الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجلاّد والضحية فوق خشبة واحدة

8 ديسمبر 2010 21:54
الإنسان، الهوية، الحياة، الضحية، الجلاّد، الصمود، التحدي.. صور وملامح عديدة تشكل (حالة) فريدة في إيقاع المسرح في فلسطين، بدءا من انطلاقته الأولى (1920 ـ 1930) يوم أن أقبل الشباب الفلسطيني على تأسيس الفرق التمثيلية والنوادي الأدبية بعد مشاهدتهم لفرق جورج أبيض ورمسيس والريحاني وعلي الكسار المصرية، وهي تقدم العروض المسرحية التي تمجد الحرية وتلهب الحماسة ومشاعر القومية العربية في وجدان الإنسان العربي. لاسيما ما كتبه للمسرح بعد ذلك كل من نصري الجوزي (كتب 13 مسرحية من بينها “تراث الآباء” وتستهدف الدعاية ضد بيع الأراضي في فلسطين لليهود)، وجميل بحري، وانتشرت فكرة المسرح وإنشاء الفرق التمثيلية حتى وصل عددها قبل نكبة 48 وفي مدينة القدس وحدها ما ينوف على 30 فرقة، وانتهاء بوقتنا الحاضر حيث أصبح للفلسطينيين مسرحهم في الأرض المحتلة وفي أراضى عام 48، حيث تتصدر فرقة (مسرح القصبة) واجهة المسرح المقاوم هناك. ومن يتذكر عرض الفرقة الذي قدمته في إحدى دورات أيام عمان المسرحية بعنوان “العذراء والموت” عن نص للكاتب (اريئيل دورفمان) وتطرح أسئلة كثيرة حول علاقة (الضحية) بـ(الجلاد) وهل مطلوب من الضحية تناسي ما فعله الجلاد الذي قمعها في فترة الاحتلال الاستعماري، يعرف أن الجواب جاء من حالة الإنسان الفلسطيني وواقعه المؤلم وفي هيئة صرخة وإدانة للاحتلال ودعوة لمقاومته بشتى الطرق. وهناك أيضا مسرحية أخرى للفرقة بعنوان “المتشائل.. المتفائل” المأخوذة عن رواية إميل حبيبي، وتشير إلى أسباب الهزيمة وضياع فلسطين، والتخاذل عن التحرير والنكوص إلى الخلف في جرأة مسرحية نادرة على مستوى الكلمة والمضمون السياسي الذي يدعو إلى مواجهة فكرية تاريخية إنسانية ضد المحتل. صدمة استلاب فلسطين من قبل الصهيونية العالمية كانت أحد أهم الأسباب التي أدت إلى اشتعال جذوة المقاومة من جانب المسرح وظهور العديد من الكتاب الذين وضعوا نصب أعينهم استثمار فن المسرح في حفز الجماهير نحو النضال والتحرير وترسيخ الهوية الوطنية، وكان من هؤلاء الكتاب برهان الدين العبوشي الذي كتب مسرحية “وطن الشهيد” وتدعو إلى العمل العربي الموحد ضد نشاط اليهود في فلسطين، كما كتب محمود محمد بكر هلال مسرحية “فلسطين” موظفا من خلالها بعض مفردات وطقوس التراث الفلسطيني، لتأكيد الجانب الإنساني في النضال ضد الغزاة الجدد. بدايات مع أول طلقة بندقية وقيام الثورة الفلسطينية العام 1965 كانت الانطلاقة الجديدة لظهور بوادر نشاط مسرحي فلسطيني من نوع آخر، وكانت المحطة الأولى بتأسيس (جمعية المسرح العربي الفلسطيني) العام 1966م، واتخذت من دمشق مقرا لها، وكان من أهم أهدافها: التوعية بالقضية الفلسطينية، ومقاومة الثقافة الصهيونية من خلال كشف الأكاذيب وفضح المخططات والمؤامرات التي حيكت لسرقة وطن وشعب بأكمله.. وزارت الفرقة كافة العواصم العربية وتخللت عروضها المسرحية موسيقا تراثية وأزياء فلكلورية شعبية، وأغان وأناشيد ثورية، إلى جانب المضامين المدروسة المركزة، بهدف إحياء التراث الشعبي وحمايته من الضياع. ومن أهم المسرحيات التي قدمتها الفرقة “شعب لن يموت” من إخراج صبري سندس، وتبرز المسرحية تأثير التعذيب القمعي الذي تمارسه قوات الاحتلال في السجون الإسرائيلية وتنتهي بموت البطل السجين، وتفضح المسرحية أكاذيب الصهاينة في الحرية واحترام حقوق الإنسان والديموقراطية، وأنها ليس إلا مجرد ادعاءات ملفقة مثل تاريخهم المزيف والملطخ بالدماء. و”حفلة من اجل 5 حزيران” للراحل سعد الله ونوس واخراج علاء الدين كوكش، وتعتبر أول مسرحية عربية سياسية