الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خيول تحزن وتدمع

خيول تحزن وتدمع
11 سبتمبر 2013 20:36
الوطن الأم (الإمارات)، ما زال مسكوناً في داخل التشكيلية كينا السيد المولودة لأب إماراتي، وأم أميركية، فقد شدّها الحنين، حيث تعيش في الولايات المتحدة الأميركية إلى حيث موروثها الشعبي الأصيل، فقدمت في جناحها خمسة عشر لوحة، بكثير من التركيز على رسم: الخيول، الصقور، الجمال (الإبل) في أوضاع وحركات مختلفة، مستخدمة ألوان الزيت والفحم، وقد عكست أعمالها في جناحها الذي حظي بإقبال جماهيري كبير، رؤيتها الجمالية للتراث وألوانه، ورؤيتها لتدفق العناصر في العمل التشكيلي، رغم ثبات الأشكال في أمكنتها على السطوح، إلا أنها بالتوازي تتمتع بحركة داخلية متدفقة. حينما ترسم كينا، سفينة الصحراء، في مكان عيشها الطبيعي، فإنها تظهرها بكامل زينتها والأدوات المستخدمة في تجميلها، ومعها تظهر الألوان الزاهية، فهذه الرؤوس الجميلة للأصايل، لا تخلو من تناسق بصري، ولديها قدرة ممتازة على مزج خليط من الألوان للحصول منها على أصباغ مميزة، قد تشبه ألوان الزعفران والحناء والكركم، وبهذه الخلطة، وتلك اللمسات الإنسانية الشفافة، التي أضفتها على الحيوانات التراثية، بدا لنا كل شيء في مكانه، وكل شيء محسوب بدقة في اللوحة بكافة مستوياتها. صقور كينا السيد، ليست تلك الصقور الجارحة التي نعرفها، بل هي وبألوانها الرمادية والبنية، مخلوقات ضاجّة، إلا أن دقة فن التشريح وإتقانه لديها، حققت لنا متعة بصرية إضافية ونحن نتأمل هذه الطيور في سكناتها وحركاتها، تأملاً جميلاً، قد يغني عن رؤية مئات الصقور الحية المعروضة لأغراض البيع في معرض الصيد والفروسية. ولأن للرسامة طريقتها الخاصة في اختيار حركات الصقور وتحليقها، فكان لا بد من انسجام عام بين العنصر الرئيس في اللوحة وبقية عناصر الطبيعة، وكان توفيقاً منها ذلك الاستخدام البديع للون البني المتدرج، لتصل إلى تلك العتمة المطلوبة، في رسم الصقور على طبيعتها. انتقلت بنا الرسامة الإماراتية الشابة، إلى صحراء البادية، لترسم بعفوية بالغة، جملة من اللوحات، التي تصور الخيول في أوضاع وتأثيرات مختلفة، بأسلوبية تجمع بين الانطباعية والتعبيرية، فضربات الريشة، تعطيك على الفور انطباعاً أولياً بماهية الموضوع، فهنا لا تجد سوى رؤوس ووجوه الخيول، وقد تحولت بنظراتها إلى تماهيات إنسانية، هنا خيول تحزن، وأخرى تصهل وتندفع، وبعضها يدمع، وأخرى تتأمل بنظراتها، لكن يا للروعة ما أجمل عيون هذه الخيول، فهي كاملة التفاصيل، أما عناصر اللوحة فتتجه في بعض المشهديات إلى لمسات ملحمية، من احتشاد العناصر في اللوحة، بدء من العنصر الرئيس (الخيل) مروراً بخلفية اللوحة، ثم الأرضية، وأيضاً الإضاءة الداخلية، والمؤثرات المكملة للشكل الرئيسي، مما يشي في النهاية أننا أمام لوحة محترفة بامتياز وأمام رسامة تعيش خارج الوطن بجسدها، وتعيش في داخله بروحها، ورؤيتها لجمال بيئتها، ومكوناتها التي عكستها من خلال ألوان متدفقة، رسمت من خلالها أعمالاً في غاية الجمالية والتألق. تقول كينا السيد عن تجربتها: إنها تقوم على مزج الألوان وتشكيلها، لكي تعكس تجربة ورؤية جمالية خاصة بها، فليس مهماً أن ترسم، بقدر ما عليك أن تكون واقعياً مقنعاً بموضوعك وعناصرك وصقلك، ولغتك التشكيلية، حتى تستطيع إقناع من يشاهدون أعمالك.. وعبرت كينا عن تقديرها لمستوى الإقبال على أعمالها، بل والاهتمام بها والسؤال عن محتواها، وهذا ما يؤكد أن الشعب هنا، ما زال لصيقاً بتراثه وموروثه الشعبي، وما رسمته من خيول وصقور وغيرها، كان في صلب الاهتمام من جانب الجمهور، وهذا أقصى ما يبحث عنه أي رسام. هناك مسرحية لكاتب أرجنتيني اسمها “الكلب الذي صار إنساناً”، بموازاة ذلك في معرض كينا السيد، وجدنا حصاناً وصقراً وجملاً، كل واحد منهم لروعة رسمه وتجسيده في عمق اللوحة صار إنساناً صحراوياً من نوع آخر، ولكن على طريقة اللون والتشكيل عند هذه الرسامة التي حلت علينا بكل التدفق والجمال وبهاء الريشة الأنثوية الرائعة، فهل بالغنا في الوصف.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©