الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صراع الحرة والجارية

صراع الحرة والجارية
11 سبتمبر 2013 20:44
موسوعة “الأغاني” للأصفهاني، منجم للباحثين وللدارسين في التاريخ العربي والحضارة الإسلامية منذ منتصف القرن الرابع الهجري، وتضم الموسوعة 22 مجلداً تغطي جوانب الحياة العربية في العصر الجاهلي وصدر الإسلام ثم العهد الأموي كاملاً وصولاً إلى العصر العباسي في ذروة مجد الامبراطورية الإسلامية، غير أن العقود الأخيرة شهدت إقبالاً من فريق، من الدارسين على دراسة سير وتاريخ الجواري وأرباب الغناء، في العصر العباسي، وكأن هذا العصر لم يكن فيه غير الجواري والمغنيات. الباحثة والكاتبة والشاعرة شيرين العدوي، نحت منحى آخر في التعامل مع الأغاني، حيث قررت أن تدرس الحياة الاجتماعية كما عكسها كتاب الأغاني، وقسمت دراستها إلى أجزاء ثلاثة مرتبة تاريخياً، الأول خاص بالعصر الجاهلي والثاني تناول فترة الدولة الأموية والثالث خاص بالدولة العباسية، وسوف نجد كل عصر يحمل ملامحه الخاصة. إنكار ومن الأشياء المهمة التي يكشف عنها الأصفهاني أن وأد البنات كان موجوداً لديّ بعض القبائل والبطون العربية، وليس لدي كلها، وان الوأد كان يتم لأسباب عدة من بينها خشية الفقر أو الإملاق على النحو الذي تحدث عنه القرآن الكريم، ولكن كان هناك الوأد خوفا من نتائج الحروب، كانت الحرب شيئاً أساسياً في ذلك المجتمع القبلي، وكان كبار القبائل وسراتهم يخشون على بناتهم الأسر في صراعات القبائل ومن كانت تؤخذ سبية كانت تتحول إلى جارية وتباع في الأسواق. وكان هناك من يكره وأد البنات، وعرف “صعصعة” بأنه محيي الموؤدات ذلك انه افتدى وانقذ الكثير من الفتيات اللائي كن يتعرضن للوأد بسبب الفقر، حدث أن مر “صعصعة” برجل من قومه وهو يحفر بئرا وامرأته بجواره تبكي، وسألها ما يبكيها، قالت يريد أن يئد ابنتي هذه، فقال له: ما حمللك على هذا؟ وكانت الإجابة: الفقر. قال فإني اشتريها منك بناقتين يتبعهما أولادهما تعيشون بألبانهما ولا تئد الصبية، قال: قبلت. ويقال إن صعصعة انقذ ثلاثمئة فتاة علي هذا النحو وقيل أربعمئة، وعد ذلك من ميل العربي إلى فعل “المكرمات” وان السبب الأكبر في الوأد كان الفقر والجوع، حتى جاء القرآن الكريم وجعل ذلك من المحرمات. في العصر الجاهلي، كانت هناك المرأة العربية الحرة، التي كانت لها مكانتها وشخصيتها لذاتها ولدورها، ومن أبرز هذه النماذج، السيدة خديجة بنت خويلد التي كانت ذات تجارة ومال، وهي التي أرسلت إلى محمد بن عبدالله، قبل النبوة، ليتاجر لها ويخرج في رحلة إلى الشام. العصر الأموي، كان العصر الذهبي للمرأة العربية، وكان ذهبياً للعرب وللعروبة عموماً، فيما يخص المرأة العربية، صارت لها مكانة متميزة، هي أم الخلفاء وهي الزوجة أيضاً، وكان متاحاً اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد، في المنتديات، وفي ضوء الإسلام كانت النساء يحضرن صلاة الجماعة في المسجد ويقفن خلف صفوف الرجال ويحضرن الحج ويطفن بثياب الإحرام، ويشاركن في