متكاملة عقب نكسة 67، وفيها مناقشة جريئة للهزيمة وتأكيد على عنصر المقاومة. الشعر والمسرح المقاومة منهاجا وضرورة وممارسة كانت الدعوة التي وجهتها مسرحية “الطريق” التي جاءت بعد مرور 20 عاما على النكبة، وتحدثت المسرحية عن ثوار يصنعون ثورة. وقد لعب شعراء وكتاب فلسطين دورا مهما في دعم حركة المسرح المقاوم على نحو ما فعل الشاعر سميح القاسم حينما كتب مسرحية شعرية بعنوان : “قراقاش” وتحكي عن ديكتاتور بغيض اسمه قراقاش يقود قومه المضللين إلى السلب والنهب والقتل والتدمير على حساب شعوب أخرى، والمسرحية رمزية تحمل الكثير من الدلالات وتم فيها استخدام تقنية (الإسقاط المسرحي) لتتناسب ومواجهة الفلسطينيين للاحتلال.. وقد اعتبر بعض النقاد أن قراقاش تصلح لان تكون أول أوبريت سياسية تدين الفاشية والطغيان في أدب المقاومة العربي. وفي السياق الرمزي أيضا كتب الشاعر الفلسطيني معين بسيسو مسرحيته الشعرية المشهورة “شمشون”. وقد أشار فيها إلى شمشون ورمز به إلى القوة العسكرية الإسرائيلية أو الغاصب. وفيها أيضا يشير إلى رفض الفلسطيني لموقف (اللاجئ الذليل) الذي يعتمد على عطف العالم وإحسانه، إنما هو من يريد أن يدق قلب العالم وأن يعيد وطنه بدمه ومقاومته وإصراره على التحدي، وقد تمثل ذلك في شخصية ريم الفلسطينية التي أنشدت في نهاية المسرحية وهي ترى شمشون وقد قفز إلى مدفعه محركا إياه في كل اتجاه فيكون منظره كمن يدير طاحونا: “ريم: در حول المدفع.. هذا هو طاحونك يا شمشون.. ستظل تدور إلى أن تسقط.. هذا هو قدرك”، ولعل هذه هي النهاية التي يتصورها الكاتب لمصير الاحتلال.. ونرى ذلك أيضا في مسرحيته “ثورة الزنج” مستخدما فيها تلك الثورة التي قامت في القرن الثالث للهجرة وسيلة لإسقاط الأحكام على الثورة الفلسطينية، غير أن بسيسو لا يكتفي بأن يقيم هذه العلاقة بين الثورتين، بل كان يتطلع إلى أن ينشئ علاقة أخرى بين نكبة فلسطين وبين نكبة الهنود الحمر.. أما الشاعر هارون هاشم رشيد فقد كتب مسرحية بعنوان “السؤال” عام 1973، وتمتاز بأنها تضرب بعيدا في تاريخ القضية، كما توضح أن الثورة ضد الاستعمار البريطاني والغزاة الصهاينة قد كانت ثورة فلاحين وعمال وطلاب الأمر الذي افزع بعض العرب.. وأبقت المسرحية على أسئلة حائرة كثيرة من خلال النهاية المفتوحة أهمها: إلى متى يبقى الفلسطينيون في مفترق الطرق ما بين الأصدقاء والأعداء؟ وفي العام 1964م، كتب غسان كنفاني مسرحية “الباب” ليعلن من خلالها رفضه لفكرة السلطة المطلقة التي تستعبد الإنسان، مقابل أن تمنحه الكفاف، وفيها دعوة لنبذ الخوف من الموت أثناء الثورة. وربما تكون مسرحية “زهرة من دم” التي كتبها سهيل إدريس من أجود المسرحيات التي تحكي عن مقاومة ونضال الأسر الفلسطينية للاحتلال من خلال تبني العمل في المجموعات الفدائية. سجال في ثقافة المواجهة، يدعي الصهاينة أن الفلسطينيين لم يكن لديهم مسرحا بالمعنى الصحيح كما ادعى أحد كتابهم (يعقوب لنداو) في كتابه “دراسات في المسرح والسينما عند العرب” وقد ترجمه إلى العربية أحمد المغازي وصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1972م، وقد ادعى كعادة اليهود في تزييف الحقائق، إن اليهود الذين وفدوا من العراق ومصر إلى فلسطين، هم الذين أسسوا المسرح الفلسطيني بأن مثلوا روايتي: “التعويذة” و”مجنون ليلى”. وفي المقابل فان الكتاب الفلسطينيين اسهموا جديا في دحض تلك الادعاءات الصهيونية، وخاصة الكاتب نصري الجوزي المقدسي، الذي أوضح ضمن سلسلة من البحوث والدراسات، أن الفلسطينيين عرفوا المسرح من خلال الجمعيات الخيرية التي قامت في فلسطين قبل إعلان الدستور العثماني سنة 1908، ومنها جمعيات: الغيرة المسيحية، وشباب الروم