الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تناقضات العالم السرّي

تناقضات العالم السرّي
11 سبتمبر 2013 20:38
في العام الأخير صدر كثير من الكتب في مصر حول جماعة الإخوان، يحاول كتّابها فهم هذه الجماعة وتاريخها، ومعظم هذه الكتب وضعها أعضاء سابقون بالجماعة وانشقوا عليها مثل ثروت الخرباوي. ويبدو أن الأمر لن يقف عند هذا الحد، حيث أصدر أحمد حسام الدين عمله الروائي الأول “ابن الجماعة”. الرواية مكتوبة بلسان بطلها مصطفى التابعي، من مواليد عام 1976 في إحدى قرى شبين الكوم ـ المنوفية وهو نجل قيادي كبير بجماعة الإخوان وعضو مكتب الإرشاد بها، والده يعمل بتجارة السجاد، وصار من أصحاب الملايين، تربى البطل على أن يتحدث مع أقرانه بالعربية الفصحى وينادي والده: “أبتاه” وليس “بابا”، وقالت له والدته: نحن مسلمون ويجب أن نقتدي بالسلف الصالح. كبر مصطفى والتحق بجامعة القاهرة. وبحكم وضع والده صار مسؤول طلاب الإخوان بالجامعة. لم يكن يحب هذا الدور، كان يريد أن يعيش حياته، وتعرف بصديقه سمير ابن أحد تجار الزمالك الكبار وزميله بالكلية. كان سمير يشرب الخمر وينطلق في حياته، وصار طلاب الإخوان يطلقون عليه “الخمورجي ـ السكري”، ولاحظ بعضهم أن قائدهم بالجامعة صديق له. تتوالى الأحداث في الرواية لنرى عالم الجماعة من الداخل والازدواجيات العديدة بها والتناقضات الشديدة. “حمزة” الشاب الريفي بالجامعة، إخواني متعصب يسعى إلى الصدام مع أمن الجامعة، ليحرج “مصطفى” المسؤول الأول عنهم. هو يحقد بشدة على مصطفى الذي صار زعيماً لهم، لا لأي شيء سوى لأنه ابن عضو مكتب الإرشاد، ونكتشف الطبقية الحقيقية داخل الجماعة. وتتقدم الراوية في مجال إبراز التناقضات، حيث يخوض مصطفى تجربة عاطفية مع “راندا” زميلة سمير وصديقته. راندا من أسرة مصرية عاشت وتربت في لندن. يدخل مصطفى معها في علاقة كاملة، وتجنباً للحرام يتزوجها عرفياً، ويذهب بها إلى شقة مجهولة يمتلكها سمير في حي المقطم، ومعها شرب الخمر وذاق المتعة كاملة. في المقابل يدق قلب سمير تجاه “فاطمة” إحدى عضوات الجماعة بالجامعة، وحاول مرة أن يصارحها بمشاعره فانهالت عليه تتهمه في دينه وفي كل شيء، دمرته نفسياً، دون أن تعبأ بمشاعره. ودخل في دوامات من الحزن والسكر. نصحه مصطفى بنسيانها: “لن تدمع عيناها ولا دمعة واحدة إذا انتهت حياتك بسببها، والله العظيم لن تشفق عليك حتى وأنت ميت بل سيزيد كرهها لك”. وبسبب إحدى المظاهرات التي دبرها “حمزة” وطبع منشوراتها باسم زعيم الجماعة مصطفى تم القبض عليهما واعتقلا ستة أشهر، وخرج مصطفى ليضع مع حمزة تصوراً لمستقبل الجماعة وتوليها الحكم في مصر، وطلب من والده أن يعرض المشروع الذي كتبه على المرشد العام، ويستقبله المرشد، لكنه يحيل مشروعه إلى عضو بمكتب الإرشاد مع والده، وينزعج ذلك العضو من المشروع الذي قد يقع في يد أحد آخر وينتشر أمره، فتتهمهم الدولة والصحافة بالسعى لحكم مصر، وهم يقدمون خطابهم على أنهم لا يسعون إلى الحكم، ويحدث نقاش حاد بين عضو مكتب الإرشاد ومصطفى ثم مع والده ونفاجأ من المواجهة أن الجماعة كانت تراقب مصطفى جيداً ونعرف تفاصيل حياته وعلاقته مع “راندا” التي وصفها والده بأنها علاقة زنى وليست زواجاً، ويفاجئه أن راندا حين عادت إلى لندن وهو في المعتقل كانوا يراقبونها هناك ويعرفون عنها كل شيء، حيث تعرفت بشاب إنجليزي وتقيم معه، وينصحه بالعودة عن ذلك وأنهم لولا الوالد لطردوه من الإخوان وحرم من الجماعة. وتحدث المواجهة العنيفة بين مصطفى ووالده، حيث يقول له: “هل تعرف أنني الآن أشعر بأنني كنت طوال حياتي مضللاً، وأنتم من ضللتموني. من صغري وأنا أرى الأمور من زاوية واحدة، واقرأ التاريخ من كتاب واحد، لم تخبرني يوماً يا أبي أن هناك وجهين للعملة، لم تخبرني بأن هناك أخطاء للجماعة، لم تفهمني إنكم بشر تخطئون وتصيبون، كان كل من ينتقدكم مداناً.. هذا ناصري سفاح.. أو علماني قليل الدين.. حشرات لا تستحق الرد عليها”. ويكمل مصطفى مواجهة والده بأنه قرأ لهؤلاء الحشرات فوجد كتبهم بها الكثير من الوثائق الدامغة مع حجج راسخة، ويذكّر والده بما سمعه منه أن المستشار حسن الهضيبي المرشد العام بعد حسن البنا وضع صورة الملك فاروق في دورة المياه بالمنزل، باعتبار أن ذلك هو مكانها اللائق، وهذا ما فعله الهضيبي في السر، لكن في العلن قال عن زيارته للملك: إنها زيارة كريمة لملك كريم. ونشرت الصحف المصرية كلها هذا التصريح، وقد أخفى والده عنه هذا الجانب من المشهد وأخفته الجماعة عن شبابها. بعد هذه المواجهة قرر مصطفى أن يترك الجماعة نهائياً ويذهب إلى صديقه “سمير” ويعلن له أنه سيمارس حياته بحرية وباختياره، سوف يتكلم اللغة العامية ويواظب على صلاته. الرواية مليئة بكثير من التفاصيل عن العلاقات والتعاملات داخل الجماعة، وفيها الكثير من أعراض وأمراض الجماعات المغلقة، المتسربلة بأيديولوجيا حادة لا تعرف مراجعة الذات ولا الانفتاح على الآخرين. وكعادة جمهور الرواية في مصر راحوا يطابقون بين أحداث الرواية وسيرة نجل عضو حالي بمكتب الارشاد تولى موقعاً وزارياً خلال العام الماضي، ويبدو لي أن هذا لا معنى له، نحن بإزاء عمل روائي متميز ينبئ بأن أحمد حسام الدين يمكن أن يقدم الكثير في هذا المجال إذا قرر أن يواصل كتابة الرواية. “ابن الجماعة” ربما تكون الرواية الأولى التي تخصص بكاملها لتناول جماعة الإخوان، وهذا ما يعطيها ريادة حقيقية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©