الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

باكستان... والافتقار إلى الطاقة

10 سبتمبر 2013 23:28
كانت الأسابيع الأخيرة دموية في باكستان، حتى بمعايير البلد نفسه، حيث قام متطرفون طائفيون بمهاجمة سوق في الهواء الطلق. وأعدم مقاتلون انفصاليون ركاب إحدى الحافلات، وقام إرهابيون بتفجير مباراة للأطفال في كرة القدم وجنازة شرطي. وإضافة إلى ذلك، أدت عملية هروب مميتة من السجن إلى تحرير أكثر من 200 جهادي، كما شُلت الحركة في عاصمة البلاد بعد انتشار شائعات حول وقوع هجمات كبرى وشيكة. هذا الرعب المتواصل يجعل تصريحاً أدلى به مؤخراً وزير المياه والكهرباء الباكستاني خواجا آصف لافتاً بشكل خاص، حيث أعلن في حوار معه أن الطاقة تمثل بالنسبة للبلاد تحدياً أعظم من الإرهاب. وهو تصريح لافت جداً - وصحيح قطعاً! - وذلك لأنه إذا كانت الحركات المقاتلة تستحوذ على عناوين الأخبار دولياً، ومثيرة للقلق دون شك، فإن أزمة الطاقة في باكستان تؤثر بشكل مباشر على عدد أكبر بكثير من الناس مقارنة مع «طالبان»، كما أن نقص الكهرباء، وأكثر من أي شيء آخر– الفساد، الطائفية، نقص الخدمات العامة– يؤدي إلى زعزعة استقرار باكستان، وهي دولة تملك السلاح النووي ويبلغ عدد سكانها 193 مليون نسمة. فالباكستانيون – بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في الشمال الغربي للبلاد حيث تنتشر الحركات المقاتلة – يعانون مما قد يصل إلى 20 ساعة من الانقطاعات اليومية في التيار الكهربائي. وقد تجاوز نقص الطاقة 40 في المئة من الطلب الوطني، كما أنه يكلف البلاد 4 في المئة من الناتج المحلي الخام. ذلك أن المئات من المصانع اضطرت للإغلاق، بما في ذلك تلك العاملة في قطاع النسيج المهيمن، وهو ما خلف أعداداً كبيرة من العاطلين، كما اضطرت المستشفيات إلى تقليص خدماتها، مما يعرض حياة المرضى للخطر، في وقت يقول فيه الأطباء إن الأزمة تزيد من التوتر والاكتئاب. وبالطبع، فقد استغل المقاتلون انعدام أمن الطاقة في باكستان. ففي أبريل الماضي، قامت «طالبان» باكستان بتدمير أكبر محطة لتوليد الطاقة الكهربائية في خيبر باختونخوا، الإقليم المضطرب المتاخم للحزام القبلي لباكستان. ونتيجة لذلك، فقد نصف مدينة بيشاور- عاصمة الإقليم - التيار الكهربائي. كما أدى نقص الطاقة الكهربائية إلى احتجاجات بين المواطنين العاديين، وقام مثيرو الشغب بمهاجمة مكاتب هيئة الماء والكهرباء، والشرطة، والمصارف، والمتاجر، إضافة إلى منازل ومكاتب السياسيين من الأحزاب الحاكمة والأحزاب المعارضة. السبب الرئيس لأزمة الطاقة التي تعاني منها باكستان هو قطاع طاقة مختل يعترف وزير الطاقة نفسُه بأنه أضحى يمثل «كابوساً». ونظراً لوجود عدد من الوزارات والوكالات المسؤولة عن مسائل الطاقة، فإن عملية صنع السياسات تتميز بانعدام التنسيق التام. كما أن انعدام الكفاءة متفش، وخسائر النقل والتوزيع تناهز 30 في المئة. وعلاوة على ذلك، فإن القطاع جد مثقل بالديون لدرجة أن باكستان لم تعد قادرة -حرفياً- على تحمل تكلفة توفير الطاقة. هذه مشاكل كبيرة؛ ولذلك، فإن حلها سيتطلب خطوات كبيرة وخطيرة سياسياً من قبيل توسيع قاعدة الضرائب في باكستان، ومحاربة السرقة، وإعادة هيكلة قطاع الطاقة. غير أن ما يبعث على الأمل هو أن الحكومة الباكستانية الجديدة جعلت من الطاقة إحدى أولوياتها القصوى واقترحت سياسة وطنية جديدة. غير أن بعض تدابيرها التصحيحية، للأسف، يمكن أن تكون مزعزِعة للاستقرار مثل الأزمة نفسها، وذلك لأن السياسة الاستراتيجية الجديدة تدعو إلى التركيز على الاحتياطيات المحلية الأرخص وغير المستغَلة مثل الفحم في ثار، وهي منطقة صحراوية فقيرة في إقليم السند. ويشار هنا إلى أن باكستان قامت على مدى عقود باستخراج الغاز الطبيعي من منطقة أخرى قاحلة وغنية بالموارد: بلوشستان. غير أنه مع مرور الوقت، لم يستفد السكان المحليون عموماً من ثمار عمليات الاستخراج تلك، مما غذى حركة تمرد مناوئة للحكومة تعمد إلى تفجير خطوط الغاز وقطع أسلاك الكهرباء. كل ذلك له تداعيات مقلقة بالنسبة للولايات المتحدة، التي لديها مصلحة استراتيجية في باكستان مستقر، ذلك أن مزيداً من الاضطرابات تزيد من التحديات بالنسبة للانسحاب الأميركي من أفغانستان، والذي يتطلب استعمال طرق الإمدادات الباكستانية. والجدير بالذكر في هذا السياق أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري كان أعلن خلال زيارته الأخيرة إلى باكستان أن المشاريع المموَلة من قبل الولايات المتحدة أضافت أكثر من 1200 ميجاوات من الطاقة الكهربائية إلى الشبكة الوطنية. وهو ما يمثل جزءاً صغيراً فقط من الطلب اليومي في باكستان، الذي يبلغ 15 ألف ميجاوات في المتوسط. كما أنه لا يعوض الـ4 ميجاوات التي من المتوقع أن يتم إنتاجها بواسطة خط أنابيب غاز مقترَح مع إيران، والذي تعارضه واشنطن بشدة. ومع ذلك، فإن الجهود المتواضعة أفضل من لا شيء – والآن هو الوقت المناسب للقيام بها. ذلك أن العلاقات مع إسلام آباد تحسنت نسبياً، وحوار استراتيجي من المتوقع أن يُستأنف بعد أن عُلق لسنوات. وفي هذا السياق، يتعين على الولايات المتحدة أن تغتنم هذه الفرصة لتعزيز تمويلها لمشاريع مرتفعة الكلفة لتوليد الكهرباء (مثل السدود) بمشاريع أصغر وأرخص تدعم تكاليف الكهرباء بالنسبة لفقراء المدن. ‎مايكل كوجلمان زميل مركز وودرو ويلسون الدولي في واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©