انتمي لجيل عايش فجيعة الجزائر وهنا يحضرني مقولة شاعر: انا رجل ولد ولم يعش حياته ومع ذلك سيموت، وهذا الكلام ينطبق تماما على جيلنا الجزائري الذي واجه الموت العبثي لعشرية سوداء كاملة، والمدهش رغم كل هذه الخسارات الجزائرية، فهناك خلطة سحرية يتميز بها الجزائري، وهي خلطة الصمود والاستمرارية، وانا لم أغادر الجزائر الا بعد ما تشبعت بعبثية الموت، وبالخلطة السحرية للحفاظ على بقائي الإنساني والثقافي، غادرت الجزائر محملة بإرهصات المحنة ومعاتبة لهذا الوطن الذي انتمي اليه بحب من جهة، ومن جهة اخرى أردت أن أخوض مغامرة الحياة وتطوير أدواتي المعرفية والتعمق في التجربة الإنسانية الأخرى، هذه المغامرة أتاحت لي رؤية الجزائر عن بعد بشكل أنضج، بعيدا عن الغضب والعتاب الذي تركته في نفسي سنوات الخسائر والتأجيل”. الجحيم هو الآخر وللمبدع الغريب، كما تقول ندى، إشكالياته مع الغربة، مكانيا وإبداعيا وثقافيا، وله حساسيته من النسيج الثقافي الحالي، وتركيبته غير السوية أحيانا، المبنية على الشللية والمصادرة وعدم الالتفات إلى الإبداعي الحقيقي، وهنا يبرز مصطلح “جحيم الآخر”، الذي يواجه واقعا لا يفسح له مجالا للتنفس بحرية العصافير، كما يبرز مصطلح آخر يتمثل في “إشكالية الهدم”. وتضيف الكاتبة الجزائرية:”واذا كنت أحترم الإبداع المرتبط بالانحراف في حالات العبقرية وطقوس الكتابة وحتى حالات السلوك في أقصاها، الا أنني لا أحترم الانحراف التافه المبني على هدم الآخر، ولقد تفضلت أنت في مقالك عن الحسد “القوم الحسّد” بكل صوره، بتوضيح واف لهذا الداء الذي ينخر الوسط الثقافي، ولذا تجدني مقلة التواجد وحتى التواصل الا مع تلك الأرواح الطيبة البناءة والخيرة ... “، وهذه القضية تؤرق بال كثيرين ممن يتعاطون الإبداع، إلا أن غضب ندى مهري فيه نوع من الحكمة فتقول: “يجب أن انوّه قبل الخوض في إشكالية الهدم إلى أن عملية البناء الثقافي باتت أكثر تطوراً، لما يشهده هذا العصر من ازدهار تكنولوجي ومعرفي، وأصبح وصول المبدع للمنابر أكثر يسراً من قبل، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال، أن الأجيال السابقة لم تتوفر لها فرص الولوج والظهور في عالم الفكر والأبداع، رغم محدودية المنابر وقتها، وربما يعود الفضل للمناخ الصحي الذي كان يتميز به الوسط الثقافي آنذاك، على الرغم من وجود بعض النزاعات والصراعات، غير انه كانت هناك بعض الحلول الصحية للخلافات، لأن الاشتغال على النهوض بالمعرفة الجماعية اكثر أهمية من المواقف الشخصية. أما عملية الهدم فهي الورم الخبيث الموجود في كل الأوساط، بما فيها الوسط الثقافي، هذا الصرح التنويري الذي له دوره التاريخي الخلاب في مختلف الأزمنة، لأنه صانع التغيير بامتياز، والعقل المستنير في كل المجتمعات، لكنه تعرّض لمقولة سارتر الشهيرة “الجحيم هم الآخرون”. وعي الأنثى كنت أعتقد أن الكاتب الرجل هو الذي يعاني مما أسلفت الكاتبة ندى مهري، وإن الكاتبة المرأة غالبا ما تجد الترحيب حتى حين تكون نتاجاتها متواضعة، فهي تستقبل إعلاميا بشيء يشبه الدهشة، إلا أنني فوجئت بهذا “الغضب الرجولي” في روح الكاتبة، ولكن دهشتي لم تستمر