الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الرمز يختصر الموضوع

الرمز يختصر الموضوع
8 ديسمبر 2010 21:34
حينما يجتمع فنانون فإنك ترى الاختلاف، الاختلاف الذي ربما يكون هو الاتفاق في نظر الآخرين، وتلك معضلة حقاً تعاني منها الفنون جميعاً، إذ قد تسأل ما الذي يجمع هذا الشاعر بذاك وهذا القاص بذلك الروائي في هذه الأمسية أو بهذا الكتاب المشترك، فما بالك بالفن التشكيلي! للفن التشكيلي قوانين وأعراف وحقول إبداعية فرعية متنوعة، واشتغالات على مواد مختلفة ومدارس كثرت حتى لتظن أن كل جيل من فناني التشكيل في العالم يقدم رؤية مدرسية مختلفة، ناهيك عن اختراعات حاسوبية حديثة أدخلت نفسها في الفن التشكيلي من أوسع أبوابه. تلك حقيقة يجب أن يُشار لها بوضوح، أما موضوعة أن تجمع لوحات بطرائق تجميع عشوائية بلا رابط يربطها، فهذا لم يعد موجوداً، إذ لابد أن يكون هناك سبب لهذا الالتقاء، وقد يكون موضوعياً أو ذاتياً، وقد يكون خارجياً أو داخلياً، وقد يكون فنياً أو غير ذلك. قبل أيام جاءت ذكرى اليوم الوطني لتأسيس دولة الإمارات، وكان أن اضطلعت وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع بإقامة معرض أطلقت عليه “معرض الاتحاد” في دورته الثالثة، وقد ضم ما يقرب من 65 لوحة تشكيلية ومنحوتتين. إنه معرض خصص لإبداعات موظفي الحكومة وهو في ذلك يفترض الخروج من التقليدية الوظيفية إلى عالم رحب من الألوان والأشكال والطروحات والفنون والرؤى، عالم يقود المرء خارجا من رتابة الوظيفة إلى ديناميكية الفن، من نمطية الواقع إلى هدوء اللوحة وضجيجها. حيث تجاورت في هذا المعرض أعمال رسمت بالزيت على الجمفاص وأخرى بالمائيات وثالثة بالمكس ميديا ورابعة بالإكرليك، تجاورت في هذا المعرض أعمال تذهب بعيداً في الموروث المحلي وأخرى تذهب بعيداً في التجريب والحداثة. تجاورت في هذا المعرض أعمال فوتغرافية تلتقط التشييد والبناء وأخرى تلتقط الأرض خالية من أي عمران. تجاورت في هذا المعرض الألوان والناس والوجوه والجبال والصخور وحتى موجات البحر. في هذا المعرض ثمة رؤى متباينة ومجسمات لونية مختلفة وشفافية ظلالية باهتة وأخرى حادة جارحة تُبهر المتلقي. في هذا المعرض فن مدروس وآخر فطري، تجد الحروفيات التقليدية وقد لعبت على حركة الحرف ولونه، بدلالات استثنائية وقوية وأخرى قدمت الحرف بوصفه حرفاً لا غير. في هذا المعرض يتجول المتلقي في رحاب الأسود والأبيض حيث جمالية ماضوية، ويتحول ليتقافز فوق حبال الألوان وتجاورها الحذر. هنا نلتقي بالصورة الفوتوغرافية وهي تركض وراء الجمل الهارب والحصان الفارع المنساب في البراري والصحاري، ونلتقي بالصورة الفوتوغرافية وهي تقف أمام الصرح المشيد والبناء المتماسك لتلقط جماليته وأنفنة، ونلتقي بالصور الفوتوغرافية وهي تحاول أن توقف “دولاب” الهواء الذي يدور بالناس في لعبة الحياة. الثنائيات المزدوجة من أكثر الفنانين المشاركين