الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

واشنطن وبكين... والدبلوماسية التجارية في أفريقيا

واشنطن وبكين... والدبلوماسية التجارية في أفريقيا
3 سبتمبر 2012
في زيارتها الأخيرة لأفريقيا في بدايات الشهر المنصرم، دافعت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عن وجهة نظرها القائلة بأن الشركات الأميركية من خلال عملها كشريك تجاري كفء مع الشركات الأفريقية تستطيع المساعدة في إحداث نمو اقتصاد عريض القاعدة في القارة. وقالت كلينتون في كلمة رسمية لها في السنغال منذ فترة: "إن تلك الأيام التي كان يسمح فيها لغرباء أن يأتوا ويستولوا على ثروات أفريقيا ومواردها لهم تاركين لشعوبها أقل القليل، يجب أن تذهب بلا رجعة". وملاحظات كلينتون هذه لا تهدف إلى الدعوة إلى تعزيز التعاون بين الولايات المتحدة ودول القارة، وإنما تهدف بالإضافة لذلك إلى توجيه انتقاد ضمني للدول التي تستفيد من الاستثمارات داخل القارة، الذي رأت كلينتون أنها يمكن أن توفر فرصة جيدة لدخول الأعمال والمشروعات الأميركية لأسواق القارة. ولكن على كلينتون أن تدرك أن الاستفادة من هذه الفرصة على النحو المرتجى، تتطلب من الدبلوماسيين الأميركيين أن يكونوا أكثر كفاءة وفعالية في مجال الترويج للقطاع الأميركي الخاص وتعزيز قوة الماركات التجارية الأميركية في القارة. فالاقتصادات الأفريقية تزدهر في الوقت الراهن حيث تشير الإحصائيات أن بعض تلك الاقتصادات تحقق نمواً بنسبة تصل إلى 8 في المئة سنوياً. والحكومة الصينية تعرف هذه الحقيقة، وقامت بالفعل كما يقول "جيمس شن" سفير أميركا السابق في إثيوبيا وبوركينا فاسو قبلها بتوقيع 32 اتفاقية استثمارية ثنائية، وتكوين مناطق تعاون تجاري مع ست دول أفريقية، كما قامت باستثمارات مباشرة في مختلف دول القارة بقيمة تجاوزت 50 مليار دولار، وهو ما جعلها تتفوق على الاستثمارات الأميركية وتصبح الشريك التجاري الأول لدول القارة، والمستثمر الأكبر فيها. وهذه الاتجاهات الاستثمارية والتجارية تمثل تحدياً كبيراً للولايات المتحدة في القارة الأفريقية. إلا أنه مما يخفف من وطأة تلك التحديات في الوقت الراهن على الأقل أن هناك ردة فعل باتت ملحوظة بوضوح تشكل تنافساً مع الصين في أفريقيا. وفي هذا السياق هناك ثلاثة أحداث متفرقة وقعت في الآونة الأخيرة: ففي إثيوبيا، دخلت الحكومة هناك في نزاع تعاقدي مع شركة "بتروترانس" النفطية الصينية بعد أن أعلنت أنها ستلغي الترخيص الممنوح للشركة للتنقيب عن النفط، وذلك بسبب عدم قيامها بضخ استثمارات في هذا المجال حتى الآن. وفي السنغال، رفض صناع الأحذية التقليديون بيع أحذية للمشترين الصينيين خوفاً من قيام الصين في نهاية المطاف بالإطاحة بالصناعة المحلية بالضربة القاضية. وفي "موريشيوس" تفكر الحكومة هناك في الوقت الراهن في استخدام آخر للأرض، التي كانت قد وعدت في السابق بتخصيصها لمستثمرين صينيين لتطوير منطقة اقتصادية خاصة بعد مضي ست سنوات على ذلك الوعد، دون أن يحدث ذلك التخصيص مما يحتم على الحكومة البحث عن استخدام آخر للأرض الآن. هذه النزاعات الثلاثة هي فقط التي تحولت إلى مواد إخبارية، أما الشيء الأكثر أهمية من ذلك، فهو تدهور صدى العلامات التجارية الصينية في أفريقيا. ولمعرفة المدى الذي وصل إليه ذلك يكفي أن توجه سؤالاً لأي رجل أعمال في أفريقيا عن جودة العلامات التجارية الصينية كي تسمع نفس الإجابة تقريباً، خاصة أن الموردين الصينيين يقدمون وعوداً وتعهدات بشأن جودة سلعهم، ولكنهم يتراجعون عنها في النهاية. يحدث هذا في الوقت الذي تزداد فيه شهرة ودرجة الثقة في العلامات التجارية الأميركية. فرجال الأعمال الأفارقة يقولون إن الشركات الأميركية تقدم أفضل النوعيات علاوة على أنها تستأجر عمالاً محليين ولا تعتمد على عمالتها مثلما تفعل الصين. ومسؤولو الشركات الأميركية هم الأكثر مراعاة للاعتبارات البيئية. مع ذلك تمتلك الصين ميزتين بنيويتين في أفريقيا: الأولى، إنها ما زالت تمتلك احتياطيات نقدية هائلة من العملة الأجنبية تمكنها من تمويل مشروعات البنية الأساسية الكبيرة في القارة، وهو ما لا تحبذ الشركات الأميركية الاستثمار أو العمل فيه. الثانية: إن آلية إرساء المشروعات في أفريقيا تعتمد على نظام المناقصة أي منح العقود للشركات التي تقدم أقل الأسعار، وهو ما يمنح الشركات الصينية ميزة نسبية عن شركات الدول الأخرى وعلى رأسها الأميركية بالطبع. ولكي تكون الشركات الأميركية قادرة على التنافس مع رخص أسعار، ومناقصات، الشركات الصينية فإن الأمر سيتطلب بذل جهود مضنية من قبل عدة وكالات أميركية مثل "مؤسسة الاستثمارات الخاصة فيما وراء البحار”. و"بنك الصادرات الأميركي"، ووزارة التجارة، بل وحتى البيت الأبيض والدبلوماسيين الأميركيين العاملين في الدول الأفريقية -الملحقين التجاريين على وجه الخصوص- والذين يمكن لهم تعزيز سمعة وشهرة البضائع والشركات الأميركية. ولكي تنجح الشركات الأميركية في الأسواق الأفريقية يجب على حكومة الولايات المتحدة أن تبدأ في تنفيذ "دبلوماسية تجارية" فعالة وهو مفهوم تقوم وزيرة الخارجية الأميركية بالترويج له منذ بعض الوقت. ويمكن للسفارات الأميركية وغيرها من الأجهزة التابعة لوزاراتها المنتشرة في العديد من أجزاء القارة الأفريقية أن تقود الطريق في هذا المجال. الكسندر بينارد أديس أبابا - إثيوبيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©