الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تحولات أم تناقضات؟

تحولات أم تناقضات؟
11 سبتمبر 2013 20:39
إلى أي حدّ يمكن للمثقف أن يذهب بعيداً، مُتنقّلاً ما بين موقع وآخر، وموقف ونقيضه، وإيديولوجيات متناقضة ومتعدّدة؟ ما هي الدوافع وراء تحوّلات المثقفين اللبنانيين منذ ستينيات القرن العشرين، وما الديناميات التي حرّضت المثقف اللبناني على الاستدارة وعقد تفاهمات مع أنماط من الحكم والسلطة، لم تكن تُمثّله أو كان في خندق المواجهة معها؟ أين كان المثقفون، ولماذا، وأين أصبحوا اليوم؟ أسئلة عدّة ذات صلة تخوض فيها الإعلامية والكاتبة اللبنانية ثناء عطوي، مع تسع شخصيات ثقافية وفكرية وسياسية ودينية، في إصدارها الجديد “حوارات في المسارات المتعاكِسة”، عن بيسان للنشر والتوزيع 2013. ترى الكاتبة أن المُثقف اللبناني لم يعرِف استقراراً على حال، لأسباب ليست أقلّ وضوحاً وإنما أقلّ إقناعاً أحياناً. جاء المثقفون في زمن “التضخّم” الإيديولوجي، والحروب المُتناسلة، والتحوّلات البنيوية التي أنتجت صراعات اجتماعية وسياسية وثقافية، وهزائم وانقسامات، فاتّخذ المثقف مسارات مختلفة، وفقاً لحساباته، ووفقاً لإرادة تمثيل مَنْ وماذا وكيف. غادر الكثير من المثقفين مواقفهم المُعارضة إلى ملاعب السلطة أو الأحزاب أوالمنظمات الثورية، انزلقوا إلى تموضعات وإلى عِصبٍ وجماعات. استدرجتهم محاولة اختبار فعالية الانتماء إلى النظام الطائفي والكيانية اللبنانية وقضايا إقليمية عدّة، وقدّم بعضهم المسألة الطائفية على قضايا الوطن، وقدّم كلّ مثقف أطروحته على أنها “تطوّر” أو “تراكم” أو “صيرورة” أو “انكفاء” أو “ضرورات”، أملتها الحرب وظروف السلم أوالهزائم والانتصارات أو الذوبان في الكيان الحزبي الشامل. تُبرز الكاتبة الدور الحيوي لليسار في حركة التحوّلات والقدرة على إنتاج النقد من داخلها، وتُركّز على شريحة خرج معظمها من رحم الحركات القومية العربية والناصرية والبعثية واليسارية، عندما كانت التيارات السياسية عبارة عن حركات مثقفين ومناضلين، عَبَروا مراحل زمنية خصبة، وصاغوا أفكارهم من منطلقات أممية وقومية وماركسية. لقد كان المنحى الذي استقطب مسالك المثقفين الثوريين عموماً، هو المشترك في هذه التحوّلات، وذلك على الرغم من تنوّع التجارب وتناقضها، بمعنى انتماء غالبية المثقفين إلى حركات اليسار في ذروة صعودها منذ الخمسينيات وحتى السبعينيات. إذ اعتُبرت الماركسية من أهم المشروعات الإيديولوجية التي قدّمت فهماً مختلفاً للتاريخ والأفكار، وربطت بين المثقفين ووحّدت أحلامهم بمجتمعات أفضل، وأسّست، كفلسفة، لاتجاهات نظرية لا تزال جزءاً من تفكير العصر. ترى الكاتبة أنه لا يمكننا أن نفهم مغزى هذه التحوّلات إلّا في سياق التطوّر السياسي الذي مرّت به المنطقة في النصف الأخير من القرن الماضي. إذ تغيّرت خلال العقود الخمسة الأخيرة، بُنية المجتمع العربي نفسه، وواكب ذلك ظاهرة تنقّل المثقفين، وتغيّر دورهم، ووظيفتهم وجمهورهم. تحوّل المثقف من مثقف ملتزم وعضوي وعقائدي، إلى مثقف خبير ومثقف مستشار واحترافي. تُظهّرُ الكاتبة تلك التناقضات بشكل تشريحيّ، لكنها في الوقت نفسه تناقش فعالية هذه العلاقة مع التحوّلات، وترى أنه ما من دافع للاعتقاد أن المثقفين يجب أن يتّبعوا اتجاهاً واحداً أو الاتجاه ذاته، فالأفكار التي يعتنقها المثقف ليست عقائد جامدة، عليه أن يحفظها، خصوصاً وأن غالبية المثقفين الذين تنقّلوا هم من أحزاب يسارية، وتالياً فإن فكر ماركس هو فكر جدلي، وهو فكر التجاوز والعلاقة ما بين النظرية والممارسة، كما هي فلسفة هيغل التي وضعت حدّاً نهائياً لكلّ تصوّر عن الطابع النهائي لفكر الإنسان وفعله.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©