بأعمال زيتية هي التشكيلية هداية عبيد النعيمي حيث قدمت أعمالاً كثيرة ومنها “الصقر” و”جبل وبحر” و”زهور” و”حصران” و”رأس فرس” و”جرتان” ثم “فانوسان”. صقر يفتح منقاره بالتفاتة نحو اليسار حيث لم تبن من وجهه سوى عينه اليمنى وقد لمَّ جناحيه، لعبت النعيمي على مزدوجه اليسار/ اليمين، ففي الالتفاتة إلى اليسار أخفت عينه اليسرى وأظهرت العين اليمنى، كل ذلك تجسد في لوحة أبعادها 80*80سم. وفي لوحتها “جبل وبحر” 90*90سم لعبت على اللون وإشراقة الضوء إذ توهّجت جبهة الجبل اليسرى وأعتمت جبهته اليمنى وعكس الجبل ظله على وجه البحر. واستخدمت لعبتها الأولى في لوحة “الجرتان” 80*80سم، غير أنها قدمت براعة لونية فائقة، ووزعت الضوء بحرفية واضحة، وأتقنت تجسيد الزوايا. وللتشكيلية النعيمي أعمال أخرى وهي “جرتان 2” و”البومة على الغصن” والظلال المعتمة بحبكة طرف الريشة المتأنية. ويبدو لي من خلال لوحتها “رأس فرس” أنها قد استخدمت الزاوية نفسها في لوحتها الأولى “الصقر” إذ أخفت الجبهة اليسرى من وجه الفرس وأضاءت الجبهة اليمنى، غير أنها أظهرت كتف الفرس اليسرى وأخفت اليمنى، وهو لعب على الجسد التشريحي للحصان، وأعتقد أن ذلك لم يأت إلا من حس عالٍ بأهمية الجانب التشريحي للأشياء في اللوحة وهو علم مدروس ومتفق على أهميته. في لوحتها “فانوسان” نجد جانباً مهماً هو اشتغال النعيمي على الثنائيات، فقد رسمت “جرتين “، كما رسمت “فانوسين” وهي في كلتا اللوحتين حاولت أن تجعل إحدى الجرتين والفانوسين وقد مال على الآخر في إسقاط إنساني راق. طاقة تعبيرية في هذا المعرض قدمت مريم سالم موسى لوحتها “زهور” 70*70سم بشفافية لونية وبرقة الزهرة وبأرضية زرقاء حاولت مريم سالم أن تبهج الزهر نفسه، تدعوه للتفتح في لوحتها، تعطيه كامل طاقتها التعبيرية للإفصاح عن ذاته. وتطالعنا حروفيات سعيد العامري الذي قدم 4 لوحات حروفية اشتملت على كتابة “ماشاء الله” و”إن مع العسر يسرا” و”محمد صلى الله عليه وسلم” وأخيراً “أحمد” بمساحة 40*40سم، وقد استخدم تقنية الجسد والظل حيث المعكوس من الحرف مع متقابله، الجسد ومعكوسه وكان الأجمل لو استخدم العامري هذه التقنية أيضاً في التقابلات اللونية في اللوحة، حيث برع في الحرف ومعكوسه فكان لابد له أن يتمم هذه البراعة في اللون. أما ثابت النعيمي فقدم لوحة “الرجل وظله” 60*60سم في أجمل مشهد لامتداد أفقي خرج من الذراع الأيسر للرجل الواقف على يمين اللوحة، وقد كسر النعيمي هذا السواد الطاغي بتدرجات اللون الصحراوي والجوزي الباهت في الأسفل وكأنه يقدم من خلاله “قارباً” يرتحل إلى المستقبل حاملاً جسد رجل ينظر إلى مستقبله. ونشاهد أعمال سلوى عبدالله البريكي عبر اسكتشات 4 لنساء يعرضن أثواباً بأشكال وألوان مختلفة، إنها محاولة تجريب الأحمر والأزرق والأصفر والصحراوي في مساحة 25*25سم. الموروث المحلي وتأخذنا نيفين نعيم إبراهيم في لوحتيها “القلعة” و”الصياد” إلى