الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

باب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها

باب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها
16 سبتمبر 2011 01:33
الحمد لله، له أسلمت، وبه آمنت، وعليه توكلت، والصلاة والسلام على سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد،،، عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: (كان في بني إسرائيل رجلٌ قتل تسعة وتسعين إنسانا، ثم خرج يسألُ، فأتى راهباً فسأله فقال له: هل من توبة؟ قال: لا، فقتله، فجعل يسأل، فقال له رجلٌ ائت قرية كذا وكذا، فأدركه الموت فناء بصدره نحوها، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأوحى الله إلى هذه أن تقرَّبى، وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي، وقال: قيسوا ما بينهما، فَوُجدَ إلى هذه أقرب بشبر، فَغُفِر له) (أخرجه البخاري). هذا الحديث حديث صحيح أخرجه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب أحاديث الأنبياء وهو يظهر فضل الله ورحمته على عباده، فرحمة الله واسعة، وباب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها، ومن المعلوم أن يد الله عز وجل مبسوطة بالعفو والمغفرة لا تنقبض في ليل ولا نهار، تنشد مذنباً أثقلته المعاصي يرجو الأوبة بعد طول الغيبة، ومسيئاً أسرف على نفسه يرجو رحمة ربه، وفاراً إلى مولاه يطلب حسن القبول، كما جاء في الحديث الشريف لقوله- صلى الله عليه وسلم-: «إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها» (أخرجه مسلم). وعند قراءتنا لآيات القرآن الكريم نتعرف على رحمة الله الواسعة، كما في قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ *وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ) «سورة الزمر، الآية 53 - 54». التجاوز عن السيئات هذا نداء كريم من الرب الرحيم، إلى عباده الذين فرطوا في جنبه وأسرفوا على أنفسهم، أن ينيبوا إليه، وألا يقنطوا من رحمته، ولا ييأسوا من عفوه ومنّته، فهو يغفر الذنوب جميعاً ولا يبالي، ويتجاوز عن السيئات، ويقبل التوبة، ويعفو عن عباده وهو الغفور الرحيم، فمشروعية التوبة دليل على سمو الشريعة الإسلامية وصلاحيتها لكل زمان ومكان. وعند دراستنا للسنة النبوية الشريفة أيضاً نقرأ حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة» (أخرجه مسلم)، كما ويبين- عليه الصلاة والسلام- رحمة الله الواسعة، وفضله الكبير على عباده، ففي الحديث الذي يرويه عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال: (قدم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سبىٌ، فإذا امرأة من السبي تبحث عن صبيها، وكان ضائعاً، فلما وجدته أخذته فألصقته ببطنها، وأرضعته، فقال لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا والله، وهي تقدر ألا تطرحه: فقال: لله أرحم بعباده من هذه بولدها) (أخرجه البخاري ومسلم). فهذا الحديث الشريف يطمئن المسلمين بأن الله سبحانه وتعالى رحيم بعباده، يفتح لهم باب توبته كي يعودوا إليه معترفين بذنوبهم، طالبين المغفرة والعفو منه سبحانه وتعالى. كرم الله وليعلم الذين أسرفوا على أنفسهم بالمعاصي والذنوب، أن يأسهم من رحمة الله وعفوه، طعن منهم في كرم الله العزيز الوهاب، لذا فهو ينهاهم عن اليأس والقنوط ويشجعهم على التوبة والإنابة، ويعدهم بحسن القبول وكمال العفو والمغفرة، (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) «سورة يوسف، الآية 87». ولله در الإمام البوصيري رحمه الله حيث يقول: يا نفس لا تقنطي من زلة عظمت إن الكبـــائر في الغفــــران كاللمم شرع الله ومن المعلوم أن رسولنا- صلى الله عليه وسلم- قد حدد للإنسانية طريق الحق، وقادها نحو ربها بنظام شرعه الله تبارك وتعالى، فقد كان- صلى