الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لبنان وإسرائيل والحرب الدائمة

8 ديسمبر 2010 21:47
أول ما يستهوي القارئ لكتاب “اسرائيل: الحرب الدائمة اجتياح لبنان 1982” لمؤلفه محمد خواجة هو الأسلوب المؤلف الواضح والموضوعي، فلا مخبآت بين السطور، ولا أحجيات وراء الكلمات. ولم يكن متحجراً ولا متزمتاً بل مؤمناً بقضية... من أجل الوطن واستمرارية وجوده، يحدد أهدافه في الصفحات الأولى من كتابه، بصيغة جديدة، وبكشف الحقائق أمام من لم يفهم، أسلوب للتعبير عن مبادئ تتعلق بحقائق يؤمن بها ويدافع عنها، بكل العزم والصراحة. يورد المؤلف الوقائع، بسرد مشوّق ممتع، بعيدا عن الإطالة وبواعث السأم... سطوره مداميك في صرح كلامي متماسك يجسد أفكاراً ويوضّح ملامح... انه كلام العارف للحقائق والكاشف للبواطن، في زمن السطحية والانجراف بماء ضحل. يمارس لعبة لغوية جاذبة، يتداخل فيها المعنى بالمبنى. إذا كان المكتوب يقرأ من عنوانه، فإن مجرّد الإطلاع على عناوين فصول ومقاطع يدل على زبدة المضمون... ويستطيع القارئ أن يتخيّل التفاصيل، سيما إذا كان القارئ بقي في لبنان، خلال الحرب وعايش الفترة، الذي يتحدّث عنها المؤلف، وقد تكون التفاصيل ضرورية أيضاً لتنوير أذهان المهاجرين من اللبنانيين، أو المغتربين منهم، وللقارئ العربي أيضاً بمعرفة الحقائق. بداية وتداخلات ففي الفصل الأول يعرض المؤلف أربعة أوضاع، يبدأ بالوضع الداخلي وفيه يشرح كيف انطلقت عجلة الحرب الإسرائيلية المرتقبة، التي لم تكن مفاجئة لأحد. كما ذكر أيضاً أنها ليست الأولى، بل أتت في سياق اعتداءات وأعمال عدوانية مستمرة على لبنان. دخول اسرائيل سنة 1970 الى منطقة العرقوب. وعمليات اعتداء أخرى 1972 ـ 1978 والأكثر قسوة كان اجتياح لبنان العام 1982، حيث التدمير والخراب. يذكر المؤلف الحرب الأهلية، التي كانت كافية للفرز السياسي والطائفي، حيث عملت قوات أحزاب الجبهة اللبنانية، الكتائب والأحرار وحراس الأرز على تصفية الجيوب غير المسيحية في مناطقها؛ ونفذت اعمال قتل بحق أهاليها، واقتلعت تلك القوات مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بعد ارتكاب بحقهم مجازر منظمة. إبان تلك السنوات تبدلت المواقف وانقلبت التحالفات الداخلية والإقليمية؛ فاستجاروا في العام 1976 بالقوات السورية التي دخلت لبنان عام 1976، لإبعادها سيطرة إسرائيل ومنع التقسيم. لكن وفي سنة 1978 وقعت معركة الأشرفية، التي اطلق عليها الكتائبيون حرب المئة يوم، وهدفت الى طرد الجيش السوري من المناطق المسيحية. وناشد قادة الجبهة اللبنانية تل ابيب التدخل ومد يد العون؛ كما نشطت حركة البواخر بين ميناءي حيفا وجونية، وعلى متنها إرساليات السلاح والذخائر إلى احزاب الجبهة. وبعد سيطرة بشير الجميل على جميع أنحاء منطقة نفوذه، أنشأ جيشاً مقاتلاً شبه نظامي، بمساعدة اسرائيل التي وفرت له التدريب والتسليح، وأوكل إليه مهمة حفظ الأمن والدفاع عن المناطق المسيحية. بعد تجديد الثقة بحكومة مناحيم بيغن، وتولي آرييل شارون منصب وزير الدفاع، وحكومة الليكود الثانية، التي هي حكومة حرب، وسيكون مسرحها لبنان مرة جديدة، سعى بشير، خلال زياراته الى كل من واشنطن وتل ابيب، لكي لا تكون الحرب المقبلة محدودة كسابقاتها. وأن تؤدي الى القضاء على منظمة التحرير والوجود الفلسطيني في لبنان، إضافة الى طرد الجيش السوري منه، لاعتقاده بأن تحقيق هذين الهدفين، سيفتح الأبواب الموصدة في وجهه، ويوسع حدود طموحه من زعامة الدويلة المسيحية الى رئاسة الجمهورية. مشهد إقليمي أما المشهد الغربي والاقليمي فيقول عنه المؤلف بأنه لم يكن أفضل حالاً من الوضع اللبناني؛ فخروج مصر من دائرة الصراع مع إسرائيل بعد اتفاقية كمب دايفيد، ضاعف من حال التفكك والانقسام العربي. ووسّعت الشرخ الحرب العراقية ـ الإيرانية ما بين الأنظمة العربية التي وقفت غالبيتها