السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جزائريون في المشرق

جزائريون في المشرق
14 سبتمبر 2011 22:11
الرحلات عالم ساحر من الرؤى لاستكشاف الأمكنة من خلال التاريخ والجغرافيا، وإذا كانت الرحلات تجارب ومغامرات وروىً للآخر، فهي أيضاً وصف توثيقي، وأنثروبولوجي، وإثنولوجي، وسعة أفق، وإيمان بوحدة بني البشر. وقد برز في الأدب الجغرافي العربي رحالة بارزون لهم رحلاتهم التي دونوا فيها مشاهداتهم للأمصار العربية والإسلامية والغربية التي وصولوها بعد عقود، ومن أبرزهم الرحالة ابن جبير وابن بطوطة وغيرهما. كما اهتم بنصوص الرحلات في التراث العربي أخيراً نُقاد الأدب، والمهتمون بالعلاقات بين الثقافات والحضارات، والمتتبعون للعجيب والغريب وإبداعياتهما. كذلك عالج المستشرقون الأدب الجغرافي العربي بمنهاجٍ تاريخي، يهتم للمصادر والمعلومات ولتناسل الخرائط وترتيبات الفلك، وصورة الأرض وأقسامها لدى اليونان والفرس والهنود، وماذا أضاف العرب، وكيف طوَّروا. وقد برز في هذا المجال فيستنفلد ودي غويه وكراتشكوفسكي، حيث نشر فيستنفلد “معجم البلدان” لياقوت الحموي، ودي غويه نشر “المكتبة الجغرافية العربية” التي شملت عشرة نصوصٍ جغرافيةٍ شديدة الأهمية، وتنتمي جميعاً الى القرنين الرابع والخامس للهجرة/ العاشر والحادي عشر للميلاد. ثم جاء الروسي كراتشكوفسكي ليستند إلى نشرات السابقين للنصوص وملاحظاتهم، فيكتب كتابه المهم بعنوان: “تاريخ الأدب الجغرافي العربي”. الرحالون الجزائريون تناول الفصل الأول من الكتاب “الرحالون الجزائريون ورحلاتهم”، حيث تتبعت سميرة أنساعد فيه بدايات ظهور الرحلة نحو المشرق بالجزائر وتطور حركة تدوين الرحلات المشرقية لدى الكتّاب الجزائريين، والتعريف بالأعلام الرحلة إلى المشرق خلال العهد العثماني وهم: “أحمد المقري، الحسين الورثاني، محمد أبو راس، عبدالقادر الجزائري”، ثم حدثتنا عن الرحلة إلى المشرق في العصر الحديث لدى كل من: “الطيب المهاجي، محمد البشير الإبراهيمي، محمد المنصوري الغسيري، عثمان سعدي، محمد علي دبوز، أحمد توفيق المدني، أبو القاسم سعد الله، محمد ناصر، وأحمد منور”. وأفردت مؤلفة الكتاب الفصل الثاني للحديث عن “تحديد مسار الرحلة، ووصف الطبيعة والمكان”، فحاولت أن تقدم فيه بعض الإنصاف إلى ما يمكن تجاوزاً تسميته مادة علمية، جغرافية على الخصوص، توفرت في نصوص الرحلة المعنية بالدراسة، رغم أن معالجة تلك المادة في الرحلات يختلف اختلافا جوهريا عما قد نجده في كتب الجغرافيا الطبيعية، أو البشرية، وقد ركز الفصل، على عناية الكاتب الرحالة برسم المسار المتبع في رحلته نحو المشرق، الذي ضم الطرق البارزة الواقعة ما بين الجزائر ومصر، والطرق الأخرى المؤدية إلى بلدان الشام، والعراق، والكويت، وسلطنة عمان، وتقديم معارف عامة عن الأماكن المجتازة أو المقصودة، كالموقع، والخصائص الطبيعية للأرض، والهواء، والماء.. وتم ـ لضرورة منهجية ـ تقليص البلدان موضوع الوصف، وحصرها في: تونس، ليبيا، ومصر، والحجاز، والشام، والعراق، والكويت، وعُمان، وتعتبر هذه الموضوعات في مجال الأدب، جزئيات من جانب المحتوى، أو ما يعرف بالمتن، أو المضمون، وهو في لون الرحلة، سرد لأحداث سفر الرحالة، ومراحله، وبالتالي، تعيين لبرامجه السردية الرئيسية، وهو تحديد للإطار المكاني، وتعريف ببعض