الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحب في برِّ مصر.. الآن

الحب في برِّ مصر.. الآن
11 سبتمبر 2013 20:39
صدر عن دار المصري للنشر والتوزيع بالقاهرة مؤخراً، كتاب مهم ولافت للنظر، بعنوان “مريم.. مع حبي واعتقادي”، للكاتب الصحفي المصري أحمد عطا الله. ويقع الكتاب في 195 صفحة من القطع المتوسط بثلاثة فصول ومقدمة. وفي الواقع لا نهتم بهذا الكتاب من بين سيل الكتب التي تصدر في القاهرة تباعاً، بسبب صدور طبعة ثالثة منه، وهذا يدلل بلا شك على قيمته ورواجه على صعيد الذائقة الجماهيرية، بعد أن أعلن في سوق الكتب المصرية من خلال مكتبة مدبولي الشهيرة، عن تصدره قائمة أعلى مبيعات الكتب في القاهرة خلال شهر أغسطس 2013، ولا نهتم به أيضاً لكونه يعكس نشاطاً ملحوظاً في عملية النشر في مصر التي بدأت تنحو أكثر باتجاه الكثافة والعناية بالمواضيع ذات الصلة بالظاهرة الاجتماعية، ولكننا نهتم به بشكل واضح بسبب فكرته ومادته، وموضوعه الذي يدخل من خلاله الكاتب إلى أعماق تفاصيل قصة حب حقيقية، جمعت بين فتاة مسلمة وشاب مسيحي، وكيف حاول الشاب المسيحي بما لديه من إيمان راسخ بالله عز وجل وبرسله وبالأديان السماوية، أن يقنع أسرة الفتاة المسلمة بالموافقة على الزواج منها، فيما يعود عطا الله بحسه الصحفي ومهارته في عملية الرصد والتعبير مع (مريم) للبحث في تفاصيل حقيقية لشخصيات من لحم ودم، في عمق تفاصيل اختارها القدر، وأحالها إلى واقع مدهش، وهو شغف يتميز به الكاتب منذ أن أصدر لنا كتابه الأول بعنوان “الناس دول ـ حكايات من لحم ودم” عام 2011، ومضمونه يطرح على القارئ حكايات لأناس يعيشون بيننا، ولكننا غالباً وبسبب الزحمة لا نراهم، ولا نحس بهم، أغلبهم مهمشون مقهورون، بعضهم فقد شهرته وبريقه وضاع في غياهب النسيان، وبعضهم أضناه البحث عن لقمة العيش والحياة الكريمة، وبعضهم طحنتهم الحياة وقسوتها، وبعضهم لا يزال يصارع أمواج الحياة، وفساد السياسة والسياسيين، وعنف مراكز القوى. ومنذ ذلك الحين لفت أحمد عطا الله (مواليد عام 1980) إليه الأنظار، بسبب جمال أسلوبه ومفرداته، ولغته الشاعرية، التي استمدها من كونه شاعراً، وبسبب صدق تعبيره، وإخلاصه للموضوع الذي يتبنى الدفاع عنه، فيما يبقى موضوع الكتاب الذي نحن بصدده، من المواضيع التي تحمل إشكالياتها وخطورتها، وحساسيتها، في إطار حوار الأديان والحضارات، حوار ما زال مكبّلاً، بالعديد من القيود والثوابت الراسخة التي لا يحسن مناقشتها في الوقت الراهن على الأقل. حدث يقوم على قصة حب حقيقية، لكن التوليفة العامة لموضوع الكتاب، تنفرد بتناول هذه القضية في إطار ما يحيط بها من تفاعلات سياسية، من جانب وصول تيار “الإسلام السياسي” للحكم في مصر، وتصاعد حدة الاحتقان الطائفي، لم يمنعا أحمد عطاالله من كتابة قصة “مريم” بكل تفاصيلها، وما تحمله من صدمة طائفية للمسلم قبل المسيحي في مصر، وربما يكون ذلك ما دفعه لكتابة إهداء الكتاب في مقدمته على هذا النحو: “إلى سيدي محمد بن عبدالله.. صلى الله عليه وسلم، أدركني بشفاعتك يوم القيامة”، وكأنه يحاول قطع طريق (التكفير)، أو المزايدة على إسلامه وإيمانه بالله، خصوصاً وأن الكتاب