الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مشكلة مزمنة... اسمها البوسنة

3 سبتمبر 2012
إذا كانت الولايات المتحدة تركز على الشرق الأوسط وآسيا الوسطى على نحو يمكن تفهمه، فإن الديمقراطية في البوسنة والهرسك، التي كانت تمثل في وقت من الأوقات قصة نجاح نادرة، باتت اليوم في خطر. ذلك أن اتفاقات دايتون لعام 1995 التي أنهت حرب البوسنة الدموية بعد أن استمرت ثلاث سنوات لم تبدد الخلافات العميقة بين القوميات الثلاث الأكبر في البلاد: البوسنة، والصرب، والكروات. وعلاوة على ذلك، فإن اتفاقات دايتون منحت البوسنة بنية دستورية فضفاضة ومختلة على نحو مفرط. وهو ما دفع ممثل المجتمع الدولي في البوسنة قبل بضع سنوات إلى القول إن ذلك البلد البالغ عدد سكانه 4 ملايين نسمة لديه "كيانان، وثلاثة شعوب ناخبة، وخمسة رؤساء، وأربعة نواب للرئيس، و13 رئيس وزراء، و14 برلماناً، و147 وزيراً، و700 عضو برلمان". ومع ذلك، فقد حققت البوسنة تقدماً خلال العقد الأول الذي تلا الحرب. بل إنها ذهبت إلى حد محاولة إصلاح دستورها في 2006. غير أنه بعد فشل المبادرة بصوتين، سرعان ما بدأت العلاقات بين المجموعات الإثنية والحكم تنتقل من سيئ إلى أسوأ. والاتحاد الأوروبي، الذي يتوق إلى التكفير عن ضعفه وعدم فعاليته خلال الحرب، أقنع الولايات المتحدة بإنهاء دور حفظ السلام، وهكذا، حلت قوة أوروبية لحفظ السلام محل القبعات الزرقاء التابعة للأمم المتحدة، وعاد الأميركيون إلى بلادهم. وعلى رغم أن عدداً من مسؤولي الاتحاد الأوروبي حاولوا حث فرقاء النزاع على التعاون، إلا أنه بات من الواضح على نحو متزايد أن بروكسل، بغض النظر عن نجاحها أو عدمه، مصممة على إغلاق مكتب الممثل السامي الدولي والتقليص التدريجي لانخراطها السياسي والأمني (من خلال قوات حفظ السلام) في البوسنة. ثم أخذت دعوى قضائية رفعها مواطنان بوسنيان في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الوضع إلى مستوى الأزمة. ففي 2009، وجدت المحكمة أن بعض أحكام ومقتضيات الدستور والقوانين الانتخابية البوسنية تميز ضد الأقليات. فشعرت منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان الدولية بالارتياح، متوقعة تدابير سريعة لعلاج مكامن الخلل بعد أن جعل الاتحاد الأوروبي، الذي تطمح البوسنة إلى الانضمام إليه، من تعديل الدستور والقوانين الانتخابية شرطاً للعضوية. ولكن بعد ثلاث سنوات على ذلك تقريباً، يتم حالياً الالتفاف على هذا الحكم في إطار صفقة عقدت في الغرف الخلفية. ففي أواخر يوليو الماضي، قرر الحزب الديمقراطي الاجتماعي، الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات في انتخابات 2010 البرلمانية بعد أن تنافس ببرنامج سياسي علماني ومتعدد الإثنيات خلال الحملة الانتخابية، الانسحاب فجأة من ائتلاف مع حزب العمل الديمقراطي، وهو الحزب الرئيسي الممثل للمسلمين البوسنة. ثم شكل الديمقراطيون الاجتماعيون تحالفاً انتخابياً مع "إتش دي زي"، وهو أكبر حزب لكروات البوسنة. وعلى رغم أنه يتم تقديمها باعتبارها رداً إيجابياً على حكم المحكمة، إلا أن الصفقة هي في الواقع عكس ذلك تماماً. فمسودة القانون الانتخابي، التي تعد جزءاً من مجموعة مركبة من التعديلات الدستورية، من شأنها أن تحبس تمثيل كل واحدة من القوميات الثلاث في المناطق التي تشكل فيها الأغلبية على حساب "الآخرين" -الغجر، ومواطني أقليات إثنية أخرى. والحال أن عملية تقسيم الغنائم هذه جائرة ومجحفة لأن الإحصاء القادم للبوسنة، الذي سيجرى في 2013، من المتوقع أن يُظهر أن مجموعة "الآخرين" في البلاد تعادل عددياً كروات البوسنة. وقد يتوقع المرء أن يهب الاتحاد الأوروبي، الذي لا يجد غضاضة في الثناء على التزامه بـ"القيم الأوروبية"، لدعم المعارضة. والحال أن مسؤولي الاتحاد الأوروبي خففوا من معايير تطبيق قرار المحكمة إلى بذل "جهد ذي مصداقية" للقيام بذلك. وفي هذه الأثناء، يبدو أن الولايات المتحدة، المترددة في تقويض التعاون العابر للأطلسي الذي كان مثمراً في أماكن أخرى من البلقان، مستعدة للإذعان لضغوط بروكسل. والواقع أنه من الصعب رؤية الكيفية التي توحي بأن هذا القانون الانتخابي من شأنه أن يعزز الاستقرار في البوسنة. ذلك أن تكريس قوة مناطق المجموعات الإثنية الرئيسية يتنافى مع التاريخ الأوروبي للقرن الحادي والعشرين؛ وحرمان شرائح واسعة من السكان من مشاركة سياسية حقيقية سيؤجج التوترات، ولن يدعم تعلق القوميات المختلفة بالدولة. ثم إن التباين مع اثنين من جيران البوسنة كبير جداً. فكرواتيا، العضو في حلف "الناتو"، ستنضم إلى الاتحاد الأوروبي العام المقبل. والجبل الأسود أو مونتينيجرو، التي قامت بضم أقليات كبيرة من المسلمين الألبان والسلافيين ضمن كيانها الوطني، وصلت إلى مرحلة المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول العضوية في يونيو الماضي، وهي في طريقها نحو الانضمام إلى حلف "الناتو". وفي غضون ذلك، تدور الحياة السياسية في سراييفو حول اتفاقات غير مناسبة بين رؤساء الأحزاب، بينما تهمَل المصالح العليا للبلاد، مثل ملف الانضمام إلى "الناتو" والاتحاد الأوروبي. ولذلك، يمكن القول إن البوسنة والهرسك، التي عانى مواطنوها كثيراً واستثمرت فيها الولايات المتحدة موارد مهمة خلال عقدين من الزمن، تمثل مشهداً يبعث على الأسى والحزن. مايكل هالزل مستشار سابق لنائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن من 1994 إلى 2005 ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©