خصائصه، منها الخصائص الطبيعية. شخصيات الرحلة أما “دراسة في شخصيات الرحلة” عنوان الفصل الثالث، فكشفت أنساعد فيه عن الشخصيات في نصوص الرحلة المعنية بالدراسة، وصنفت أبرزها وفق وظائفها، التي أنجزتها، مركزة أولاً، على جانب الوصف، والتصوير للأفراد، وهي ساكنة، أو متحركة، منجزة لأفعال، أو متحدثة، معتنيا بالرحالين، وصفاتهم الفكرية، والنفسية، والجسدية، ثم بأصناف أخرى من الشخصيات، التي اتصل بها الرحالون، كالمرافق، وعامل الحدود”الجمركي”، والحاكم، ورجل العلم، والسياسة، وشخصيات أخرى من العامة، كالمطوف، وحادي الإبل، والشيّال، ورئيس المركب، وسائق السيارة، وقاطع الطريق، وتناول ثانيا، تصوير حياة العامة، والجماعة، الذي غالباً ما يسترجع فيه تاريخها، أو يصف حالتها الاجتماعية، وحياتها الدينية، والثقافية. بينما اعتنى الفصل الرابع للكتاب بدراسة “طبيعة الزمان وخصوصياته” في هذه الرحلات، حيث حصرت المؤلفة فيه النظر في زمنين فقط، هما: زمن الرحلة، وزمن التأليف، مع أن الأزمنة متعددة، لأنهما الأكثر قوة في الظهور، وبهما ترتبط الأزمنة الأخرى، فزمن الرحلة، وهو ما يصطلح عليه في النقد الحديث بزمن الحكاية، أو زمن القصة، يبقى أساس الزمن الثاني، وهو زمن النص، أو الرحلة المدونة، كما أن زمن التأليف، والكتابة يبرز أحياناً الزمن الآخر المقابل، وهو زمن القراءة، خاصة عندما ينصرف المؤلف عن مهمة سرد أحداث رحلته، إلى تقديم خطابات توجيهية، أو إخبارية، أو تشويقية إلى القارئ، تحيل إلى تمثل المؤلف لمُتلقٍ يستقبل عمله، ويتجاوب مع ما يقرأ سلبا، أو إيجاباً. جمالية المكان عقدت سميرة أنساعد فصل كتابها الخامس لإيضاح “جمالية المكان في الرحلات”، التي تناولت فيه على الخصوص بنوعين من المكان: مكان الرحلة، الذي يحوي في أكثر الحالات: المنطلق، والمعبر، والمقصد والمكان التاريخي، الذي يرتبط زمنياً بماض بعيد، مقارنة بزمن الرحلة، لا يمثل فضاء عايشه الرحالة، ولا يحوي أحداث الرحلة الرئيسية، بل يخص شخوصاً، ووقائع بعيدة موضوعياً، وزمنياً عن الرحالة، ورحلته. وعالجت المؤلفة “دراسة في البنية السردية” ضمن الفصل السادس، فبعد المدخل أشارت إلى ظاهرتين هما: أوضاع الصوت السردي في النصوص، والرؤية الغالبة فيها، ثم الاختلاف في مستويات الرواية التي لاحظتها من خلال دراستها للرحلات الجزائرية. وقد ختمت سميرة أنساعد مؤلفة الكتاب فصول كتابها بالفصل السابع الذي عنونته بـ”طبيعة اللغة في الرحلات”، التي درست فيه طبيعة اللغة المستخدمة في الرحلات الجزائرية، مع تركيزها على سمة التعدد، والحوارية فيها، وإيضاح توظيف الكاتب الرحالة للغات أخرى، كلغة التاريخ، ولغة الايدولوجيا، والاستشهاد بأقوال دينية وأدبية، ونقدية كثيرة، مع استكشاف المواقع النصية، وحالات الخطاب، التي يجري ضمنها الاستفادة من اللغات الاجتماعية المختلفة في الرحلات المعينة بالدراسة. وأنهت المؤلفة كتابها بخاتمة، جمعت فيها نتائج الفصول الفرعية، لتكون نظرة عامة، تركيبية عن ما توصلت إليه دراسة الرحلات الجزائرية نحو المشرق، وتعين الخصائص الفنية المشتركة، للشكل والمضمون، سواء فيما تعلق بأغراض الرحلة، وطبيعتها، وظروفها، ونوعية الظواهر المسجلة، ومكوناتها الحكائية، أو فيما اتصل بالبناء، والأسلوب، والخطاب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©