مليء بالنصوص الدينية المسيحية، والكثير من الجدل (الهادئ) بين بطل القصة المسيحي، ورجال دين مسلمين وأقباط، حول رغبته في الزواج من جارته المسلمة. (مريم) التي تبادله نفس المشاعر، بعيداً عن القانون المدني، والمعتقدات الاجتماعية التي تتنافى مع فصل مشروعية زواج أهل الكتاب. في هوامش فصول الكتاب، الذي يجمع بين ثنياته مواقف ومشاعر إنسانية، تتجاوز الحدود الفاصلة، في مسألة صراع العاطفة والقيم، وهي ثيمة رئيسية استطلعناها في أدب الكلاسيكية الجديدة في فرنسا، وبخاصة لدى الكاتب المسرحي الفرنسي بيير كورنيه (1606 ـ 1684) الذي اشتهر بملهاته المأساوية “السِّيد” (1636 أو 1637م)، وقد انتقدت الأكاديمية الفرنسية هذه المسرحية؛ لكسرها عدداً من القواعد الكلاسيكية. وتقضي هذه القواعد أن تتألف المسرحية من حبكة واحدة، وتدور أحداثها في مكان واحد، وفي زمن لا يتجاوز اليوم الواحد. كما أن العنف كان ممنوعاً على خشبة المسرح. ومع أن مسرحية “السيّد” كسرت هذه القواعد، إلا أنها أمتعت عدداً كبيراً من الجماهير. وكانت أول مسرحية فرنسية تركز على الصراع النفسي داخل الشخصيات، أكثر مما تركز على تفصيلات تتعلق بالحبكة. وجلبت معها إلى خشبة المسرح الفرنسي لغة غنائية جديدة تتواءم مع الطبيعة العاطفية لأبطال كورنيه. ويبدو أن مؤلف الكتاب أحمد عطا الله، من خلال تناوله موضوعه الشائك، والذي يحمل إشكالياته، قد تعرض هو إلى انتقادات عنيفة من بعض الجهات الدينية، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، التي نالت منه، بسبب جرأته في طرح هذا الموضوع، الذي يعتقد البعض أن في مجرد طرحه، سبب كاف لإشعال نار ثقافة طائفية، نحن بغنى عنها. ولو أن مثل هذا الأمر حدث (زواج أبناء الأديان المختلفة)، فسينقلب العنوان من قصة حب ملتهبة إلى نيران تشتعل جذوتها.. إلى أحد أكثر العناوين كراهة وتشدداً.. وعصبية، وربما فتنة طائفية، غير مقبولة، ونحن على أعتاب الألفية الثالثة. وضع الكاتب في سردياته “إشارات توضيحية” لبعض ما ورد على لسان بطل القصة وحبيبته.. نص خطابه إلى الرئيس السابق محمد حسني مبارك وحرمه “بعلم الوصول” في العام 2003، ونصوص من سفر التكوين وشرح العهد القديم، والفتاوى التي تحرم زواج المسلمة بغير المسلم.. وكذلك نص حكم القضاء الإداري في الدعوى التي حركها بطل القصة.. وكلها إشارات تدخل في صلب الموضوع، وتبعدنا عن الخيال الروائي تماماً، وتورطنا في صدمة الواقع الذي يدفعنا لمواصلة البحث عن سبل للتعايش الفعلي، بعيداً عن نمطية وتقليدية (عاش الهلال مع الصليب)، والتي نود أن نراها جملة حقيقية، تتحقق في الواقع، وما بين النظرية والتطبيق، على مستوى الحوار، الثقافة، السياسة، التعامل الإنساني، بعيداً عن التطرف والعصبية، والاستقواء بالخارج، في وقت تشهد فيه مصر خلافاً حاداً بين أبناء الدين الواحد، حول مسألة الزواج وتفاصيله، فما ظنّك بالعلاقة بين مسلمة ومسيحي، وبالعكس، وهي علاقة يشير إليها المؤلف على غلاف كتابه بقوله: “حرّض عليها الحب، فورط أبطالها في صراع مرير مع ما يريد القلب، وما يقوله الرب، وما يفرضه القانون”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©