خلف صدام حسين، لا سيما دول الخليج، كما قربت تلك الحرب بين النظام العراقي وبين الولايات المتحدة ودول الغرب، بخاصة فرنسا التي سارعت إلى إمداد القوات العراقية، بأسلحة متطورة، بعدما جمعهم العداء المشترك للجمهورية الإسلامية. عمدت حكومات عربية عديدة إلى محاصرة سورية، لتحالفها ايران، ونشطت الأجهزة الأمنية والأجنبية، بما فيها الإسرائيلية على الساحتين اللبنانية والسورية، اللتين شهدتا عمليات تخريب أودت بحياة الكثير وهدفها زعزعة الاستقرار، وتأليب الرأي العام على حكم الرئيس الأسد. وقام النظام العراقي بتسليح ودعم القوات اللبنانية، لإضعاف الوجود السوري في لبنان وإرباكه. ويذكر المؤلف أيضاً كيف حجبت الحرب آنذاك في الخليج القضية الفلسطينية، التي فقدت الكثير من تأثيرها على الساحتين الإقليمية والدولية. وهذا ما شجّع العدو على تنفيذ عدوانه ضد لبنان. وفي الوضع الدولي يعرض المؤلف كيف جاء الغزو الإسرائيلي للأراضي اللبنانية في ظروف دولية مثالية؛ وباعتبار الكسندر هيغ وزير خارجية الولايات المتحدة في إدارة ريغن، وعرض رؤيته الشرق أوسطية لمناحيم بيغن وإسحق شامير، بالقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، وتقويض النفوذ السوري في لبنان سوف يضعف حلفاء موسكو، ومواجهة خطر السوفيات وعملائهم، عندها اميركا تكون قد قامت بالتزامها بأمن اسرائيل الذي هو اساس السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. ووقعت مذكرة التفاهم بتاريخ 30 تشرين الثاني 1981 بين شارون ونظيره كاسبار واينبرغر، بدعم الكيان الصهيوني واعطاء الضوء الأخضر لغزو لبنان. وفي ذاك الوقت، كان الاتحاد السوفياتي يمر بمرحلة مخاض مصيري، فالصراع على أوجهه بين أجنحة القيادة السوفياتية المتعددة، على وراثة ليونيد بريجنيف الذي اتسم حكمه بالتخشب والبيروقراطية والتراجع الاقتصادي. وتورط موسكو نهاية عام 79 في الصراع الأفغاني، بزج أكثر من خمس فرق عسكرية، لحماية النظام الموالي لها في كابول. وعوامل كثيرة أضعفت اقتصاد الاتحاد السوفياتي المنهك أصلاً، مما همش موقفه تجاه الحرب الإسرائيلية على لبنان. وفي الوضع الإسرائيلي يقول المؤلف أنه في تاريخ الكيان الإسرائيلي لم يحدث تناغم بين الأهداف الاسرائيلية والاهداف الاميركية، كما حصل عشية حرب لبنان الأولى، نالت حكومة بيغن الثانية ثقة الكنيست خلال شهر آب 1981، واعتبر المحللون الإسرائيليون تولي آرييل شارون حقيبة الدفاع، دلالة حتمية وقوع الحرب، وعمل منذ لحظة توليّه مسؤوليته على استكمال عدة الحرب. الشرارة الأولى أما في الفصل الثالث يشرح المؤلف كيف أطلق مجهول النار مساء الثالث من حزيران العام 1982، على السفير الإسرائيلي شلومو آرغوف، في لندن. وأظهرت تحقيقات الشرطة البريطانية من بعد القاء القبض عليهم انهم ينتمون إلى جماعة صبري البنا أبو نضال، المنشقة عن حركة فتح، والمناهضة لياسر عرفات ومنظمة التحرير. تجاهلت الحكومة الإسرائيلية هذه المعطيات، واتخذت من محاولة الاغتيال ذريعة كافية لإشعال شرارة حرب لبنان الأولى. وكانت اللحظة المنتظرة كما يقول المؤلف بإطلاق رفول ايتان العنان لطائرته التي أغارت يوم الجمعة 4 حزيران، على عشرات الأهداف في بيروت والجنوب إلخ... وكان إيتان يدرك بأن الهجوم الجوي سيجلب رد فعل من الفلسطينيين، ما سيسمح للجيش الإسرائيلي بتنفيذ الخطة الموضوعة منذ زمن بعيد. فأقدمت المدفعية الفلسطينية على قصف مستوطنات إصبع الجليل، لا سيما مستعمرة كريات شمونة. بعد ظهر اليوم التالي التأمت حكومة مناحيم بيغن في منزله بحضور شارون الذي قطع زيارته لرومانيا. واتخذت قرار بدء الهجوم وباشرت دكّ المخيمات الفلسطينية وبعض البلدات الجنوبية من الجو والبر والبحر. معلنة ان هدف هذه الحرب إبعاد مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية حتى مسافة أربعين كيلومتراً من الحدود. وقبل