السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأسد والضربات الأميركية المحدودة

10 سبتمبر 2013 23:30
التقيت الأسد في قصر بدمشق قبل عشر سنوات، أي في مايو 2003. فقد كنت جزءاً من فريق أميركي رفيع المستوى ذهب إلى سوريا وطلب من الأسد أن يتوقف عن إرسال «جهاديين» إلى العراق لقتل الأميركيين وعن دعم الجماعات الإرهابية في سوريا ولبنان وفلسطين وعن تطوير أسلحة دمار شامل. وأوضح المسؤولون الأميركيون رسالتهم بأقصى ما يستطيعون. ونفى الأسد في رباطة جأش وبأدب صحة كل مزاعمنا وطلب منا تقديم أدلة. لذا بعد شهور، سافر فريق أميركي آخر، كنت ضمنه، إلى دمشق وتقدمنا خطوة أخرى وأطلعناه على أدلة دامغة لسلوك غير مقبول وحذرناه أنه يتعين عليه أن ينتهي على الفور. ولم يكن هناك غموض في رسالتنا أو هذا ما اعتقدناه، لكن الرسالة التي اعتقدنا أننا نقلناها إلى الأسد لم تكن تلك التي أخذها منا. فبدلاً من أن يشعر بالخوف من تحذيرنا، فقد شعر بارتياح أن المسؤولين الأميركيين تكبدوا عناء السفر إليه. واستنتج من هذا أن قلقه الأساسي- وهو بقاءه المادي- لم يعد قائماً، فالولايات المتحدة لن تطيح به كما فعلت مع صدام في العراق المجاور. وتستحق حلقة الأحداث هذه أن نتذكرها في الوقت الذي تبحث فيه البلاد الإجراء الذي يتعين اتخاذه ضد سوريا. وحدد أوباما هدفه الأساسي المتمثل في توجيه ضربة عسكرية بإرسال «طلقة تحذير» حتى يستجيب الأسد «للقلق المحدود بشأن الأسلحة الكيماوية». والهدف الأولي من القرار الذي اقترحه الرئيس هو منع استخدام الأسلحة الكيماوية أو أسلحة دمار شامل أخرى في المستقبل. قد تكون هذه رسالة الرئيس الأميركي، لكن الرسالة التي يفهمها الأسد مختلفة بالتأكيد، فالزعيم السوري سيركز على القيود التي فرضتها الولايات المتحدة على نفسها في أي عمل عسكري تتخذه- لا جنود أميركيين على الأرض، ولا جهود للإطاحة بالنظام ولا عزم جدياً للإخلال بتوازن القوى في سوريا، ولا حملة طويلة الأمد. ومن ثم، يشعر الأسد بالارتياح. وسيجد عوناً في التزام أوباما بأن الإجراءات «ستكون محدودة للغاية، ولن تتضمن التزاماً طويل الأمد أو عملية عسكرية كبيرة». ولم لا؟ فهذا يرقى إلى مستوى القول: إنه فيما عدا استخدام الأسلحة الكيماوية فأعمال القتل الوحشية التي ارتكبها الأسد حتى الآن لا تستحق تحركاً أميركياً. ومما لا شك فيه أن الأسد مستعد لتلقي بعض الضربات من الولايات المتحدة مقابل استخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه. ويستطيع النظام السوري أن يمتص مثل هذه الضربات تماماً كما تلقى ضربات أخرى من الولايات المتحدة سابقاً. ففي ديسمبر عام 1983، أرسلت القوات الجوية الأميركية 28 طائرة مقاتلة ضد مواقع للجيش السوري في لبنان بعد أن أطلق السوريون صواريخ أرض جو ضد طائرة أميركية. وفي ذاك الوقت قالت وزارة الدفاع الأميركية: إنها أرادت منع استهداف طائرات الاستطلاع الأميركية في المستقبل. لكن الأمر لم يجد نفعاً، فقد أسقطت النيران الجوية السورية طائرتين أميركيتين. وفي فبراير عام 1984، قصفت الولايات المتحدة أهدافاً سورية من سفن حربية فيما وصف أنه أكثف قصف من البحر منذ الحرب الكورية. ولم يتغير السلوك السوري وعادت القوات الأميركية إلى ديارها. وفي غمرة الحرب الأهلية الوحشية في سوريا، فمن المحتمل أن يستغل الأسد الضربات الأميركية الجوية المحدودة في الأسابيع المقبلة كوسيلة لحشد دعم قومي داخل البلاد وعلى امتداد الشرق الأوسط ضد «قوى الإرهاب» والإمبريالية الأجنبية التي يحملها مسؤولية العنف في سوريا. وقد يدفع استخدام الولايات المتحدة للقوة العسكرية الأسد إلى التوقف عن شن هجمات أخرى بأسلحة كيماوية، لكن من المرجح أن يكثف استخدامه للأسلحة التقليدية ضد شعبه مدركاً أن المجتمع الدولي مستعد لأن يغض طرفه عن مقتل ما يزيد على 100 ألف سوري منذ عام 2011. والغزو الأميركي البري هو الحل الآخر مقابل هذا النهج المحدود الذي يسمح للأسد بأن يفوز بمعركة المفاهيم هذه. لكن إذا أرادت إدارة أوباما أن تبعث برسالة إلى الأسد يفهمها بدقة، فلا يتعين على الولايات المتحدة أن ترد فحسب ردا موثوقاً به على استخدامه للأسلحة الكيماوية في الآونة الأخيرة، لكن عليها أن تجعله يتوقف عن ذبح شعبه- بكل الوسائل. وسيتطلب مثل هذا النهج التزاماً أميركياً لفعل ما هو أكثر من الضربات المحدودة ضد منشآت الأسلحة الكيماوية. وهذه ستكون الرسالة الوحيدة التي يستوعبها الأسد. ‎روبرت إم. دانين نائب سابق لمساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى بين عامي 2005 و2008 ينشر بترتيب مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©