المعارك أي أن الاختلاط كان مباحاً في حدود وضوابط معينة، وكان محرما الخلوة بين الرجل والمرأة في مكان مغلق، أي ما يعرف فقهيا باسم الخلوة غير الشرعية. في ذلك العصر تبدلت صورة المرأة وتمتعت بالكثير من الحقوق، التي لم تكن متاحة لها في الجاهلية، وظهر هذا التبدل لدي الصفوة العربية، في البيوتات العريقة، وعشن حياة الترف في القصور وشاعت بالتالي قصص الحب ومغامرات العشق، وشملت المدن والبوادي كذلك بل وصلت إلى قصور الخلفاء، وصار للمرأة وضع متميز. يتحدث الأصفهاني عن عائشة بنت طلحة أنها كانت “لا تستر وجهها من أحد، فعاتبها مصعب - زوجها - في ذلك، فقالت: إن الله تبارك وتعالى وسمني بميسم جمال أحببت أن يراه الناس ويعرفوا فضلي عليهم، فما كنت لأستره، والله ما في وصمة يقدر أن يذكرني بها أحد”. .. وحضور ويرد في الأغاني أن فاطمة بنت محمد، إحدى حفيدات علي بن أبي طالب كانت تجلس لأهلها كما يجلس الرجال وتحدثهم، وكانت فاطمة بنت محمد زوجة لابن عمها الحسن بن إبراهيم بن عبدالله ابن الحسن: ويذكر الأصفهاني أن نساء من الطبقة العليا كن يرسلن إلى أشهر الشعراء في الغزل في العصر الأموي، ليكتبوا فيهن شعراً يشيد بمحاسنهن وجمالهن، وكان الشاعر عمر بن أبي ربيعة اشهر من عرف بذلك، وهكذا كان خبره مع عدد من السيدات مثل ليلى بنت الحارث بن عمرو وزينب بنت موسي وهند بنت الحارث وعائشة بنت طلحة وغيرهن من النساء. في العصر العباسي اختلف الأمر، إذ تراجعت المرأة العربية وخفت صوتها، لتبرز صورة المرأة الجارية، وانتشر الحديث عن بعض الجواري وإجادتهن للشعر وللعلوم، فضلا عن إجادة العزف والغناء، وانتشر الزواج من الجواري، لكن الخليفة كان لا بد أن يكون ابنا لامرأة عربية، واختير الخليفة الأول في البيت العباسي “السفاح” رغم أن أخاه المنصور كان يكبره سنا وكان الأحق بالخلافة، لكن السفاح كان ابنا لام عربية، وحدث الشيء نفسه مع هارون الرشيد، الذي بايع ابنه الأمين، ابن زبيدة العربية الحرة وابنة عم الرشيد نفسه وجعله ولي عهده قبل المأمون، لأن الأخير ابن “مراجل” الجارية الخرسانية وقد أدى ذلك إلى حدوث حرب ضارية فيما بعد، حين أقدم الأمين على البيعة لابنه موسى وأبعد المأمون، وبسبب هذه المعركة ضعفت الدولة العباسية ودخلت مرحلة الانهيار. وبقي للمرأة العربية في العصر العباسي مكانها ومكانتها، لكن على مستوى قصور الخلفاء والحكام وهنا تبرز أسماء مثل: أم سلمة المخزومية وزبيدة والخيزران وعلية بنت المهدي وغيرهن، لكن الدور والبروز الأكبر سوف يكون للجواري وللقيان، وخصص الأصفهاني فصولاً بأكملها لعدد من الجواري مثل “عنان” ونوادرهن مع الطبقة العليا في المجتمع، وقد وهب بعض الخلفاء جواريهن الكثير من الجواهر والأموال وتحقق لهن قدراً كبيراً من النفوذ السياسي. والعصر العباسي، كان عصر ترف في احد جوانبه وصاحب هذا الترف الكثير من المجون والزندقة، ورغم أن ذلك كان غريباً على الروح العربية التقليدية، لكنه كان سائداً في ذلك الزمن.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©