ظهر الأحد 6 حزيران، اندفعت القوات الإسرائيلية الى داخل العمق اللبناني عبر ثلاث قطاعات رئيسية: القطاع الغربي، معركة عين الحلوة، معارك القطاع الأوسط، معركة جزين، معركة عين زحلتا، معارك القطاع الشرقي، تدمير الصواريخ السورية، معركة السلطان يعقوب، معركة خلدة، التي وفيها أدت عملية الصمود الى كبح الهجوم الإسرائيلي كما يروي المؤلف؛ فالقوات الغازية التي وصلت خلال أقل من 72 ساعة إلى أبواب بيروت، أجبرت على خوض مواجهات شرسة في تلك المنطقة. يعرض المؤلف أيضاً كيف يتذكر الرئيس بري تلك المرحلة قائلاً: استطاع المجاهدون أن يصمدوا في خلدة، ما أتاح لنا، وللفلسطينيين، أن نلتقط أنفاسنا، ونبدأ في بناء التحصينات، ونقيم العوائق في وجه التقدم الإسرائيلي، ولو أن حركة أمل لم تصمد في خلدة، لكان العدو باغتنا باحتلاله بيروت وقبض علينا في بيوتنا. معارك ومفاوضات الفصل الرابع يستعرض معارك بيروت وأعمال القصف والقتل التي ارتفعت وتيرتها في الثلث الأول من شهر آب، كان فيليب حبيب يضع اللمسات الأخيرة على اتفاق إجلاء المقاتلين الفلسطينيين من بيروت. وقدم خطة مفصّلة للإسرائيليين في 10 آب، تضمنت خروجهم مع الجنود السوريين، بإشراف القوات المتعددة الجنسيات، المؤلفة من وحدات أميركية وفرنسية وإيطالية. رفض شارون الخطة الأميركية، وأصر على أن يشرف الجيش الإسرائيلي، لا القوات المتعددة الجنسيات، حيث صعّد الموقف العسكري، وعادت وقبلت إسرائيل ومنظمة التحرير على خطة فيليب حبيب، الذي أدار مفاوضات مباشرة مع السوريين والإسرائيليين، وغير مباشرة مع ياسر عرفات عبر الرئيسين شفيق الوزان وصائب سلام، الذي تمنّى عليه إخراج مقاتليه من بيروت. وبدأ الفلسطينيون يستعدون لمغادرة المدينة التي بذلت في سبيل قضيتهم أكثر من أي عاصمة عربية أخرى. وفي الفصل الخامس وتحت عنوان احتلال عاصمة عربية وفي يوم الجمعة 20 آب، رست السفينة اليونانية سول غيورغوس في ميناء بيروت، لتقل على متنها في اليوم التالي، الدفعة الأولى من المقاتلين الفلسطينيين، واستغرقت عملية إجلائهم مع الجنود السوريين حتى نهاية شهر آب. وفي أثناء ذلك فرض على النواب اللبنانيين في 23 آب انتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية. باعتبار اسرائيل وصول بشير الى موقع الرئاسة، بمثابة تتويج نجاح لهم. ومطالبتهم بإيفاء تعهداته تجاه اسرائيل، وتوقيع اتفاقية سلام معها خلال شهر من تنصيبه رئيساً. ويروي شارون تفاصيل لقائه مع بشير في بكفيايوم 12 أيلول قائلاً: تم الاتفاق على البدء بمفاوضات مباشرة في أسرع وقت ممكن، وشرعنا في درس طبيعة اتفاقية السلام التي نصبو اليه. وقد حددنا موعداً جديداً في 15 أيلول لبحث تفاصيل هذه القضية، بمشاركة وزير الخارجية إسحق شامير... ولم يلتق الرجلان في 15 ايلول، فقبل الموعد المضروب تحديداً يوم الثلاثاء 14 ايلول، عند الساعة الخامسة عصراً، اغتيل بشير الجميل مع عدد من معاونيه ومرافقيه بواسطة تفجير. وفي ختام هذا الكتاب، يعرض المؤلف عن المفاهيم القتالية التي تبناها الجيش الإسرائيلي مجدداً، والعودة لفكرة الجيش المناور، لا تصلح لحروب المستقبل. وإن تبنّي هذه المفاهيم يحرم الجيش الحديث من استغلال قدراته التسليحية والتكنولوجية المتطورة. ويعتقد أصحاب هذه الرؤية بأن مذهب النار عن بعد لم يجر تطبيقه على الوجه الأمثل في حرب لبنان الثانية. وباعتقاد المؤلف أن الإسرائيلي سيضع تجربة حربي لبنان الأولى والثانية في الحسبان قبل الشروع بمغامرة جديدة. لقد امتاز أسلوب المؤلف ببراعة ما بعدها براعة، بالعرض والسرد الواصل ما بين البواطن والظواهر، ويستنبش ذاكرة الأحداث... هذه هي حال المؤلف محمد خواجة حينما كتب إسرائيل: الحرب الدائمة اجتياح لبنان 1982 فيقع الكتاب في 233 صفحة مكثّف، مع مزيد من صور وخرائط...
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©