الأرثوذكس، وجمعية تهذيب الفتاة الإسلامية، وجمعية النهضة الاقتصادية العربية التي دعا إلى تأسيسها نجيب نصار صاحب جريدة “الكرمل”، وقد وعى الرجل ما كان يبيته الصهاينة لعرب فلسطين خاصة والبلاد العربية عامة، وفي جانب الكلمة الصحافية والمسرح اسهم في كتابة مسرحيتين وطنيتين هما “مجد العرب” و”وفاء العرب” وقد مثلتا في حيفا والناصرة عام 1919، وكتب عبد الستار عن الفن المسرحي في فلسطين العربية بقوله: “لأول مرة في فلسطين العربية تتألق فرقة تمثيلية هي فرقة الكرمل التمثيلية، قامت بعرض رواية تراجيدية هي هاملت لشكسبير من تعريب طانيوس عبده واخراج الأديب جميل الياس الخوري وكان لتكاتف المسلمين والمسيحيين في الجمعيات، الفضل في عقد أول مؤتمر فلسطيني رسمي في حيفا، وقد سعى أفراد الجمعيات إلى تعزيز دور الكلمة والأدب في تقديم مسرحيات تنبه الشعب إلى الأوضاع الاجتماعية السائدة وقتئذ.. لقد كان ضروريا الإشارة إلى هذه المسألة لإبراز دور الجمعيات والكتاب في تبني فكرة مقاومة الصهاينة من خلال الكلمة والحوار وإيقاظ الناس إلى ما يحيق بتراثهم وهويتهم الوطنية من جانب الأعداء”. يجدر بنا أن نشير إلى الفترة ما بين 1918 وحتى العام 1984 شهدت تأسيس العديد من الفرق المسرحية الفلسطينية التي أسهمت في تكوين نواة وأرضية لفرق المسرح الفلسطيني المعاصر ومنها: فرقة نادي الشبيبة في يافا، وقدمت عروضها على مسرح المدرسة الوطنية، وجمعية شعبة المعارف المسرحية في مدينة عكا الفلسطينية، والنادي الأدبي في الناصرة، وجمعية الآداب الزاهرة وجمعية الفنون والتمثيل في القدس، وغيرها من الفرق والأندية التي ركزت على تقديم المسرحيات الجادة التي تمجد القومية العربية، وانتصارات المسلمين، مثل مسرحية: صلاح الدين الأيوبي، وشهداء العرب أو فظائع جمال باشا السفاح، فتاة عدنان وشهامة العرب، وعنترة بن شداد، والحق يعلو، وفي سبيلك يا وطن وكتبت العام 1935، من تأليف شفيق ترزي وهدفت إلى التمسك بالأرض والتضحية في سبيل الوطن.. وبالمقابل فإن الفرق المسرحية الفلسطينية المعاصرة تركز إلى جانب المضمون على مهمات فنية ومسرحية أخرى مثل الموتيفات الشعبية والأزياء والإكسسوار والأغنيات والألحان الشعبية الفلسطينية القديمة والتراثية إلى جانب الكلمة في خطوة لترسيخ فكرة الهوية الوطنية بمواجهة الفكر الصهيوني.. ومن الفرق المعاصرة التي تعمل في هذا الاتجاه (فرقة الحنونة للفنون الشعبية والمسرحية الفلسطينية) ومن أهم مسرحياتها التي قدمتها العام 2000 “زمن النعمان” وهي عمل غنائي درامي استلهم من أسطورة البطل الشعبي، من تأليف وإخراج خالد الطريفي، وتتناول قصة الإنسان المتماهية مع قصة السيد (المسيح) الذي يختار أرض فلسطين ويتصدى بعد ذلك لكل أشكال الاحتلال والغزو، وقد أكد العرض الذي قدم على المسرح الجنوبي بمهرجان جرش الأردني للثقافة والفنون على حضور الموروث الشعبي الفلسطيني من خلال النقوش والإشارات واللهجة الشعبية. وتسعى الفرقة من خلال الأبحاث والدراسات والمسرحيات التي تقدمها إلى محاولة اكتشاف وهوية التراث الفلسطيني وإعادة تقديمه بطريقة تعيد الالق وتعزز الهوية الوطنية التي تتعرض للمحو. على مستوى ثان فإن فرقة (الفراشات الفلسطينية) التي تأسست في فلسطين عام 1995، تتصدر اليوم واجهة مسرح الطفل في فلسطين، فقد قدمت خلال مسيرتها ما يزيد عن 10 مسرحيات موجهة للأطفال من بينها مسرحية “الأرض” من إخراج سلام عودة، وتمزج المسرحية بين الحكاية والأغنية والاستعراض الحركي والتراث لتدعو المتفرجين الصغار إلى التمسك بأرضهم ووطنهم وعاداتهم وتقاليدهم لأنها أحد أهم أسباب البقاء في الأرض لمواجهة المحتل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©