كثيرا، لأنها فرحة باستقبال نتاجات المرأة الإبداعية بل وتباركها فتقول بأناقة الكاتبات: “أبارك احتفاء الأوساط الثقافية بالمرأة الكاتبة، ومهما كانت نوايا هذه الأوساط ازاء الأنثى، وكيفما استقبلت المرأة المبدعة وتجاوبت مع هذا الاحتفاء، فأنا أراه إيجابياً وداعماً لمسيرتها الإبداعية، فنحن نشهد عصر المرأة المبدعة، والدليل أن عدد النساء الكاتبات في تزايد، وعلى هذه المبدعة أن تبرز ما تحمله في جوفها من وعي، لأن وعي المرأة بالكتابة وعي بالأنوثة، ولأن هذه المرأة مليئة بالتجارب والأسرار والدهشة وعليها أن تفصح عن عمقها إزاء مختلف المتغيرات التي يشهدها العالم وأن تصبح شريكا خلاقا في الطرح الإبداعي، اما كوني امرأة كاتبة فأعتبرها نعمة جميلة حباني الله بها، فلا يمكنني ان أرى نقمتها أو لعنتها وان وجدت، فلدي أسلحتي لمواجهتها، حسبي في الصمود والتحدي والتجاهل لمعطياتها السلبية”. وللإطار المؤسسي لغة أخرى تستند إلى الوعي المجتمعي، ولاسيّما بالنسبة للمرأة، والكاتبة ندى مهري مسؤولة عن الإعلام في منظمة المرأة العربية، فهل يكفي العمل المؤسسي للنهوض بالمرأة، أم أن على المرأة أن تقوم بدور استثنائي خاص؟ وما هو دور الرجل في هذا النهوض، خاصة وأنهما ينتميان لمجتمع واحد؟ تقول ندى: “عملي في منظمة المرأة العربية فلم يكن اختيارا بل جاء قدرا، فأنا بالأساس إعلامية وتدرجت على منابر اعلامية عدة من تلفزيون وإذاعة وصحافة، التي أعتبرها المدرسة الأهم وان كنت أرى من خلال انتمائي لمنظمة المرأة العربية انها منظمة مهمة لأنها تشتغل على النهوض بواقع المرأة العربية وتحمل على عاتقها العديد من الغايات، أما عن دور المنظمات التي تعمل لأجل المرأة فدون شك، جهودها غير كافية، فيجب على المرأة نفسها أن تملك الوعي ازاء الدور المنوط بها في المجتمع، ولكن كيف لهذه المرأة أن تملك هذا الوعي وهي تنتمي لمنظومة اجتماعية تبرمجت على مسلمات أصبحت تعتبرها قوانين، حتى اذا كانت هذه المسلمات مجحفة في حقها، فإذا لم تكن واعية بماهيتها فلن تتطور إيجابيا، وتظل تتفاعل وفق متطلبات المجتمع وظروفه وأفكاره وعاداته، ما أود قوله أن الرهان على المرأة يبدأ من المجتمع بتغيير النظرة إزاء المرأة، وذلك بهدم المسلمات والعادات السلبية، وهذا الكلام أيضا ينطبق على الرجل فهو ابن المجتمع وتربى على أدواره من واقعه الاجتماعي، فصناعة دور حقيقي لكل من الرجل والمرأة يعتمد على تغيير الصورة النمطية إزاء بعضهما البعض، وهنا تدخل المنظمات التي تعمل لأجل النهوض بالمرأة لتصحيح الصورة السلبية، ولعل الإعلام العربي تنبّه في السنوات الأخيرة لهذا التخبّط إزاء قضايا المرأة واصبح صديقا داعما لها بتصحيح النظرة الضيقة إزاء المرأة، وعليه فقط بدل الكثير من الجهود لخلق هذا التغيير بصفته الشريان الحيوي المؤثر في المجتمع”. وأخيرا، تبوح الشاعرة ندى مهري: “أتوق لعطر قادم من سنابل الفرح/ من بساتين الياقوت/ من وحي الماء للموج/ نيسان: على مدار العمر تقطف فرحتي الكبرى/ وتقلع كل اشتهائي/ وتزرع برزخ الآتي على بساطك الأخضر/ مدا وجزراً/ جزرا ومدا”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©