الله عليه وسلم- في نفسه صورة حيه لنظام الإسلام، وقدوة حسنة لأتباعه المؤمنين، دعا لعبادة الله وحده فكان أعبد الناس، ودعا إلى مكارم الأخلاق فكان أسمى الناس خلقاً، وقد ذكر القرآن الكريم صفات محمد- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه- رضي الله عنهم أجمعين- فقال: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ) «سورة الفتح، الآية 29»، إنهم أشداء على أعدائهم، لكنهم رحماء فيما بينهم، فماذا يحدث لو أن رسولنا- صلى الله عليه وسلم- بيننا؟! ليرى ما أصاب الأمة من فرقة وتشرذم، وضعف ووهن، وخلاف واختلاف، حقدٌ بين الأخوة، وشدة بين الأحبة، وتفرق بين أبناء الأمة، مع أن الرسول الكريم- عليه الصلاة والسلام يقول: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» (أخرجه البيهقي). فلماذا لا يرحم القوي الضعيف، والغني الفقير، ونكون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ومما يدل على رحمته - صلى الله عليه وسلم - ما روي عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه كان جالساً مع أصحابه فجاءهم رجل من الصحراء بجفاوة طبع أهلها، وقسوة قلوبهم، فسأل عن الرسول- صلى الله عليه وسلم-، فوجده يقبل أحفاده الحسن والحسين- رضي الله عنهما- فسأل رسول الله مستغرباً، يا رسول الله أتقبلون صبيانكم؟ فأجابه الرسول- صلى الله عليه وسلم-: نعم فقال الأعرابي: يا رسول الله إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم واحداً، فماذا كان جواب الرحمة المهداة، قال له - صلى الله عليه وسلم-: «أو أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك، من لا يرحم لا يرحم» (أخرجه البخاري). هذا رد على أولئك الآباء الذين يضيقون بأبنائهم، ويتركون بيوتهم، ولا يستمتعون بالجلوس مع أهليهم، مع أن الرسول- عليه الصلاة والسلام- يقول: (وليسعك بيتك). لقد لقي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العنت والمشقة من قومه في مكة، فخرج إلى الطائف لعله يجد الأنيس والنصير، وللأسف سبوه وشتموه حتى سال دمه الزكي الطاهر، فجاءه الملك وقال يا رسول الله: أأطبق عليهم الأخشبين؟! قال: لا: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحد الله، فعندما كان الدعاء صادقاً كانت الاستجابة الإلهية، فخرج من صلب أبي جهل عدو الله اللدود الصحابي الجليل عكرمة، وخرج من صلب أمية بن خلف الصحابي الجليل صفوان، وخرج من صلب الوليد بن المغيرة الصحابي الجليل خالد بن الوليد سيف الله المسلول. الدعوة إلى الهداية لذلك يجب علينا إذا رأينا رجلاً مخطئاً، مقصراً، ألا نسبه وألا نلعنه، بل علينا أن ندعو الله له بالهداية وأن يشرح الله صدره، وألا نكون عوناً للشيطان عليه، لما روي أنه- عليه الصلاة والسلام- كان رحيماً حتى بأعدائه، كما أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يُمثّل بأحد من أعدائه، ولم يقطع طريقاً، ولم يصادر أرضاً، ولم يمنع ماء، ولم يفرض حصاراً على أعدائه كما يفعل أعداء الإسلام. ومما يؤسف له أن الكثيرين اليوم يقضون حياتهم في اللهو واللعب، ويرتكبون من الذنوب ما تمليه عليهم أهواؤهم، ويأتون من الخطايا ما يروق لنفوسهم، ثم يُسَوّفون ويقولون: سوف نتوب، وغداً نعمل الصالحات، وإذا ما دعاهم أحدٌ من المسلمين إلى العودة إلى الصراط المستقيم قالوا: وهل سيغفر الله لنا ذنوبنا؟! لذلك نقول لهم: يا من غركم الشيطان، وخدعتكم الآمال، ألا تعلمون أنه قد يعاجلكم المرض، أو تخطفكم يد المنية على حين غرة، فإذا أنتم من الهالكين. إن باب التوبة مفتوح، وإن رحمة الله واسعة، فما عليك إلا أن تعود إلى محراب الطاعة، ويكفي للدلالة على ذلك قوله تعالى: (إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) «الفرقان، 70». الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©