عالم الموروث المحلي، السكون والصمت يقابله الحركة والتأمل، قلعة على البحر وثمة موجة وباب بعيد وشبابيك تطل على الساحل، وفي اللوحة الأخرى “الصياد” نجد قارباً في الخلف وصياداً يجمع شباكه وحركة لليد اليمنى تقابلها حركة أخرى لليد اليسرى تحت الشباك. وبين القارب في الخلف والصياد بحر ممتد على جبهتي اللوحة اليمنى واليسرى، وكأن نيفين نعيم وقد التقطت الصياد على قاربه يلم شبكة صيده، قاربه الذي اختفى من مقدمة اللوحة وكأن الصياد عند شاطئ البحر. ولنيفين نعيم أعمال أخرى وهي “دلال قهوة” وحروفية “قل هو الله أحد” في استخدام للأيقونة الإسلامية والمربع الفسيفسائي والتخزيم . بالأسود والأبيض، وبالفحم على الورق قدمت هدى محبوب لوحتها “النمر ولبوته فوق حافة الجبل” مثلما قدمت “كمان” و”دوامة” بأحجام 60*70سم. في لوحتها “كمان” وضوح الجسد الباذخ، اللامع، باتكاء المتعب، حيث تشعرنا هدى محجوب بأن كمانها آن له أن يستريح بعد جهد طويل أعياه، وبالرغم من ذلك فهو لا يزال يحتفظ ببريقه ولمعانه، إنها استراحة محارب، ينفث النغمة بحزن شديد، لونه القاتم ينفتح على أرضية الجدار الصفراء المتوهجة بضوء شفيف. امتزاج الفنون وينفتح سمير أحمد الحاج على عناصر كثيرة، لا يمكن الإمساك به من خلالها فهو يتجه إلى التجريد الكامل عبر المجسمات الحائطية، والتصورات الحداثية لعلاقات أجساد الحائط، وهو في الآن نفسه يتجه أيضاً إلى كلاسيكية تجمع رموزاً متعددة بكل أنماطها وأبعادها، ففي الأولى نرى له أعمالاً تجسيمية تعود بنا إلى التجريد وتقابل الزوايا وتداخل الأجسام والسطوح والظلال والأضواء، وفي الثانية نجد بحراً وقارباً ورجلاً صياداً يحمل فانوساً وثمة ألوان كثيرة، تتعدد فيها المعاني والترميزات. ويقدم وليد الزعابي رؤية من خلال كلمة “الله” على أرضية حملت سجادة كتب عليها “سبحان” في تقابل معكوس في لوحة مساحتها 80*100سم. استخدم الزعابي لونين “الأسود والأحمر” في محاولة كسر المألوف الذي يستخدم “الأسود والأبيض” أولاً ثم أنه أبرز كلمة “الله” من أعلى اللوحة إلى أسفلها، حيث تجلس أجساد الحرف المكونة كلها على قاع اللوحة، وقد ظهرت الأرضية حاملة معها “سبحان” ليكونا “سبحان الله”، وكأن الزعابي يقابل “الرحمة/ الله” البارزة بالأسود “بالعقاب/ سبحان” القادر التي توهّجت بالأحمر على أرضية للوحة. الترميز غير التقليدي حاول عبيد سرور أن يقدم الأبيض الممتزج بالصحراوي عبر الترميز لمدينة ناهضة وأوراق الشجر المتفتحة بالأحمر والأخضر والأسود على أرضية هذه المدينة البيضاء، أنها تعبير وطني باللون عن العلم الإماراتي الذي يحمل هذه الألوان الأربعة ليثبت الأحمر والأخضر والأسود على وجه المدينة ذات القلب الأبيض، في الوقت الذي نجد في لوحته الأخرى الكبيرة 130*100سم جميع رموز المدينة الإماراتية “أبوظبي” و”دبي” ونجد أبراجها “برج خليفة” وهي علامات بارزة للتشييد، وبشكل فني غير تقليدي. قدم عبدالكريم سكر لوحتين، “فتاة حالمة على كرسي”، و”صياد”، وأرى أن اللوحة الأخيرة حملت اللاتقليدية بعينها، إذ البحر الهائج والصياد الفارع يجلس وسطه بثقة كبيرة، ليس ثمة قارب، وخيطان بعيدان يرمزان لشبكة الصيد وثمة بحر وصياد، هل البحر امرأة؟ تساؤل ينبثق من الموجة التي حملت وجه امرأة. عبدالرحيم سالم في لوحتيه 80*100سم قدم شكلين تعبيريين لجسد رجل يحلم بالقوة ولآخر في لوحته الثانية أكثر حكمة بالضوء. استخدم سالم رمزية اللون ودلالته بالتعبير عن دلالة المعنى الإجمالي للوحة، وفي لوحته الثالثة ثمة عالم آخر، نساء ملتحفات وأشكال ترميزية. سوسن محمد تقدم لوحة تعبيرية ممزوجة بالواقع لبحر وسماء وموجة وطير يأتي من بعيد وكأنني أسمي هذه اللوحة بـ “الموجة والطائر” اللذين يتناغمان كما يبدو. أما علاء محمد عبدالغفار فيتلاعب بالشكل الأيقوني ليبثه رموزاً في لوحته، التي تضمنت باباً قديماً وأيقونة ساحرة لأشكال هندسية متجانسة، بأبعاد تقدم معنى، وسلسلة من الحديد تؤطر لقيم اجتماعية كما يبدو. شيخة عيسى تقدم 3 لوحات “أوراق غصن على الأصفر” و”وجوه متقابلة” و”وجه” وهي في تلك الأعمال تنحو منحى رومانسياً من جهة في “أوراق غصن على الأصفر” وترميزياً في “وجوه متقابلة” وتعبيرياً في “وجه”، إلا أن اللوحة الأخيرة تحمل أيضاً رمزيتها، إذ حاولت شيخة عيسى أن تقدم رؤيتها في كيفية كسر الجدار الذي استطاع هذا الوجه أن ينظر منه، وربما أجد في “أوراق غصن” أنها أقرب إلى الفوتوغرافيا وأتساءل: هل هي براعة الفنانة؟ الإخفاء والإظهار حاولت فاطمة اليماحي أن تقدم صانع “الكراكير” بشكل هادئ وكأنها أرادت أن توحي بالموروث والتأمل التاريخي للحظة الصمت تلك، أنها لوحة امتزج فيها اللون مع انفتاح اللوحة على زاوية واسعة من أمامها. 3 لوحات لشيخة النقبي، جسَّدت وجه “امرأة ملثمة بالأحمر” و”دوامة” و”الحالمة” وتستوقفنا لوحة “المرأة الملثمة” التي برزت منها فقط عينان وكفان في ثنائية تقابلية بين الإخفاء/الإظهار، لقد اختفى الجسد، الرأس ولم يبق إلا عينان، يدان، وثوب أحمر فاقع يقترب من المحرم. ولمريم النعيمي صورتان فوتغرافيتان وهما “جمال” و”عين الإمارات” حاولت من خلالهما أن تلتقط حركة الجسد.. سيقان جمال الصحراء الوئيدة ودوران عين الإمارات في حركة تشابه حركة الحياة، هذا بالاضافة إلى ما في اللوحتين من لعب جميل على الضوء والظل، إذ عين الإمارات تعكس صورتها في لجة البحيرة وكأن البحر يحملها والسماء تحملها معاً في تشابه كلّي. وكانت مشاركة النحت واضحة من خلال عملين لمصطفى حسن هما وجه بالأبيض وآخر بالخشب. وجه من الجص الأبيض اللامع. وجه حاد، قاطع لامرأة تلبس نقاباً، وقد انسرحت على جهتي رأسها “الشيلة” وهي تتطلع بعينين مفتوحتين إلى أفق آت. كذلك في الوجه الآخر على الخشب، ربما هي المشاعر نفسها والوجه نفسه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©